حركة في حدودها الدنيا واقتصادات على حافة الإفلاس

حركة في حدودها الدنيا واقتصادات على حافة الإفلاس
  • 481
❊ م. مرشدي ❊ م. مرشدي

تحولت مختلف مدن العالم أمس، إلى شبه مدن أشباح بعد أن هجرها سكانها بسبب قرارات حكومية ردعية جعلت قرابة مليار نسمة يعيشون تحت طائلة الحجر الصحي، شمل إلى حد الآن 35 دولة في العالم من أصل 185 دولة مسها الوباء.

وتبقى هذه القائمة مرشحة للارتفاع إذا أخذنا بعدد الدول التي لجأت ضمن قرارات احترازية لفرض حظر للتجوال على سكانها واكتفت أخرى بفرض حجر صحي على بعض مناطقها، بينما أمرت أخرى مواطنيها بعدم الخروج من منازلهم إلا للضرورة القصوى.

وتوقفت كل مظاهر الحياة في كل مدن وبلدان العالم خوفا من تبعات هذا الفيروس القاتل إلى درجة لم يعد هناك اختلاف بين مظاهر الحياة في كابول الأفغانية وواشنطن الأمريكية ولا بين باريس الفرنسية وبوغوتا الكولومبية بعد أن أصبحت جميعها تسير بنفس التعليمات الوقائية والإجراءات الاحترازية، تجنبا لفتك هذا الوباء الذي زرع الخوف في نفوس كل البشرية التي أصبح أفرادها يعيشون نفس الظروف اختفاء من هذا الوحش الذي قد يضرب بين الفينة والأخرى.

وحتى وإن رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإقرار بهذا الخطر وآخر فرض الحجر الصحي في بلاده، فإن ولايات أمريكية رفضت مسايرة موقفه بطريقة ضمنية وأعلنت الحجر وحالة الطوارئ الصحية واحدة تلوى الأخرى ضمن قرارات ستضطره في النهاية لاتخاذ قرار فيدرالي في هذا الاتجاه. وهو احتمال قائم في ظل فشل إدارته في وضع استراتيجية وطنية لمواجهة تبعات الداء المستفحل وانعكاسات انتشاره على شركات أمريكية عملاقة أصبح يتهددها الإفلاس في حال استمرت مثل هذه الوضعية.

فقد قررت ولايات نيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو التي تضم أكثر من 100 مليون نسمة، إعلان الحجر الصحي من مجموع 320 مليون أمريكي قبل أن تلحق بها ولايات نيوجيرسي ويلينوا ونيفادا وبنسيلفانيا، وهو رقم مرشح للارتفاع لاحقا في ظل تزايد عدد الإصابات والوفيات وحينها سيكون الرئيس ترامب مضطرا للإقرار بالأمر الواقع.

ولا يمكن وفق الأرقام اليومية المسجلة في العالم، وحتى داخل الولايات المتحدة نفسها، أن يبقى الرئيس الأمريكي يمثل الاستثناء أمام خطر داهم، عجزت مخابر الدواء الأمريكية التي عودت العالم على السبق في مثل هذه الكوارث عن إيجاد لقاح يجنب البشرية المزيد من الأحزان والخوف والخسائر التي ضربت الاقتصادات كل دول العالم بدون استثناء.

فهل سيواصل الرئيس الأمريكي تعنته في وقت وضعت السلطات الإيطالية ضمن صورة تقريبية، 60 مليون من سكانها تحت الحجر وأرغمتهم على عدم الخروج من منازلهم في محاولة لاحتواء وضع كارثي حصد أرواح أكثر من 4 آلاف ضحية، متجاوزة الأرقام التي سجلتها الصين التي أحصت مقتل 3255 شخصا قبل أن تتمكن من وقف خطر الوباء.

وحتى الفيدرالية السويسرية التي تنتهج سياسة حياد دولية وجدت نفسها مرغمة هذه المرة على مقاسمة العالم أوجاعه وراحت هي الأخرى تمنع مواطنيها حتى من التجمعات التي تفوق خمسة أشخاص ضمن إجراء وقائي رفضت من خلاله الوصول إلى مرحلة الحجر الصحي الذي وصفته بـ "مجرد سياسة استعراضية"، ولكنها قد تجد نفسها في النهاية مرغمة على اعتمادها لحماية مواطنيها من الوباء الفتاك.

ولكن ما الذي يفعله ثلاثة ملايير نسمة ممن لا يجدون قوت يومهم من فقراء العالم، فما بالك بالماء ووسائل النظافة الضرورية لمواجهة الوباء ومنع انتقاله، وهو احتمال من شأنه أن يدفع إلى موجة إصابات جديدة أخطر من الحالية، خاصة وأن الأمر يتعلق ببلدان فقيرة لا تتوفر على الوسائل والإمكانيات لمواجهة هذا الوباء.