انطلاق ندوة المنامة حول القضية الفلسطينية غدا

مبادرة أمريكية لتكريس الهيمنة الإسرائيلية

مبادرة أمريكية لتكريس الهيمنة الإسرائيلية
مبادرة أمريكية لتكريس الهيمنة الإسرائيلية
  • القراءات: 840
م. مرشدي م. مرشدي

تنطلق، غدا، بالعاصمة البحرينية، أشغال ندوة المنامة حول الصراع في الشرق الأوسط تحت شعار "من السلم إلى الرفاه الاقتصادي" ضمن الشق الاقتصادي من "صفقة القرن" التي ترعاها الولايات المتحدة في انتظار الكشف عن شقها السياسي.

المفارقة أن الإدارة الأمريكية أصرت على تنظيم هذه الندوة التي تدوم يومين رغم قرار السلطة الفلسطينية مقاطعتها بسبب خدمتها لمصالح الكيان الإسرائيلي ورهنها للحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني ضمن خطة مدبرة لتمييع جوهر القضية الفلسطينية وإخراجها عن إطار كونها صراعا  حضاريا ودينيا لا يمكن القفز عليها بأي حال من الأحوال وجعلها مجرد نزاع يمكن تسويته بالإغراق المالي.

واتبع واضعو هذه الخطة، ورقة الإغراءات المالية من أجل إقناع الفلسطينيين بقبولها وهم الذين اعتمدوا منذ أكثر من عام، سياسة تجويع وتفقير ممنهجة ضد الفلسطينيين بدأت بمنع المساعدات الأمريكية السنوية لهم قبل قطع المساعدات على وكالة غوث اللاجئين "أونروا" في نفس الوقت الذي حرمت فيه حكومة الاحتلال السلطة الفلسطينية من عائدات منتجاتها المصدرة إلى الخارج ضمن سياسة خنق اقتصادي مقصودة وتنفيذا لخطة مبيتة هدفها النهائي تركيع الفلسطينيين وإرغامهم على قبول خطة سموم "صفقة القرن". 

وتهدف "صفقة القرن" في جوهرها إلى تمييع حقيقة الصراع في المنطقة العربية والتهوين من أبعاده الحضارية وعلى أنه مسألة بقاء بالنسبة للفلسطينيين وتقزيمه وقناعتهم في ذلك أن الفلسطينيين سيضحون بالأرض والقدس وكل حقوقهم التي اغتصبت طيلة سبعة عقود بواسطة سياسة الإغراق المالي، بتواطؤ من قوى  إقليمية همها الوحيد إرضاء الإدارة  الأمريكية وإسرائيل على حساب الحقوق التاريخية للفلسطينيين ومقدساتهم.

ولكن ما الجدوى من عقد هذه الندوة في غياب أول المعنيين بها وما الفائدة التي ستجنيها دول عربية ممن أعلنت مشاركتها فيها سوى خدمة الخطة الأمريكية التي قال الرئيس ترامب إنه يريد إنجاحها حيث فشلت كل الإدارات الأمريكية التي سبقته وطيّ صفحة أعقد صراع يعرفه العالم بعد الحرب العالمية الثانية؟ والأكثر من ذلك أي حظ لنجاح هذه الندوة في ظل قفز واضعي خطة صفقة القرن على حقائق الواقع القائم في منطقة الشرق الأوسط وعدم اكتراثهم بحقيقة ما يشعر به الفلسطينيون من حيف وإذلال لا يمكن لأموال الأرض أن تطفئ جمرة غيضهم المتوارث أبا عن جد؟.   

والمفارقة أن جاريد كوشنير مستشار الشؤون السياسية وصهر الرئيس الأمريكي صاغ مبادرته ولم يعقد لقاء واحدا مع أي مسؤول فلسطيني بما يؤكد على أن الإدارة الأمريكية تريد وضع الفلسطينيين أمام خيار واقع واحد وهو قبول خطة الإذلال الجديدة والانصياع لإرادتها وهم مكرهون.

ولا يستبعد أن يلجأ الرئيس الامريكي إلى لعب ورقة الدول العربية للضغط على السلطة الفلسطينية لركوب سفينة "صفقة القرن" رغم أنها لن توصلها إلى برّ الأمان.

وهي مقاربة جعلت متتبعين يؤكدون أن العواصم الخليجية ودول عربية أخرى موالية لها، سوف لن تتوانى لحظة في لعب هذا الدور رغم علمها المسبق أن نتائج الندوة ستكون صفرية ولكنها تريد إرضاء الرئيس الأمريكي الذي ما انفك يؤكد أنه وقف في وجه إيران حماية لهم في المنطقة العربية.

وبلغت سياسة الإغراء الحد الذي جعل الإدارة الأمريكية تؤكد أن صفقة القرن  ستدر على الفلسطينيين مبلغا خياليا  يفوق 50 مليار دولار يسمح باستحداث قرابة مليون منصب شغل خلال عشر سنوات القادمة وهو ما يعطي صورة وردية لواقع بائس في الضفة الغربية كما في قطاع غزة.

ثم ما الفائدة من جمع هذه المبالغ الضخمة وقد عارضت الإدارة الأمريكية كل فكرة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف وفق مبدأ "حل الدولتين" الذي أيدته إدارتا الرئيسين الأمريكيين، جورج بوش الابن وباراك أوباما قبل أن يقوم الرئيس الحالي بالتراجع عنه تحت ضغط اللوبي اليهودي الذي تحوّل إلى عرّاب السياسة الخارجية الأمريكية وخاصة تجاه القضية الفلسطينية وكل الدول العربية.

وذهبت قراءات سياسية للخطة الأمريكية أنها تهدف في ظاهرها إلى طيّ صفحة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ولكنها في الحقيقة تريد تحقيق أكبر اختراق دبلوماسي لإسرائيل مع دول المنطقة من خلال إقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها، بسفارات ورايات إسرائيلية ترفرف في هذه العاصمة وتلك وعدم الاكتفاء فقط بعلاقات تحت الطاولة. واستند أصحاب هذه المقاربة إلى الزيارات المتلاحقة التي قام بها عدد من المسؤولين الإسرائيليين إلى دول عربية من غير تلك التي تقيم علاقات مع الكيان المحتل.

وبدأ الوزير الأول الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو حملة الاختراق بزيارة مفاجئة إلى سلطنة عمان شهر أكتوبر من العام الماضي قبل أن تقوم وزيرة الرياضة الإسرائيلية،  ميري رغيف بزيارة إلى مسجد الشيخ زايد بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي في نفس الوقت الذي قام فيه وزير الاتصالات الإسرائيلي، أيوب قارة بزيارة إلى دبي حيث شارك في ندوة في مجال تخصصه. وهي كلها معطيات بعضها ظاهر للعيان وآخر مستتر تجعل السلطة الفلسطينية ومن تبقى من أحرار العرب يرفضونها جملة وتفصيلا لمآلاتها الكارثية على الشعب الفلسطيني في مرحلة أولى وعلى العرب جميعهم في قادم الأعوام.