انتقدها أقرب المقربين وحلفاؤها بسبب انتهاكها لحقوق الإنسان
فرنسا "الأخوة والمساواة والحرية" في قفص الاتهام
- 788
ص. محمديوة
وقعت فرنسا الرسمية في فخ شعار "الجمهورية" الملوّن بمبادئ "الأخوة والمساواة والحرية" والذي طالما تبنته على مدار العقود السابقة كدولة ديمقراطية حامية ومدافعة عن الحريات والحقوق، لتجد نفسها اليوم في مواجهة سيل انتقادات واتهامات بانتهاكها لهذه الحريات والحقوق ولدت مخاوف من انهيار مبادئ الجمهورية.
ولأن هذه الانتقادات والاتهامات خرجت من أفواه حلفائها الذين أشهروا البطاقة الحمراء في وجه باريس في مجال حقوق الإنسان، فقد كان وقعها ثقيلا على الحكومة الفرنسية التي تواجه سياساتها الاجتماعية والاقتصادية حركة احتجاجية متصاعدة وعنيفة. ففي الوقت الذي خرجت فيه مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان متهمة فرنسا بانتهاكها لحقوق الإنسان وأعربت عن قلقها البالغ إزاء انحراف بلد الأخوة والمساواة والحرية عن هذه المبادئ، لم تخف الولايات المتحدة قلقها بشأن الحملة المسيئة للإسلام في فرنسا. وبتصريحات يكون صداها قد زعزع قصر الاليزي، قالت ميشال باشلي المفوضية السامية لحقوق الإنسان الأممية، أنه أصبح لزاما على السلطات الفرنسية الحرص على عدم "انتهاك حقوق الإنسان لمجموعة كاملة" ارتكب بعضها أعمالا تستحق الشجب. وراحت توجه سلسلة توصيات للسلطات الفرنسية تحثها فيها على تجنب اتخاذ إجراءات تؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان الخاصة بمجموعات بأكملها لأن بعض الأفراد منها ارتكبوا أفعالا لا ينبغي أن تقع. ووضعت تصريحات المفوضية السامية الأممية لحقوق الإنسان فرنسا في قفص اتهام خطير خاصة وأنها حثتها بلهجة الآمر بـ"فحص أساليبها في الحفاظ على النظام بجدية والقضاء على الممارسات التمييزية والتحيزات تجاه مجموعات معينة".
وذكرت في هذا السياق بأنها سبق وأعربت عن قلقها للخروقات التي صاحبت احتجاجات الصدريات الصفراء التي انطلقت في فرنسا عام 2018، ودعت حينها إلى فتح تحقيقات سريعة وشاملة ومستقلة وشفافة حول كل انتهاك لحقوق الانسان. وأكثر من ذلك فقد وضعت باشلي الأصبع على الجرح عندما عبرت عن مخاوفها ومنذ وقت طويل للعنصرية التي يتعامل بها رجال الشرطة وقالت إنه يجب معالجة ذلك على جناح السرعة. والمفارقة أن انتهاكات حقوق الإنسان تجري أطوارها هذه المرة في بلد أوروبي عضو في الاتحاد الأوروبي. هذا الأخير راح برلمانه يمد عينه إلى ما وراء البحار وكان عليه أن ينظر من نافذة قصره فقط ليوثق بأم عينه ما يجري من اعتداء وقمع للمتظاهرين والمحتجين الفرنسيين بدل محاولة الضرب في مصداقية دول أخرى بعيدة عنه. ويبدو أن هامش المناورة بدأ يضيق أكثر فأكثر من حول حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون التي دافعت بقوة عن مقاربتها الأمنية في التعاطي مع الوضع المتوتر في فرنسا وطريقة تعاملها مع من وصفتهم بـ"المحطمين الذين يسعون لتكسير الجمهورية" من دون أن تتمكن من إقناع حتى أقرب حلفائها بدليل القلق الأمريكي من انتهاك حقوق المسلمين في فرنسا بحجة الدفاع عن حرية التعبير.
وبنفس لغة الانتقاد، عبر السفير الأمريكي للحريات الدينية عن "قلقه" حيال الحرية الدينية في أعقاب نشر رسوم كاريكاتورية مسيئة للإسلام والتي كان الرئيس الفرنسي، قد دافع عنها مما خلف ردود فعل غاضبة في العالم الإسلامي. وقال سام براون باك، في تصريحات أدلى بها عبر تقنية الاتصال المرئي عن بعد خلال مشاركته بإحدى الفعاليات، قيم خلالها مواقف الدول المتعلقة بمسألة الحريات الدينية، "أنا قلق بالتأكيد حيال ما يجري في فرنسا" التي ذكرها بواجبها في "حماية الحريات الدينية". ويبدو أن متاعب الحكومة الفرنسية في مجال حقوق الإنسان تتوالي في ظل توقيع أكثر من 100 ألف شخص على عريضة إلكترونية يطالبون برقابة برلمانية على "صفقات بيع السلاح في فرنسا التي قد تستخدم في جرائم تنتهك القانون الإنساني الدولي". ففي عريضة نشرت، أول أمس، على الموقع الفرنسي لمنظمة العفو الدولية، وقع عليها أكثر من 100 ألف شخص خلال ساعات اتهموا فيها، فرنسا بـ"التواطؤ في جرائم تنتهك القانون الإنساني الدولي، من خلال بيعها أسلحة يمكن أن يتم استخدامها ضد المدنيين وفي انتهاكات لحقوق الإنسان". وطالبوها بالالتزام "بنصوص معاهدة تجارة الأسلحة، إضافة إلى فرض رقابة برلمانية على صفقات بيع السلاح". كما طالبوا بضرورة "ممارسة مزيد من الضغط على فرنسا لضمان التزامها بالشفافية ومزيد من التحكم في هذه التجارة".