في الذكرى الثامنة والثلاثين لاحتلال المغرب للصحراء الغربية

فشل "الحكم الذاتي" أفقد المخزن توازنه

فشل "الحكم الذاتي" أفقد المخزن توازنه
  • القراءات: 1230
م/ مرشدي م/ مرشدي

تمر اليوم، الذكرى الثامنة والثلاثون لمأساة الشعب الصحراوي التي خلفتها "مسيرة خضراء"، أراد الملك المغربي الراحل الحسن الثاني إعطاءها لون الجنة ولكنها كانت حمراء بلون الجحيم مازال شعب بأكمله يحترق من ويلاته إلى اليوم. ويستعيد الصحراويون في مثل هذا اليوم من كل عام مشاهد تلك المأساة ـ الكارثة التي قادها الملك المغربي بعد أن جيّش أكثر من 350 ألف مغربي أصبحوا مستوطنين في أرض ليست أرضهم واستعبدوا سكانها بنفس أساليب الاستعمار الأوروبي في القرن الثامن عشر.

ولم تكتمل فرحة السكان الأصليين في الصحراء الغربية بعد أن انفضح أمر الاتفاقية الثلاثية بين نظام ديكتارتوي  منهك في مدريد وبين ملك مغربي أغواه الجشع ورئيس موريتاني فقد صوابه وأراد أن يتحول إلى قوة استعمارية وهو الذي خرج لتوه من قبضة استعمار فرنسي مقيت.

وإذا كان ديكتاتور إسبانيا فرانشيسكو فرانكو عند توقيعه على اتفاقية مدريد المشؤومة في الرابع عشر نوفمبر من سنة 1975 يحتضر وتأكد من فشل نظامه الديكتاتوري، كانت طموحات الملك الحسن الثاني مغايرة تماما بعد أن أبان عن رغبة في اخذ مشعل الاستعمار الذي تيقنت القوى الاستعمارية التقليدية فشله في تركيع الشعوب وفرضه هو على شعب كان ينتظر التفاتة أممية للحصول على استقلاله.

ويتذكر الصحراويون ذلك الخطاب الجهنمي الذي ألقاه عشية مسيرته "الحمراء" عندما قال للآلاف من رعية مخدوعة "غدا سنخترق الحدود" باتجاه الجنوب في اعتراف باعتدائه على إحدى أهم قواعد العلاقات الدولية المبنية على احترام الحدود ولكنه تعمد خرقها بكلمته تلك.

ولكن نشوة النصر التي طبعت موقف الملك المغربي نتيجة ذلك "الانجاز" الاستعماري ما لبثت أن تلاشت ولم تصمد أمام الضربات الموجعة التي ألحقها بها عناصر جبهة البوليزاريو التي ولدت من رحم الاستعمار الاسباني وثارت في وجه قوات الاستعمار الجديد وأكدت لكل العالم ان الشعب الصحراوي لا يمكن أن يخرج من استعمار أوروبي ليقع تحت وطأة استعمار أخ ـ شقيق.

ووجد المخزن المغربي نفسه في حرب حقيقية لم يتمكن من التصدي لتبعاتها على ارض المعركة واقتصاديا بعد أن أنهكت ميزانية الدولة المغربية لولا استنجادها بفرنسا لنجدتها من انهزام وشيك قبل أن تدخل إسرائيل على خط المواجهة وتقيم جدار العار لحماية القوات الملكية من هزيمة نكراء بعد أن قسم ارض الصحراء الغربية الى جزأين بحقل من الألغام مازالت تبعاتها الكارثية قائمة إلى اليوم.

ورغم الدعم اللوجيستي والتكتيكي الفرنسي ـ الإسرائيلي لنظام ملك خائف حتى من اقرب مقربيه إلا أن ذلك لم يكفه في احتواء ثورة شعبية صحراوية حقيقية أنهكت اقتصاده وحتمت عليه القبول بفكرة الاستفتاء.

وهو الشيء الايجابي الوحيد الذي يحسب للملك المغربي الراحل في قضية افتعلها واحتار في كيفية الخروج منها.

ولكن عقارب ساعة هذه القضية عادت الى نقطة الصفر مع مجيء نجله محمد السادس الذي سار في سياق مقترحات مستشاريه الذين أقنعوه بركوب سفينة "الحكم الذاتي" التي غادرها والده مقتنعا بأنها لن توصله الى شاطئ الأمان ليجد نفسه في بحر هائج لم يستطع توجيه بوصلتها نحو الوجهة التي كان يريد.

وراح الملك محمد السادس ودبلوماسيته يضربان خبط عشواء في التعاطي مع الوضع مرة باتجاه اليمين وأخرى باتجاه الشمال مما جعله يفقد طريق الصواب وسط رؤية دبلوماسية حالكة السواد ومتشعبة المعالم.

وكان سيناريو اقتحام القنصلية الجزائرية بمدينة الدار البيضاء ذات أول نوفمبر زلة تأكد معها أن الملك وحاشيته تاهوا فعلا في بحر لا يقدرون على أهوال أمواجه بعد أن حاول تحميل فشل دبلوماسية بلاده على دولة جارة ذنبها أنها وقفت مع الحق ورفضت اتباع الغي الذي سار فيه.

وهو الحق الذي يصر عليه الصحراويون ويريدون أن يحولوا "المسيرة الخضراء" إلى حمراء على نظام ملكي مترهل لم يعد يميز بين ما ينفعه وما يضره اعتقادا منه أن شحن الرأي العام المغربي لصالح فكرة حماية السيادة الوطنية المزعومة يكفيه للتشبث بفكرة استعمارية لم تعد تصلح للألفية الثالثة.

وربما ذلك ما يفسر درجة الهيجان لدى نظام مخزني بعد أن اقتنع آن هامش المناورة لديه ما انفك يضيق في ظل تحرك الأمم المتحدة لإنهاء وضع قائم في إقليم محتل لم يعد يطاق وسط انتهاكات وخروقات لا تحصى ولا تعد.