انطلاق أشغال الجمعية العامة الأممية السبعين

حسابات الكبار وطموح الصغار

حسابات الكبار وطموح الصغار
  • القراءات: 775
تنطلق اليوم، بمدينة نيويورك أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السبعين بمشاركة قياسية لأكثر من 160 رئيس دولة وحكومة، ومئات الخبراء والمندوبين سيعكفون على مناقشة أهم قضايا الراهن العالمي من بؤر نزاع وحروب وقضايا إنسانية. وتتوجه أنظار العالم جميعها باتجاه مقر الأمم المتحدة طيلة أسبوع كامل، حيث يلتقي خلالها رؤساء الدول والحكومات في منتدى عالمي أشبه بسوق عكاظ، ولكن بطابع دولي ستطغى عليه انشغالات الدول من قضايا إقليمية وجهوية إلى قضايا دولية.
ويحرص كل رئيس دولة وحكومة على استعراض أمام المشاركين وجهات نظر بلدانهم بخصوص قضايا تهمهم، وأخرى تستأثر باهتمام دولي مشترك في منبر يتداولون عليه لعل انشغالاتهم تلقى آذانا صاغية من قوى كبرى متحكمة في سياسة ومصير العالم. ويجب التأكيد أن ما يتم تداوله في أشغال الجمعية العامة من خطابات مواقف  ليست بالضرورة تلك التي سيتم إثارتها في كواليس وأروقة ومكاتب الأمم المتحدة، حيث يلتقي الأصدقاء والأعداء على السواء في جلسات بعيدا عن أعين الصحفيين وكاميراتهم لبحث مواقفهم ومحاولة إيجاد مخارج لأزمات يبدو للعيان حلّها مستحيلا، ولكنها في العرف الدبلوماسي لا تؤمن بذلك ما دامت مصلحة الدول لا تعرف المستحيل، وما هو صعب اليوم سيكون هيّنا يوم غد متى استعدت مصالح الدول ذلك.
وإذا كانت قضايا الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية والتنمية والحكامة والنزاعات، ومسألة إصلاح الأمم المتحدة ستلقي بظلالها طيلة المدة التي تستغرقها أشغال الجمعية العامة، فإن ذلك لا يمنع من القول إن الكثير من القضايا معالجتها في كواليس وأروقة السرية في مقر الأمم المتحدة. وينتظر أن يلفت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي سيكون مثقلا بملفي الأزمتين السورية والأوكرانية بالإضافة إلى الرئيس الصيني سين جين بنغ، الذي سينقل مشاغل بلاده والتنمية في العالم، بالإضافة إلى الرئيس الكوبي راؤول كاسترو، الذي سينقل هو الآخر وككل عام مسألة الحصار الاقتصادي الأمريكي المفروض على بلاده منذ أكثر من نصف قرن حتى وإن كانت بوادر إنهائه قد بدأت منذ عودة الدفء إلى علاقات هافانا وواشنطن بفتح سفارتي البلدين قبل أسبوعين.
كما ستحضر أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية إلى مقر الأمم المتحدة وتحت إبطها ملف اللاجئين الذي شكل أهم حدث في العالم هذا العام، وتحول إلى أزمة دولية بتداعيات إنسانية ستوجب تكافلا دوليا واسعا للتخفيف من معاناة ملايين الفارين من جحيم الحروب في بلدانهم. أما الرؤساء والملوك والأمراء العرب الذين سينتقلون إلى نيويورك فسينقلون كما فعلوا طيلة عقود ملف مسار السلام  المتعثر وما ترتب عن ذلك من استيطان وعمليات تهويد وقتل وتدمير وتهجير للفلسطينيين ضمن أبشع إستراتيجية صهيونية لتفريغ الأرض الفلسطينية من أصحابها الأصليين.
بالإضافة إلى الأزمتين الليبية والسورية دون نسيان الخطر الذي أصبح يشكله تنظيم الدولة الإسلامية على دول المنطقة العربية، ضمن طارئ لا يستبعد أن يكون موضوع لقاء بين الرئيسين الأمريكي والروسي من أجل بحث المقاربة الروسية للقضاء على عناصر هذا التنظيم الذي أخلط على البلدين حساباتهما في منطقة يعتبرانها قلب العالم، وقلب كل إستراتيجية للتحكم في قضايا العالم أجمع.
ومهما يكن فإن إثارة قضايا العالم وتبعاتها سيكون ظرفيا بدليل أنها تجربة تكرست على مدى الأعوام، حيث تنتهي أشغال الدورات وكأن شيئا لم يكن ليعود المكر السياسي والخديعة الإستراتيجية محركا لقضايا العالم، وأما ما ينفع البشرية فبإمكانه الانتظار مادامت مصلحة الدول هي التي تحدد صيرورة البشرية، وتلك هي إشكالية الأمم المتحدة التي تحولت وفق هذا المنطق إلى مجرد قوقعة جوفاء، بل إلى وسيلة بين أيدي القوى الدولية الكبرى لتمرير خططها للتحكم في كل العالم.