ندوة برلين الدولية حول الأزمة الليبية

كلمة الرئيس تبون أمام المشاركين

كلمة الرئيس تبون أمام المشاركين
  • القراءات: 773

ألقى رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أمس، كلمة أمام المشاركين في ندوة برلين الدولية حول الأزمة الليبية، فيما يلي نصها الكامل:

«معالي السيدة أنجيلا ميركل، مستشارة جمهورية ألمانيا الفدرالية،

معالي السادة رؤساء الدول والحكومات،

قبل أن أبدأ مداخلتي، استسمحكم بالوقوف على حادث أليم وقع اليوم ببلادي للترحم على أرواح حادث مرور أسفر عن وفاة إثني عشر (12) مواطنا جزائريا وما يفوق الأربعين جريحا.

أدعو الله أن يتغمد أرواح المفقودين كما أتمنى الشفاء العاجل للجرحى والصبر والسلوان لعائلات الضحايا. إنا لله وإنا إليه راجعون.

يطيب لي في مستهل مداخلتي أن أتقدم بجزيل الشكر للسيدة أنجيلا ميركل على الدعوة الموجة لي لحضور هذا المؤتمر وعلى العناية والرعاية التي حظيت بها والوفد المرافق لي في هذا البلد الصديق. كما أهنئها على الجهود المضنية التي بذلتها في سبيل تنظيم وإنجاح هذا اللقاء المتميز رغم كل الصعاب. ولقد شاءت الصدف أن تكون ألمانيا أول محطة أزورها بعد انتخابي رئيسا للجمهورية.

ينعقد مؤتمرنا هذا في ظل تصعيد خطير وغير مسبوق تشهده الأزمة الليبية، تتجلي مظاهره في مزيد من الأعمال العسكرية والعنف والاقتتال وإمعان في تدمير المنشآت الاقتصادية وما تبقى من بنية تحتية، حتى انزلقت في منعرج خطير يهدد وحدة الشعب وسيادة ومستقبل هذا البلد الشقيق والجار. وفي هذا الصدد، نثمن وقف إطلاق النار المبدئي المتوصل إليه أخيرا، والذي نتمنى أن يدوم.

السيدة الرئيسة، السادة الحضور،

جئنا وقلوبنا مع أهالينا في ليبيا وهم يتطلعون إلينا لإيجاد حل لأزمتهم والتخفيف من حدة المشاكل التي تعصف بهم والتحديات التي تواجههم، وللأسف إن ما يزيد الأوضاع تعقيدا في هذا البلد الشقيق مرده التدخلات السلبية، إلى جانب هذا الظرف أو ذاك بما يذكي نار الفتنة بين الليبيين ويرسخ الضغينة والحقد فيما بينهم.

إن الجزائر التي تربطها علاقات تاريخية ووشائج القربى بليبيا، حريصة على البقاء على مسافة واحدة من كافة الفرقاء، ولم تدخر أي جهد في تقريب وجهات النظر فيما بينهم ومد جسور التواصل مع كل الفاعلين في هذا البلد الشقيق، ولم تتردد في دعوتهم إلى تغليب لغة العقل والانخراط في مسار الحل السلمي للأزمة الذي سيظل وحده الكفيل بضمان وحدة الشعب الليبي واحترام سيادته بعيدا عن أي تدخل أجنبي.

السيدات والسادة،

لقد حرصت بلادي منذ بداية الأزمة الليبية على حث الفرقاء الليبيين على الانخراط في مسار الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة ويرافقه الاتحاد الإفريقي بهدف تشكيل حكومة توافق وطني كفيلة بتسيير المرحلة الانتقالية وإعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية لمواجهة التحديات التي تواجه الشعب الليبي بما فيها مكافحة الإرهاب.

وفي هذا الإطار، قامت الجزائر بالمشاركة بفعالية وعلى مختلف المستويات في كل الجهود الهادفة إلى التوصل لحل سياسي، وعلى سبيل الذكر لا الحصر أشير إلى أن بلادي بادرت في ماي 2014 بإنشاء آلية دول جوار ليبيا التي عقدت أول اجتماع لها بالجزائر، واحتضانها منذ مارس 2015 العديد من جولات الحوار بين قادة الأحزاب السياسية الليبية ضمن مسارات الحوار التي كانت تشرف عليها الأمم المتحدة، فضلا عن أنها طرف في المبادرة الثلاثية حول ليبيا مع مصر وتونس المنبثقة عن إعلان تونس في مارس 2017، وتستضيف اجتماعها بصفة دورية.

وتبذل بلادي انطلاقا من روح التضامن مع الشعب الليبي، وفي إطار التنسيق والتشاور مع كل الأطراف الليبية ودول الجوار، قصارى جهدها من أجل تثبيت وقف إطلاق النار، كما أن مساعيها لم تتوقف يوما عن لمّ شمل الفرقاء وتقريب مواقفهم تشجيعا للحوار الشامل الذي يفضى إلى حل سياسي توفقي، باستثناء العناصر أو المجموعات المسجلة على قائمة الإرهاب الأممية. وهذا العمل تقوم به الجزائر بعيدا عن الأضواء لتأمين نجاح مساعيها، ومع إدراك الإخوة الليبيين لذلك.

السيدات والسادة،

إن الجزائر تدعو المجموعة الدولية مجددا، وخاصة مجلس الأمن الدولي، إلى تحمل مسؤولياتها في فرض احترام السلم والأمن في ليبيا، وتؤكد رفضها المساس بوحدتها الوطنية وسيادتها ومؤسساتها الوطنية، كما أن سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة مرفوضة جملة وتفصيلا.

لقد أدى تدفق السلاح إلى الأطراف الليبية إلى تأزيم أكثر للوضع وتعقيده، كما أن إشراك المقاتلين الأجانب في النزاع زاد من شدة العنف وحدته، فضلا عن أن جماعات إرهابية متطرفة قد زاد نشاطها مؤخرا بعد التصعيد العسكري، مهددة السلم المحلي والجهوي والدولي. بالإضافة إلى استغلال المجموعات بالإتجار بالبشر والجريمة المنظمة وتهريب المهاجرين من ليبيا إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط، لتصبح هي الأخرى مصدر آخر لتهديد الاستقرار في ليبيا والمنطقة ككل.

ولا يخفى على أحد أن التنافس الإقليمي والدولي حول الأزمة الليبية وتعدد الأجندات المتناقضة يعمل على إبقاء الوضع في ليبيا على حاله، مما قد يؤدي إلى إفشال الجهود الأممية والإقليمية الرامية إلى إيجاد تسوية سياسية. إنني واثق من قدرة الشعب الليبي على تجاوز محنته لو ترك لوحده ومنحت له الفرصة تحت إشراف أممي محايد لدفعه إلى الحوار وانتهاج المصالحة الوطنية للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة تقوم على ضمان أمن ليبيا واستقرارها وبناء دولة ديمقراطية قوية قادرة على بسط نفوذها على كامل التراب الليبي دون أي تدخل أجنبي في شؤونها الداخلية.

السيدات والسادة،

نحن مطالبون اليوم بوضع خارطة طريق واضحة المعالم وملزمة للطرفين تشمل تثبيت الهدنة والكف عن تزويد الأطراف الليبية بالسلاح لإبعاد شبح الحرب عن كل المنطقة، ودعوة أطراف الصراع للعودة إلى طاولة المفاوضات لحل الأزمة عبر الحوار والطرق السلمية لتفادي الانزلاق نحو المجهول، والجزائر مستعدة لإيواء هذا الحوار بين أشقائها الليبيين.

وفي الختام، أشير إلى أن المنطقة في حاجة إلى استقرار مبني على منظومة الأمن المشترك، ونحن في الجزائر متمسكون بالنأي بالمنطقة عن أي تدخلات أجنبية والتأكيد على أن أمن ليبيا هو امتداد لأمننا وأن أفضل طريقة لصون أمننا القومي هو التعامل والتكاتف مع جيراننا لمواجهة الإرهاب والتطرف.

وفقنا الله وسدد خطانا لما فيه الخير لشعوبنا.

أشكركم على حسن الإصغاء والسلام عليكم".