بعدما حولت بوصلتها نحو الشرق الأقصى

فرنسا تنتقد تراجع الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط

فرنسا تنتقد تراجع الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط
  • القراءات: 463
م. مرشدي م. مرشدي

كشفت تصريحات وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بيرلي، بالعاصمة البحرينية أمس، عن رغبة فرنسية غير معلنة لإيجاد موطأ قدم لها في منطقة الخليج وكل منطقة الشرق الأوسط من خلال "اتهامات" مبطنة باتجاه الإدارة الأمريكية التي قالت إنها بدأت ترفع يدها عن هذه المنطقة الحيوية في حسابات القوى الكبرى.

وأظهرت وزيرة الدفاع الفرنسية خلال أشغال الندوة الدولية السنوية حول الأمن العالمي المنعقدة بالعاصمة البحرينية قلق بلادها مما أسمته التنصل التدريجي للإدارة الأمريكية الحالية من مسؤولياتها تجاه ما يجري في منطقة الشرق الأوسط من أحداث.

وبررت حكمها بالأحداث التي شهدتها منطقة الخليج، كان آخرها غياب كل رد أمريكي على الهجومات الإيرانية الأخيرة ضمن ما أصبح يعرف بحرب السفن البترولية" في عرض مياه الخليج الصيف الماضي، وإسقاط الدفاعات الإيرانية لطائرة أمريكية بدون طيار شهر جوان الماضي، وضربها شهر سبتمبر منشآت نفطية سعودية إستراتيجية.

وهي أحكام قيمية سارع رئيس القيادة المركزية للقوات الأمريكية، الجنرال، كينث ماكنزي إلى دحضها في نفس الندوة وقال ردا على تصريحات الوزيرة الفرنسية إنه لا يوافق على نظرية الفرار أو التخلي رغم اعترافه بأن منطقة الشرق الأوسط لم تعد ذات أولوية في حسابات اللعبة العالمية ولكنها تبقى رغم ذلك تكتسي أهمية كبرى لدى الولايات المتحدة.

وأضاف القائد العسكري الأمريكي لتأكيد طرحه بوجود حاملة طائرات في المنطقة وتعزيز البنتاغون للقدرات العسكرية السعودية، في نفس الوقت الذي أرسل فيه قوات إضافية إلى منطقة الخليج لحماية الملاحة الدولية.

وبنت بيرلي مقاربتها على غياب كل رد فعل أمريكي على استهداف سفن نفطية في المياه الدولية في منطقة الخليج العربي وتكرس ذلك عندما أسقطت الدفاعات الجوية الإيرانية طائرة "بريداتور" أمريكية في الأجواء الإيرانية قبل ضرب منشآت نفطية حيوية في قلب العربية السعودية ومرت القضية بدون رد من الإدارة الأمريكية. وهي كلها أحداث جعلتها تتساءل في أي خانة تضع الموقف الأمريكي الغامض، قبل أن تضيف أين هي الدول الداعمة للاستقرار العالمي في ظل تلك الأحداث؟ في إشارة إلى الولايات المتحدة التي ليس من عادتها أن تسكت على تطورات تعنيها قبل غيرها.

وتكون الوزيرة الفرنسية قد بنت موقفها أيضا انطلاقا من تصريحات مسؤولين أمريكيين طالبوا إيران والعربية السعودية الجلوس إلى طاولة مفاوضات واحدة وإنهاء خلافاتهم في نفس الوقت الذي طالب فيه آخرون دول الخليج إلى طي خلافاتهم وإنهاء الأزمة المستفحلة بينهم.

وقالت بيرلي إن منطقة الشرق الأوسط اعتادت على زيادة درجة الانشغال الأمريكي بما يجري فيها حينا وتراجعه حينا آخر ولكنها أكدت أن هذا الاهتمام تراجع بشكل لا يقبل المغالبة منذ وصول الرئيس الأمريكي الحالي إلى البيت الأبيض.

ولم توضح وزيرة الدفاع الفرنسية ما إذا كان الموقف الأمريكي يخدم بلادها أم أنها أثارته مخافة وقوع هزات سياسية غير متوقعة قد تخلط كل الأوراق والحسابات الدولية بما فيها الفرنسية.

ويذكر أن الولايات المتحدة مازالت تحتفظ بأكثر من 60 ألف عسكري موزعين على مملكة البحرين، حيث يوجد مقر قيادة الأسطول الخامس، بالإضافة إلى قاعد العديد في قطر التي تبقى أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في كل منطقة الشرق الأوسط وأخرى في العربية السعودية والعراق.

والمؤكد في مثل هذه المواقف ولعبة المصالح، فإن فرنسا أرادت من وراء ذلك انتهاج دبلوماسية تقفي الأثر ضمن رغبة غير معلنة لملء الفراغ العسكري الذي يمكن أن يخلفه كل قرار تتخذه الإدارة الأمريكية بسحب وحداتها أو تقليص تعدادها كما فعلت في العراق وأفغانستان.

والمؤكد ضمن هذا الجدل أن الولايات المتحدة بدأت فعلا تعيد النظر في استراتيجيها العسكرية خلال الألفية الثالثة من منطقة الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى وقد استشعرت خطورة خروج التنين الصيني النائم من رماده سبعة عقود بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وقد أبانت عن طموحات اقتصادية وعسكرية كفيلة بأن تزحزح مكانة الولايات المتحدة كقوة أولى في العالم.

وتأكدت نية تحويل واشنطن لوجهة بوصلة اهتمامها باتجاه أقصى الشرق الآسيوي، منذ خرجة الرئيس دونالد ترامب، أمام اجتماع لدول حلف "الناتو" سنة 2017 عندما فاجأ نظراءه الأوروبيين بأن بلاده لن تتحمل تبعات الدفاع عنهم وعليهم من الآن فصاعدا ضخ أموال أكبر لحماية شعوبهم.

وهو الموقف الذي جعل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون يطالب قبل قمة حلف "الناتو" المرتقب انعقادها بالعاصمة البريطانية في الرابع ديسمبر القادم، بضرورة إعادة النظر في آليات اتخاذ القرار داخل الحلف لإخراجه من مرحلة "الموت السريري" بسبب موقف الرئيس الأمريكي ضمن رسالة قوية باتجاه نظرائه الأوروبيين بضرورة الاعتماد على أنفسهم في حماية بلدانهم.