المغرب يعتذر عن احتضان القمة العربية الشهر القادم

متاعب في الداخل وأخرى خارجية وراء القرار

متاعب في الداخل وأخرى خارجية وراء القرار
  • القراءات: 1183
م. مرشدي م. مرشدي

اعتذر المغرب أمس بصفة رسمية عن احتضان أشغال القمة العربية السنوية التي كان من المقرر أن تحتضنها مدينة مراكش يومي 29 و30 مارس القادم. جاء قرار الرباط بعدم احتضان هذه القمة بعد طلب سابق بالتأجيل سلم إلى رئاسة الجامعة قبل أسبوع وتحديد يومي 7 و8 أفريل القادم كموعد لانعقادها. صلاح الدين مزوار وزير الخارجية المغربي برر في رسالة بعث بها الى الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي قرار الاعتذار "بعدم توفر الشروط الكفيلة بنجاح القمة" في إشارة الى الأحداث التي تعرفها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة.

وأكد بيان لوزارة الخارجية المغربية انه بالنظر الى التحديات التي  يواجهها الوطن العربي فإن القمة العربية لم تعد غاية في حد ذاتها أو أن تصبح مجرد اجتماع ظرفي. وأضاف أن الشروط الموضوعية لضمان نجاحها واتخاذ قرارات في مستوى الوضع وتطلعات الشعوب العربية غير متوفرة حاليا. وأكد بيان الخارجية المغربية أن القرار اتخذ "بناء على المشاورات التي تم إجراؤها مع عدد من الدول العربية الشقيقة وبعد تفكير واع ومسؤول ملتزم بنجاعة العمل العربي المشترك وبضرورة الحفاظ على مصداقيته".

ويمكن القول أن قرار السلطات المغربية المفاجئ اخلط حسابات الجامعة العربية ووضعها في ورطة من أمرها حول كيفية تعاطي مع هذا الموقف الطارئ وخاصة وان المغرب طالب فقط بتأجيل موعدها في وقت سابق. وهو الطلب الذي استجابت له رئاسة الجامعة العربية دون تحفظ كما هو معلوم. وكشف أحمد بن حلي نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية أنه بعد اعتذار المغرب فإن احتضان الدورة القادمة ستؤول الى دولة موريتانيا حسب الحروف الأبجدية  وذلك وفق ما يتضمنه احد ملاحق ميثاق جامعة الدول العربية وفي حال اعتذار هذه الأخيرة فإن القمة ستعقد في دولة المقر. 

مهما كانت المبررات التي قدمتها الرباط فإن ذلك لا يمنع من القول أن القرار وتوقيته يحمل في طياته أسبابا أخرى ذات صلة بالوضع الداخلي المغربي وأيضا بالظروف الإقليمية التي تعرفها المنطقة المغاربية والاقليمية. لذلك فاإن قرار الرباط التنصل من مسؤوليتها عن احتضان القمة العربية لا يمكن إخراجه عن سياق "متاعب" داخلية يواجهها النظام المغربي منذ أشهر سواء المتعلقة بتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتي ما انفكت النقابات تهدد بالتصعيد كما سنوضح لاحقا، أو حتى ما تعلق بالتطورات المتسارعة التي يشهدها ملف الصحراء الغربية من تعاطف دولي متزايد. 

الزيارة التي يعتزم الأمين العام الأممي بان كي مون القيام بها الى المنطقة يومي 7 و9 مارس القادم وهي أول زيارة يقوم بها للوقوف على حقيقة النزاع في الصحراء الغربية بعد جمود متواصل منذ وقف إطلاق النار سنة 1991، هي هاجس ثقيل على الدبلوماسية المغربية التي أصبحت ملزمة بإعطاء كل الأولوية والجهود لهذا الملف والى إيجاد حلول مناسبة لانشغالات ومطالب النقابات التي تهدد بشل كل القطاعات. الرباط تدرك جيدا أن جولة مون الى الصحراء الغربية قد تعيد النظر في الكثير من المعطيات والمغالطات التي حجبتها سياسة المخزن ودبلوماسيته ضمن منطق احتلال دعمه بإغلاق الأراضي الصحراوية أمام  وفود الحقوقيين والبرلمانيين والنشطاء الدوليين المتعاطفين مع  قضية الشعب الصحراوي.

الزيارة ستحمل دلالات سياسية جذرية تماما كما هو الشأن بالنسبة لزيارة قامت بها السفيرة الأمريكية جوان بولاشيك الأسبوع الماضي الى مخيمات اللاجئين في سابقة هي الأولى لسفير أمريكي. كان ذلك بمثابة رسالة أمريكية قوية للقصر الملكي، خاصة وان مساعي إدارة الرئيس الامريكي  لتوسيع مهام بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية "مينورسو" لتشمل مسالة مراقبة حقوق الإنسان في المدن المحتلة تكاد تصبح محسومة. 

إذن هذه الأسباب وغيرها ما خفي منها وما ظهر كلها وغيرها ـ حسب كثير من المحللين ـ  تكون دافعا قويا وسببا رئيسيا في اتخاذ قرار الاعتذار عشية  اكبر إضراب عمالي سيشل كل مظاهر الحياة في المملكة يوم الاربعاء القادم ولم يسبق للمغرب أن عرف مثيلا له منذ إضرابات سنة 1982. الرباط تخشى أن يكون له إسقاط على الوضع الداخلي وخاصة وانه جاء مع الذكرى الخامسة لأحداث 20 فيفري التي أرغمت الملك محمد السادس على إحداث إصلاحات دستورية تمكن من خلالها تفادي عاصفة ما أصبح يعرف بثورات "الربيع العربي".

إن المقاربات المغربية في الصحراء الغربية لم تعد تلقى تقبلا حتى من طرف حلفائه بعد أن بدأت عدة برلمانات غربية تضغط على حكوماتها من أجل إعادة النظر في علاقاتها مع المغرب على خلفية احتلاله للصحراء الغربية بما فيها مقاطعة المنتجات المتأتية من المدن المحتلة وهي تحمل زورا وسم "منتوج مغربي". المغرب أبدت مخاوف من إقدام دول عربية على مقاطعة أشغال قمة مراكش بعد أن انحازت الرباط الى جانب دول عربية على حساب أخرى في سياق الحروب المندلعة في اليمن وسوريا وانضمامها الى تحالفات إقليمية لم تحظ بتأييد كل الدول العربية.