عندما تغير المصالح مواقف الدول من النقيض إلى النقيض

توافق أمريكي ـ روسي لإنهاء الأزمة السورية عبر الحوار

توافق أمريكي ـ روسي لإنهاء الأزمة السورية عبر الحوار
  • القراءات: 943
م. مرشدي م. مرشدي
تأكد أمس، أن الجمعية العامة الأممية ستكون حاسمة لتحديد مستقبل الأزمة الأمنية في سوريا التي دخلت حالة احتقان مفتوح على المجهول بسبب تعدد أطرافها الداخلية، والصراع المعلن بين قوى إقليمية ودولية دون مؤشرات لانفراجها. واقتنعت كل هذه الأطراف أن درجة التعفن التي وصلتها هذه الأزمة لم تعد تخدم مصالحهم، وأن الحل العسكري لا يمكن لأي طرف تحقيقه مما حتم عليهم التحرك قبل انفراط العقد وتحول هذه الحرب إلى مأزق أمني إن هو استمر لأشهر أخرى فإنه سيؤدي حتما إلى انهيار هذا البلد وتفككه، وربما دخول كل المنطقة في متاهة الفوضى العارمة التي ستأتي على الأخضر واليابس ويخرج الجميع خاسرين.
ويبدو أن هذه القوى لا تريد تضييع هذه الفرصة السانحة مما جعلها تتفق على عقد أو اجتماع تنسيقي بينها شهر أكتوبر القادم، في محاولة هي الأولى من نوعها لاحتواء وضع ينذر بالكارثة ليس فقط من حيث عدد ضحايا هذا الاقتتال ولكن أيضا على مصالحها الحيوية في منطقة تشد اهتمام كل العالم وأصبحت مركز اهتمامه. وكشف مساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، أمس، أن الاجتماع سيضم بالإضافة إلى بلاده كل من الولايات المتحدة وإيران والعربية السعودية وتركيا ومصر في محاولة لوضع تصور مشترك لإنهاء هذه الحرب. وحسب المسؤول الروسي فإن اللقاء سيتم على عدة مستويات من درجة الخبراء إلى نواب الوزراء وحتى الوزراء في محاولة لبحث الموقف من جميع جوانبه على أمل إنهائه في أقرب وقت.  
وأكدت مشاركة هذه الدول المتباينة مواقفها حد النقيض حول مقاربة كل منها لحسم الوضع القائم في سوريا منذ أربع سنوات، أنها اقتنعت بعقد هذا اللقاء للإبقاء على مصالحها قائمة ضمن تحول لم يكن ممكنا قبل أسابيع الاقتناع بجلوس ممثلين روس وأمريكيين وجها لوجه، أو بين إيرانيين وسعوديين للبحث معضلة صعب حلها عسكريا وفشلت كل مساعي تسويتها دبلوماسيا، وأرغمت كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي على تقديم استقالتهما كموفدين أميين خاصين بينما بقيت جهود ستافان دي ميستورا، خليفتهما حبيسة صراع القوى وجعلته يتخبط في متاهة تجاذبات أفشلت كل مساعيه. يذكر أن الكشف عن لقاء الدول المذكورة جاء في نفس الوقت الذي ينتظر أن يرفع  فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الغطاء عن خطة أعدتها سلطاته لإنهاء الأزمة  السورية.
وعكس الكشف عن هذه اللقاءات أن روسيا تمكنت بفضل تحركاتها الأخيرة من فرض نفسها كقوة لها كلمتها في هذه الأزمة، مستغلة في ذلك تواجدها العسكري في هذا البلد وأيضا بفضل علاقاتها مع النظام السوري الذي أيدته ودافعت عنه ورفضت تنحيته إلى الحد الذي جعل الإدارة الأمريكية  تقبل مرغمة بالدور الروسي والمقاربة التي تدافع عنها موسكو. فحتى وإن انتقد الرئيس باراك اوباما في خطابه أمام المشاركين في أشغال الجمعية العامة الأممية الدول التي تساند من أسماهم بالحكام المستبدين وأعطى الرئيس الأسد، كمثال على ذلك ولكنه يحظى بدعم روسيا إلا أنه لم يجد بدا من القول بعدها إنه لا يرى مانعا في التفاوض مع موسكو وطهران من أجل إنهاء الأزمة السورية.
وهي الليونة والتحول الذي عرفه الموقف الامريكي الذي جعل بعد سنوات من الممانعة والصراع الخفي بين روسيا والولايات المتحدة عقد لقاء قمّة بين الرئيسين بوتين واوباما لمناقشة المعضلة السورية في أول لقاء بينهما منذ أكثر من عامين. ولكن ذلك لا يمنع من القول إن تغير الموقف الامريكي لا يجب إخراجه عن سياق الحملة الانتخابية لرئاسيات البيت الأبيض شهر نوفمبر من العام القادم، وخاصة وأن الحزب الجمهوري لا يفوت الفرصة لتوجيه انتقادات لاذعة للرئيس اوباما، على خلفية فشل التحالف الدولي الذي شكله للقضاء على عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.
وهو عامل مهم تريد الإدارة الأمريكية تجاوزه بعد أن أكد الرئيس اوباما أمس، أنه من غير المعقول عدم تجريب ورقة الحوار مع الرئيس الروسي، ومحاولة فرض مقاربة براغماتية لتسوية الخلافات حالة بحالة ضمن خطاب جديد لم يسبق للسلطات الأمريكية أن أبدته قبل هذا التاريخ. ومعنى هذا الكلام أن واشنطن قبلت أيضا بالموقف الروسي الداعي إلى الإبقاء على الرئيس السوري بشار الأسد، كطرف له كلمته في تسوية أزمة بلاده ضمن موقف سارت في سياقه كل من لندن وباريس وبرلين التي لم تعد تنظر إلى الرئيس السوري بنظرة الرفض ولكن بفكرة القبول المفروض ولو إلى ما بعد التوصل إلى وقف للاقتتال وحينها سيكون هناك حديث آخر حول هذه القضية التي شكلت إلى حد الآن العقبة الرئيسية في بدء مفاوضات جدية لإنهاء أزمة  مستعصية.