فاجأ العالم بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران

خلفيات اقتصادية حركت النزعة الانتقامية للرئيس الأمريكي

خلفيات اقتصادية حركت النزعة الانتقامية للرئيس الأمريكي
  • القراءات: 1683
❊م. م ❊م. م

أنهى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أول أمس، كل علاقة لبلاده بالاتفاق النووي الإيراني في أقل من ثلاث سنوات منذ توقيعه من طرف الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا.

وقال الرئيس الأمريكي لتبرير موقفه إن الاتفاق يعطي لإيران هوامش واسعة لاستغلاله من أجل امتلاك أول قنبلة نووية بما يستدعي إلغاءه وفرض عقوبات إضافية عليها لمنعها من تحقيق هدفها.

ويصر الرئيس ترامب على موقفه رغم أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت أمس، أن إيران وفت بكل التزاماتها النووية التي تعهدت بها.

وقال يوكيا أمانو، المدير العام للوكالة الدولية إن إيران وضعت تحت نظام مراقبة الأكثر نجاعة في العالم في المجال النووي»، مؤكدا بأن الاتفاق النووي المتوصل إليه شهر جويلية 2015 شكل قفزة نوعية في مجال المراقبة النووية وأن الوكالة تتابع عن كثب كل تطورات الملف النووي الإيراني وأن مفتشيها قاموا بما يعادل 3 آلاف يوم تفتيش ميداني في إيران وأنها تحتفظ بأكثر من ألفي ختم بالشمع الأحمر تم وضعها على تجهيزات ومعدات نووية إيرانية وبحوزتها مئات آلاف الصور التي تلتقطها كاميرات مراقبة متطورة في كل يوم.

وإذا أخذنا بصدقية هذه التأكيدات، فإنه يجهل على ماذا اعتمد الرئيس الأمريكي للقول إن إيران تستغل اتفاق جويلية 2015 لتطوير برنامجها النووي بعيدا عن أعين المفتشين الدوليين.

وتوالت ردود الفعل المستهجنة للقرار الأمريكي من إيران إلى الصين مرورا بروسيا ومختلف الدول الأوروبية التي لم تستسغ الخطوة الأمريكية ورأت فيها طعنا في الظهر وضربا لمصداقيتها كقوى ضامنة للأمن الدولي.

وفي أول رد فعل لها، هددت إيران على لسان رئيسها حسن روحاني، بالانسحاب من الاتفاق في حال لم تحصل على ضمانات قوية من الدول الأوروبية بالمحافظة على ديمومته.

ولكن آية الله علي خامينائي مرشد الجمهورية الإيرانية، أكد أنه لا يثق في الدول الأوروبية وأنه لا يعتقد في إمكانية الحصول على ضمانات منها في ظل الضغوط الأمريكية عليها وبقناعة أن الأوروبيين سيختارون الولايات المتحدة على إيران.

وجاءت الشكوك الإيرانية في وقت أكدت فيه مختلف العواصم الأوروبية الموقعة على الاتفاق أنها ستعمل كل ما في وسعها من أجل إنقاذ هذا الاتفاق ومنع انهياره والعمل على إقناع إيران بأن تواصل التزامها بمضمونه.

وعقد وزراء خارجية فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا أمس، لقاءات مع سفراء إيران المعتمدين في بلدانهم من أجل التباحث حول الموقف الذي يتعين اتخاذه للتعاطي مع تبعات القرار الأمريكي المفاجئ.

وقال وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان، إن «الاتفاق لم يمت»، داعيا السلطات الإيرانية إلى التزام الحذر في تعاملها مع الموقف بقناعة أن انسحابها منه سيدفع بالمنطقة إلى سباق محموم نحو التسلح النووي.

واكتفت روسيا والصين الموقعتين على الاتفاق بـ»التأسف» على القرار الأمريكي ودعتا إلى حماية الاتفاق لأنه يساهم في المحافظة على السلم في كل منطقة الشرق الأوسط.

وحث بوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني على تفادي كل تصرف يمنع القوى الأخرى من مواصلة التزامها بالاتفاق بقناعة أن ذلك يدخل في إطار السلم الجماعي.

ويبدو أن الدول الموقعة على الاتفاق استشعرت خطر القرار الأمريكي على الاستثمارات الضخمة لشركاتها العاملة في إيران حيث فازت بصفقات خيالية في هذا البلد مباشرة بعد رفع العقوبات الدولية عليه، بينما بقيت الشركات الأمريكية مستثناة من سوق بفرص استثمار خيالية.

وهو الأمر الذي يكون قد دفع بالرئيس ترامب إلى الانتقام بطريقته من شركات أوروبية عمالقة استحوذت على «الكعكعة الإيرانية» لوحدها وهو ما جعله يمنحها مهلة ستة أشهر لمغادرة إيران لتفادي إنزال عقوبات عليها ومنعها من الاستثمار في السوق الأمريكية.

وفهمت فرنسا الرسالة الأمريكية أكثر من غيرها، الأمر الذي جعل قصر الإليزي يؤكد أنه سيعمل المستحيل رفقة شركات الفرنسية العاملة في إيران للمحافظة على مصالحها في هذا البلد الواعد وتنسيق ذلك مع دول الاتحاد الأوروبي من أجل إفشال المخطط الأمريكي.

وهو مسعى مآله الفشل إذا سلمنا بتصريحات نوربيرت ريتغن، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في غرفة النواب الألمان الذي أكد أن الرئيس ترامب نجح في رهانه وأن الاتفاق مع إيران سائر باتجاه الإلغاء وأن الشركات التي تستثمر في إيران ستتعرض لأقصى العقوبات الأمريكية.

وكان وزير الاقتصاد الفرنسي، برينو لومير أكثر وضوحا في تصريحه، وقال إنه من غير المقبول أن تتحول الولايات المتحدة إلى دركي العالم في مجال التعاملات الاقتصادية، في تلميح إلى تهديدات الرئيس الأمريكي بفرض عقوبات على الشركات الغربية التي ترفض الانسحاب من إيران.

وأضاف لومير، أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي يعد خطأ بالنسبة للأمن الدولي وهو أيضا خطر اقتصادي بالنظر إلى تبعاته الكارثية على الشركات الفرنسية العاملة في هذا البلد وعلى رأسها شركات «طوطال» البترولية العملاقة و»صانوفي» الناشطة في مجال إنتاج الأدوية وشركتي السيارات، رونو وبيجو.