المخزن يبحث عن لوبيات أمريكية تدعم فكرة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية

تصريحات بولتون تحدث استنفارا في المغرب

تصريحات بولتون تحدث استنفارا في المغرب
  • القراءات: 1250
م. مرشدي م. مرشدي

استنفرت تصريحات جون بولتون، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي الأخيرة حول النزاع في الصحراء الغربية أعلى السلطات في المغرب بعد أن استشفت تغيرا في مقاربة الإدارة الأمريكية بخصوص التعاطي مع النزاع في الصحراء الغربية ومع فشل الأمم المتحدة في حلحلة الوضع لإنهاء مأساة شعب عمرت لأكثر من أربعة عقود.

وفهمت السلطات المغربية رسالة جون بولتون جيدا، وهو ما جعلها تتوقع ردود فعل أمريكية صادمة خلال القادم من الأيام، خاصة وأن مستشار الأمن القومي الأمريكي وجه رسائل قوية بأنه سيلقي بكل ثقله من أجل تمرير مقاربة بلاده في التعاطي مع واقع إفريقيا عبر بوابة بعثات حفظ السلام الأممية التي أبدى سخطه على أدائها وقال أن «تنمية إفريقيا تمر حتما عبر استعادة الأمن والاستقرار في كل مناطقها».

وهو ما يفسر الحيرة التي انتابت أعلى هرم السلطة المغربية يوم تم تعيينه في منصبه الحساس لسابق معرفتها بمواقفه الصلبة واستماتته في الدفاع عن أرائه مستمدة ذلك من مضمون مذكرات سبق وأن نشرها قبل عشر سنوات وتضمنت انتقادات حادة للأمم المتحدة التي اتهمها بالفشل في الضغط على طرفي النزاع في الصحراء الغربية من أجل حسم هذه القضية بصفة نهائية.

وهو ما جعل السلطات المغربية تتوقع أن يلجأ إلى انتهاج خطة ضغط أكبر على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من أجل تمكينه من تمرير موقفه من النزاع والمدافع عن خيار تنظيم استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي، وهو ما جعلها تتأكد أن مقاربتها من أجل فرض الحكم الذاتي كخيار أوحد على الصحراويين، لا تحظى بموافقة بولتون وعليها الاستعداد لتطورات دبلوماسية قادمة لا تسير بالضرورة وفق نظرتها لتسوية أقدم وآخر قضية تصفية استعمار في إفريقيا.

وهي الحقيقة التي تأكدت منها السلطات المغربية وزادت في درجة قلقها بعد أن أعاد بولتون استعمال عبارة الاستفتاء في كلمته التي ألقاها في ندوة نظمتها مؤسسة «التراث الأمريكية» والتي شارك فيها سفراء العديد من الدول الإفريقية وشخصيات وباحثين مهتمين بالقضية الصحراوية في مصطلح تشمئز منه الرباط ولا تحبذ سماعه.

وتعتقد السلطات المغربية أن بولتون سيعمل بصفته عضوا في الإدارة الأمريكية على تنفيذ خطة جيمس بيكر كاتب الخارجية الأمريكي الأسبق الذي عمل على تمريرها عندما اشتغل مساعدا له أو حينما كان سفيرا للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سنتي 2005 و2006.

وعبر بولتون في مذكراته وفي العديد من المناسبات عن استيائه وتذمره لكون بيروقراطية وزارة الخارجية الأمريكية وقفت أمامه حينها وحالت دون قيامه بالضغط على أطراف النزاع من أجل التوصل إلى حل نهائي للنزاع.

كما أن مرد مخاوف السلطات المغربية علمها المسبق بالتوافق الموجود بين مواقف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب ومستشاره للشؤون الأمنية الممزوجة بالبراغماتية الأمريكية، حيث لا يتوانيان في تجسيدها على ارض الواقع. وهو ما يجعل منه عراب الدبلوماسية الأمريكية، خاصة في مناطق النزاع حيث أبان على توافق كبير مع الرئيس ترامب بخصوص بعثات حفظ السلام الأممية التي هددا بتقليص المساعدات الأمريكية لها ما لم تؤكد نجاعتها  على أرض الواقع، كما هو حاصل بالنسبة لبعثة «مينورسو» في الصحراء الغربية التي فشلت بعد قرابة ثلاثة عقود في الاضطلاع بمهمة تنظيم استفتاء تقرير المصير، بل عملت بدلا عن ذلك على تكريس الاحتلال المغربي لهذا الإقليم الخاضع «نظريا» لمسؤولية الأمم المتحدة.

موقف جعل السلطات المغربية تبدأ خطة مضادة من أجل إجهاض تحركات بولتون في إنهاء النزاع في الصحراء الغربية، وراحت تبحث عن شخصيات أمريكية أخرى ولوبيات سياسية مؤثرة من أجل التشويش على مقاربته الجديدة في التعاطي مع قضايا  القارة الإفريقية والتي تأخذ الصحراء الغربية حيزا مهما فيها.

ويؤكد لجوء الرباط إلى مثل هذه الطريقة لكسب الود الأمريكي جهلها بأن صناعة القرار الأمريكي تمليه مصالح أمريكا كقوة مهيمنة همها المحافظة على تزعمها للعالم قبل الاعتبارات الشخصية.

ولذلك فإن ما أدلى به بولتون الأسبوع الماضي خلال ندوة «مؤسسة التراث» المحسوبة على الحزب الجمهوري إذا كان ظاهرها الدفاع عن الشعب الصحراوي وضرورة وضع حد لماساته، فإنه في الواقع كان يدافع عن المصالح الاقتصادية الأمريكية في قارة أصبحت محل أطماع القوى الكبرى.

هذا ما يفسر الانتقادات اللاذعة التي وجهها بولتون للصين وروسيا وطريقة تعاملاتهما مع مختلف الدول الإفريقية، وجعله يؤكد أن الأموال التي توجه لبعثات الأمم المتحدة في القارة يجب أن توجه لتنمية شعوبها وأن تحقيق ذلك يمر حتما عبر تهيئة الظروف الأمنية لها وإنهاء الاحتلال المغربي في إقليم الصحراء الغربية يبقى واحدا منها.