تركيا تبدأ في تجريب صواريخ "أس ـ 400" الروسية

مؤشرات لبناء عقيدة عسكرية جديدة في عالم الألفية الثالثة

مؤشرات لبناء عقيدة عسكرية جديدة  في عالم الألفية الثالثة
  • القراءات: 530
م. م م. م

شرع الجيش التركي أمس، في إجراء أولى تجاربه على أنظمة الدفاع الجوي الروسية المعروفة بصواريخ "أس ـ 400" رغم محاولات أمريكية متكررة لإقناع الرئيس رجب طيب أردوغان بعدم تشغيلها لتفادي عقوبات اقتصادية قاسية. وكشفت سلطات محافظة العاصمة أنقرة في بيان أصدرته أمس، تحليق طائرات حربية من طراز "أف ـ 15" على علو منخفض في أجواء المدينة أمس، واليوم من دون أن تعطي توضيحات أخرى بشأنها.

ولكن صحفا تركية أكدت أن تحليق هذه الطائرات النفاثة يدخل في إطار عملية تجريب رادارات وبطاريات صواريخ "أس ـ 400" الروسية مباشرة بعد الانتهاء من عملية تنصيبها وأشهرا بعد تسلمها. يذكر أن هذه الصفقة الضخمة بين موسكو وأنقرة أثارت سخط إدارة الرئيس الأمريكي لتزامنها مع عقوبات اقتصادية أمريكية على روسيا وبدعوى خطرها على تجانس منظومة الدفاع الأطلسية على اعتبار أن الصواريخ الروسية ومنظومة الدفاع الجوي الملحقة بها، تعتبر بمثابة نشاز في الترسانة الحربية الأطلسية.

وأصر الرئيس التركي على إتمام هذه الصفقة رغم علمه المسبق بالجدل الذي ستثيره في أوساط حلفائها في حلف "الناتو" ورغم المكالمة الهاتفية التي أجراها معه الرئيس الأمريكي منتصف الشهر الجاري، محاولا إقناعه بالعدول عن مسعاه. وإذا كان الظاهر في موقف الرفض الأمريكي حرص الرئيس ترامب على منع تسلل أسلحة روسية إلى ترسانة الحلف الأطلسي ولكن الحقيقة الخفية تبقى مخاوف أمريكية من احتمالات قوية لاختراق الأنظمة الروسية للأسرار التكنولوجية للمقنبلة الإستراتجية "أف ـ 35" المتعددة المهام الحربية والتي تشكل آخر ما أنتجته مصانع السلاح في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة.

وهو الإصرار الذي جعل إدارة الرئيس الأمريكي ترضخ للأمر الواقع التركي وقررت عدم فرض عقوباتها الاقتصادية شريطة أن لا تقدم أنقرة على تفعيل هذه الأنظمة لما لها من خطر على أسرار الترسانة الحربية الأمريكية التي كانت ومازالت أهم الأسلحة التي يمتلكها الجيش التركي. وبإقدام أنقرة على هذه الخطوة أمس، فإن ذلك يدفع إلى التساؤل حول طبيعة رد الفعل الذي سيتخذه الجانب الأمريكي وما إذا كان الرئيس، دونالد ترامب سيذهب في تهديداته إلى حد فرض العقوبات التي توعد بإنزالها على تركيا؟

ويطرح التساؤل عشرة أيام فقط قبل انعقاد قمة الحلف الأطلسي بالعاصمة البريطانية في الرابع ديسمبر القادم والتي يأتي التئامها في سياق الجدل الذي خلفته دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضي بضرورة التفكير في إعادة النظر في آليات اتخاذ القرارات داخل المنتظم العسكري لضفتي الأطلسي والتي لم تعد متجانسة بسبب مواقف الإدارة الأمريكية وإعلان الاتحاد الأوروبي نيته في تشكيل قوة تدخل سريع موازية لقوة حلف "الناتو".

وهي كلها مؤشرات من شأنها التعجيل بتفكك هذا الحلف وخاصة منذ تبني الرئيس الأمريكي لشعار "أمريكا أولا" ويكون الرئيس التركي قد استشعر المغزى من هذا الشعار وجعله يسارع إلى ربط علاقات قوية مع الحليف الروسي نكاية في الدول الأوروبية التي رفضت انضمام بلاده إلى عضوية الاتحاد الأوروبي طيلة عقود وجعلته في النهاية يؤكد أنه لم يعد في حاجة إلى قبول طلبه وبقناعة أن الدول الأوروبية هي التي أصبحت في حاجة إلى بلاده.

وجاء كشف صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أمس، عن ملاسنات حادة بين المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون على خلفية تأكيدات هذا الأخير بأن حلف "الناتو" وصل مرحلة "الموت السريري" ضمن حادثة جاءت لتؤكد أن الأوضاع داخل أحد أقدم وأقوى ترسانة حربية في العالم لم تعد بتلك المتانة التى ميزت علاقات بلدانه إلى غاية نوفمبر 1989، تاريخ سقوط جدار برلين ومعه حلف وارسو الذي كان ومنذ سنة 1945 سبب وجود حلف الناتو الذي شكل صلب الصراع الإيديولوجي بين شرق أوروبا وغربها.   

وحتى إن سارع الناطق الرسمي باسم المسؤولة الألمانية إلى نفي ما نشرته الصحيفة الأمريكية، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لمنع القول أن الحلف الأطلسي بدا يعد أيامه وسط مؤشرات لطلاق بيّن، بين ضفتي القارة العجوز والعالم الجديد وسط حسابات لإقامة علاقات دولية جديدة بعدية عن عقيدة التحالفات المتعددة والاعتماد من الآن فصاعدا على قوة الدولة الوطنية والتي أراد الرئيس الأمريكي تكريسها عبر شعار "أمريكا أولا".