في الذكرى السبعين لانتصار الحلفاء على دول المحور

ديمومة منطق هيمنة الكبار متواصل

ديمومة منطق هيمنة الكبار متواصل
  • القراءات: 600
م.مرشدي م.مرشدي
من واشنطن إلى موسكو مرورا بباريس وبرلين ولندن ووصولا إلى طوكيو، أحيت الدول الغربية أمس الذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية التي مكنت دول التحالف من قهر دول المحور في حرب لم يسبق للعالم أن شهد أبشع منها. 
واعتقد العالم حينها أن القضاء على النظامين النازي والفاشي سيشكل بعد قرابة ست سنوات من حرب مدمرة وأكثر من 45 مليون قتيل، أكبر انتصار للعالم الليبرالي والديمقراطية والأفكار الحرة قبل أن يصطدم الرأي العام العالمي بأبشع من ذلك عندما راحت شعوب العالم الأخرى ضحية صراع أشد ميّزته حروب واقتتال بنزعة إيديولوجية قاسمها المشترك إن "لم تكن معي فأنت ضدي".
وعلى ضوئها، قسم العالم إلى معسكر شيوعي وآخر ليبرالي بينما بقيت شعوب أخرى محل صراع دامي من خلال حروب أهلية عرفت أوجها في فيتنام وشبه الجزيرة الكورية وحتى في الألمانيتين.
وحتى وإن انتهى هذا الصراع بانكسار المعسكر الشيوعي إلا أن تبعات ذلك الصراع مازالت متواصلة ربع قرن من سقوط جدار برلين الذي وضع حدا للستار الحديدي الذي قسم عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وعندما تم الإعلان عن ميثاق الأمم المتحدة وقوانين حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية التي صاحبت تلك الأحداث وشكلت ثورة في حماية حقوق الشعوب والإنسان وابتهجت بها شعوب العالم معتقدة أن صفحات الحروب السوداء ومآسيها طويت وأن العالم سيحكم بمنطق إنساني ولكنها بهجة لم تعمر سوى للحظات التي تلت التوقيع على اتفاقية يالطا بين القوى المنتصرة ليتحول الحلم إلى كابوس بعد أن استفاق العالم على حقيقة أن التحالف الدولي ضد النازية فرضته الحرب والحسابات الإستراتيجية لينهار كل شيء بعدها ويتحول العالم إلى ساحة حرب أكثر اتساعا عندما أصبحت الحروب منذ ذلك الحين حروب بالوكالة، اكتفت القوى الكبرى من خلالها بتوفير وسائل الدمار للفرقاء حتى داخل البلد الواحد.
وحال الكوريتين أكبر مثال على ذلك الصراع الذي أرغم الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة على قبول الأمر الواقع بتقسيم شبه الجزيرة إلى جزء شمالي شيوعي وجنوبي رأسمالي ودفع الشعب الكوري الثمن وما يزال في صراع لم يجن منه إلا مآسي عائلات تم تشتيتها وثروات أهدرت.
وإذا كانت مصالح القوى الكبرى رأت في توحيد الألمانيتين أمرا استراتيجيا بالنسبة لها وضمن حسابات ميزان القوى الذي ميز علاقات المعسكرين نهاية ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن هذه القوى لم تر في ذلك أمرا ملزما لها بالنسبة لما هو حاصل في شبه الجزيرة الكورية التي قسمت سنة 1953 وهي باقية على حالها ولا مؤشرات توحي أنها ستتوحد في يوم من الأيام. 
ورغم خروج العالم ما بعد الحرب العالمية الثانية من نظام القطبين وبروز القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن ذلك لم يزد الشعوب الضعيفة إلا تكريسا لهيمنة القوى الاستعمارية التقليدية التي خرجت من النافذة بقوة الحديد والنار من عديد الدول المستعمرة إلا أنها عادت من الباب بفضل المنطق الاستبدادي الذي فرضه ميثاق الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن وورقة حق الفيتو الذي  استأثرت بها القوى المنتصرة في الحرب على النازية لإحكام قبضتها على الدول الصغيرة وخيراتها الطبيعية.
ورغم محاولات هذه الدول التي تشعر بحيف في حقها ونضالها من أجل رفع هذا الغبن، إلا أن محاولاتها لإعادة النظر في نمط تسيير شؤون العالم عبر الأمم المتحدة باءت كلها بالفشل في موقف يجعل نضال الصغار متواصلا إلى غاية إقناع الكبار أن العالم في حاجة إلى عدالة أكبر وفرص متساوية بين الجميع في معادلة طوباوية تبقى إلى حد الآن مجرد حلم قد لا يتحقق.