الحرب في أوكرانيا توشك على دخول عامها الثاني

توقعات بتقوية روسيا لجبهات القتال لاستكمال تحقيق أهدافها الاستراتيجية

توقعات بتقوية روسيا لجبهات القتال لاستكمال تحقيق أهدافها الاستراتيجية
  • 985
ص.محمديوة ص.محمديوة

تسير الحرب المشتعلة في أوكرانيا نحو عامها الثاني وسط توقعات باستمرارها على الأقل على المدى المتوسط في ظل إصرار روسيا على استكمال عمليتها العسكرية إلى نهايتها ومواصلة الغرب دعمه العسكري لأوكرانيا لمساعدة جيشها على مواجهة القوات الروسية. ووسط هذه المعادلة المعقدة، يرى الخبير في العلاقات الدولية، محند برقوق، في تصريح لـ"المساء" بأن مجرى الحرب لم يتغير باعتبار أن روسيا مقدمة على مراحل جديدة للسيطرة على أراض أخرى في أوكرانيا خاصة وأن فصل الشتاء على وشك الانتهاء.

وهو ما يقوي الاحتمال جدا بأن تعمل روسيا على تقوية جبهاتها القتالية بما يؤثر سلبا على الاستراتيجية الغربية التي اعتمدت المرحلية في تزويد أوكرانيا بالأسلحة. وعاد الخبير الاستراتيجي إلى خلفية العملية العسكرية التي أطلقتها روسيا يوم 24 فيفري من العام الماضي والتي قال إنها تعد بمثابة امتداد لحرب سنة 2014 التي جاءت في سياق سياسي أوكراني خاص تم انشاؤه وتسييره من طرف الفواعل الأوروبية وبالخصوص من الطرف الذي كان يريد أن يشغل روسيا بمجالها الجيو ـ السياسي الآني في 2008، جورجيا ثم في 2014 بأوكرانيا.

وأضاف أنه منذ ذلك التاريخ، عمل الغرب على تحضير أوكرانيا لخوض حرب مستقبلية مع روسيا تحت مسمى استرجاع شبه جزيرة القرم لكن الأهداف أبعد من ذلك. ولخّص السيد برقوق هذه الأهداف في محاولة الغرب، وقف القوة المتنامية لروسيا التي أعلنها صراحة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في اجتماع ميونيخ في أفريل 2008 عندما قال إنه لن يقبل بتوسع الحلف الاطلسي لحدود روسيا.

أما الهدف الثاني فهو محاولة استنزاف روسيا من خلال نقل مجال اهتمامها لبناء قوة متعددة الابعاد داخلية، اقتصادية وتكنولوجية وتطوير القدرات العسكرية إلى العمل إسقاطها في هذا الفخ الاستراتيجي الذي كان مقررا لها منذ 2014. وهو الفخ الذي أكد برقوق أنه أصبح فخين، الأول عسكري بنسبة لروسيا والثاني استراتيجي بالنسبة للغرب الذي راهن على عدم قدرة الدب الروسي على أهداف عسكرية لكن الواقع كان غير ذلك بدليل أن روسيا تمكنت خلال عام من ضم أربع مقاطعات لسيادتها.

مجرى الحرب لم يتغير

وعلى نقيض توقعات الدول الغربية التي راهنت على تزويد أوكرانيا بالأسلحة لاستنزاف وتركيع روسيا، فقد اعتبر الخبير أن الغرب الذي كان يتحدث باسمه، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقع اليوم في فخ استراتيجي تضمه 40 دولة 30 منها عضوة في الحلف الاطلسي وستة دول في الاتحاد الاوروبي ليست عضوة في الحلف، إضافة إلى أربع دول من آسيا والمحيط الهادي وهي كوريا الجنوبية واليابان واستراليا وزيلندا الجديدة.

وهذا الفخ جعل الاتحاد الاوروبي من دون هوية استراتيجية تجعله يبقى تحت المظلة الامريكية والاعتماد والتبعية للولايات المتحدة التي، أكد برقوق أنها أكبر مستفيد من هذه الحرب وهي التي تبيع غازها الصخري بأثمان مرتفعة لأوروبا التي تأثرت بأزمة الطاقة بعد انقطاع الغاز الروسي عنها. وأكد المحلل في العلاقات الدولية أن الاستراتيجية التي انتهجتها الدول الاوروبية في تمويل الحرب، أنهكتها داخليا بعد تأثر قطاعات استقطعت منها اموال لفائدة ميزانيات الدفاع وتبعات ذلك على الحياة اليومية للمواطن الأوروبي بما ولد حالة ارتباك داخل هذه الدول.

وهو ما تترجمه خطابات داخل الطبقات السياسية في عدد من الدول الأوروبية التي ترى بأن الحرب الاوكرانية أصبحت عبئا كبيرا على الاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي بما يكشف عن مراجعة مواقفها دون أن تعتبر ذلك تراجعا عنها. كما تحدث، برقوق، أيضا عن بروز تشققات على مستوى الكتلة الاستراتيجية الغربية فيما يخص مدى الحرب وقدرة هذه الدول على الاستمرار في تمويلها لما لذلك من آثار كارثية على ميزانياتها الوطنية وعلى درجة الرفاه لمجتمعاتها. وأشار برقوق في المقابل إلى أن الوضع في روسيا لم يبلغ مرحلة التشنج التي يتوقعها الغرب بدليل أنها استطاعت ان تضم اربعة مقاطعات استراتيجية جديدة في أوكرانيا وهو ما اعتبره مكسب كفيل بان يبرر العملية العسكرية وأن يرفع من احتمالات اعادة انتخاب بوتين في الانتخابات القادمة.

حمادي..الحرب في أوكرانيا تحوّلت إلى حرب "هجينة"

من جانبه توقع الخبير، سليم حمادي، بأن تتجه الحرب المستمرة منذ عام في أوكرانيا نحو مزيد من التصعيد في ظل المستجدات التي تشهدها وسط مواصلة الغرب تزويد كييف بمزيد من الأسلحة المتطورة على مراحل ومواصلة القوات الروسية تقدمها مدعومة بجيش الشيشان وحلفاء اخرين بالتحديد في روسيا البيضاء. وأوضح في اتصال مع "المساء" بأن الحرب في أوكرانيا تحوّلت إلى حرب يمكن وصفها بـ"الهجينة" بعدما بلغت مرحلة كسر العظام، حيث تعتمد روسيا أسلوب المناطقية في إشعال فتيلها في مناطق معينة، في حين يواصل العرب تزويد أوكرانيا بالسلاح.

ويرى بأن هذه الحرب بالنسبة لأوروبا هي حرب تقليدية مع روسيا باعتبار أن أوروبا تدافع بطريقة أو بأخرى عن موقعها الجيو ـ سياسي، ولكن بالنسبة للولايات المتحدة هي حرب مع الصين. وأكد في هذا السياق أن روسيا فهمت اللعبة جيدا وهي وتقوم حاليا بانتهاج استراتيجية المناطقية بإشعال فتيل الحرب في منطقة معينة وتتلاعب بالتالي على أساس التوازنات التي خلقها الغرب.

وهو ما جعله يتوقع بأن تكون المعركة المقبلة هي محاولة استدراج روسيا للكشف عن مزيد من الاسلحة بعد مرحلة كسر العظام ومرحلة ثني الروس عن مزيد من التقدم، معبرا عن اعتقاده بان تنفذ روسيا هجوما شاملا سيجتاح عديد الأراضي الأوكرانية وسط مقاومة شرسة من جيشها. حتى أنه عبر عن اعتقاده بوجود سلاح قريب من السلاح النووي تستعمله روسيا ضد المراكز الحيوية القابلة للانفجار بشدة، بما جعله يتوقع بأن تقدّم روسيا على ضربة رادعة في منطقة من مناطق اوكرانيا دون استبعاده بأن تقود عمليات أخرى شبه عسكرية في دول أخرى بالمنطقة.

وحسب رأيه فإنه ليس لدى روسيا ما تخسره الآن خاصة وأن سلاح الغاز كان مجدي بشكل كبير حتى وأن تسبب في تراجع الاقتصاد الروسي لكن ليس بذلك الشكل الذي خططت له الولايات المتحدة، وبالتالي ستفجر هذه الحرب أزمات حادة أخرى سيكون لها وقعها في مناطق معينه. واكد السيد حمادي بان هذه الحرب كانت مصيدة وضعها الغرب ووجدت فيها روسيا فرصة أيضا لتعبر عن وجودها كقوة دولية فاعلة على مستوى المنتظم الدولي لان النظام الدولي يتغير على مستوى السياسي الاقتصادي الجيو ـ سياسي.