من بلد الحريات والحقوق إلى بلد الاعتداء والضرب

فرنسا ترد بعنف على مسيرات "الحريات"

فرنسا ترد بعنف على مسيرات "الحريات"
  • القراءات: 628
ص. محمديوة ص. محمديوة

من بلد لا طالما تغنى بحماية الحريات والحقوق إلى بلد أصبح يضرب مواطنيه بالعصي بقوة القانون في مشهد عنيف فضحته الصور التي تناقلتها كاميرات العالم لآلاف المتظاهرين في شوارع العاصمة باريس ومختلف المدن الفرنسية، خرجوا في مسيرات "الحريات" للتنديد بقانون "الأمن الشامل" الذي تسعى حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون سنّه لمنع تصوير عنف الشرطة.

ففرنسا الدولة الديمقراطية التي تتباهى بشعار "حرية ـ أخوة ـ مساواة"، لم تتوان في صد مواطنيها الذين خرجوا، أول أمس، في مظاهرات عارمة للتعبير عن رفضهم لقانون "الأمن الشامل"، الذي تلقى الضوء الأخضر من الجمعية الفرنسية الأسبوع الماضي، بالقنابل المسيلة للدموع ومطاردة المحتجين وضربهم بالعصي واعتقالهم. وهو ما تسبّب في حدوث صدامات عنيفة بين المحتجين وقوات الشرطة تحوّلت على إثرها شوارع وساحات باريس ومدن أخرى في البلاد على غرار ليل ومونبولييه ورين.. إلى مسرح لمواجهات وعمليات كرّ وفرّ، أضرم خلالها المتظاهرون النيران في بعض الممتلكات العامة ورشقوا عناصر الشرطة بالحجارة والألعاب النارية بل وأقاموا حواجز على الطرقات. وبحسب الأرقام التي أعلنت عنها، أمس، وزارة الداخلية الفرنسية، فقد خلفت المواجهات إصابة ما لا يقل عن 62 شرطيا 23 منهم بالعاصمة باريس و39 بباقي المدن الأخرى واعتقال 81 شخصا بالإضافة إلى إصابة عشرات الآخرين في صفوف المتظاهرين.

وبثت وسائل الإعلام صورا لمتظاهرين وجوههم ملطخة بالدماء وعليها آثار كدمات تعرضوا للضرب المبرح على أيدي عناصر الشرطة كان من بينهم المصوّر السوري المستقل أمير الحلبي البالغ 24 سنة مقيم في فرنسا منذ ثلاث سنوات والذي كان يعمل لفائدة وكالة الأنباء الفرنسية. هذه الأخيرة أدانت الاعتداء الذي طال مصوّرها الذي أصيب بجروح خطيرة إثر تعرضه لضربات بالعصي وطالبت بفتح تحقيق لدى مصالح شرطة.وشارك آلاف الفرنسيين في مختلف أنحاء البلاد في مسيرات صاخبة، احتجاجا على عنف الشرطة وطالبوا بحرية الصحافة بعد أن اعتدت عناصرها على رجل أسود، وهو منتج موسيقي، بالضرب، ما أثار موجة غضب على مشروع القانون الذي يرى كثيرون أنه يقيّد حرية الصحفيين في الكشف عن وحشية الشرطة. وانتفض الفرنسيون ضد قانون "الأمن الشامل" وخاصة المادة 24 منه التي تنص على عقوبة بالسجن سنة ودفع غرامة قدرها 45 ألف أورو لكل من يبث صورا لعناصر من الشرطة والدرك بدافع "سوء النية". ووصفه كثيرون بأنه يقيّد الحريات الإعلامية وحرية التعبير.

وتريد حكومة الرئيس، إيمانويل ماكرون استخدام هذا القانون لتجريم نشر الصور أو اللقطات التي يمكن أن تؤدي إلى انتقادات لضباط الشرطة وأفراد الأمن. وتبرر مضمون المادة محل الجدل بأنها تهدف إلى حماية عناصر الأمن الذين يتعرضون لحملات كراهية ودعوات للقتل على شبكات التواصل الاجتماعي مع كشف تفاصيل من حياتهم الخاصة. غير أن اعتداء الشرطة على المنتج الموسيقي ذو الأصول الافريقية وانتشار ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي كان بمثابة القطرة التي أفاضت كأس حالة الاحتقان والغضب التي يعيشها الشارع الفرنسي منذ احتجاجات الصدريات الصفراء والعنف الذي طالهم. وهو وضع زاد حدة واحتداما في ظل الممارسات العنصرية للحكومة الفرنسية سواء ضد المهاجرين أو المسلمين المقيمين بفرنسا والتي زكاها الرئيس ماكرون نفسه الذي راح يدافع في احدى خرجاته عن الرسوم المسيئة للرسول الكريم من باب حماية الحريات. لكنه أثبت بالقول والفعل أنه من أكبر الرافضين لهذه الحريات التي بدأت الأصوات من داخل فرنسا وحتى من خارجها تدق ناقوس الخطر من انحراف فرنسا عن مبادئها وديمقراطيتها.