قمّة مجموعة العشرين بالأرجنتين

تباين المقاربات الاقتصادية يرهن حظوظ التوصل إلى بيان ختامي

تباين المقاربات الاقتصادية يرهن حظوظ التوصل إلى بيان ختامي
  • القراءات: 613
م. مرشدي م. مرشدي

تختتم اليوم، بالعاصمة الأرجنتينية بيونس آيريس، أشغال قمة مجموعة العشرين الأكثر تصنيعا في العالم، وسط شكوك كبيرة حول قدرة المجتمعين الوصول إلى أرضية توافقية وإصدار بيان ختامي بسبب الخلافات الحادة بين الدول الأعضاء.   

انطلقت أمس، أشغال هذه القمة وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة اضطرت السلطات الأرجنتينية إلى جعل نهار أمس، عطلة مدفوعة الأجر وقررت إغلاق المدارس وقلصت حركة سير وسائل النقل العمومي إلى الحد الأدنى، ضمن مشهد ينم عن حدث هام تشهده المدينة تحت أعين ساهرة لأكثر من 20 ألف رجل أمن.

ويجهل وسط هذه المعطيات ما إذا كان بمقدور الرؤساء المشاركين التوقيع على بيان «بيونس آيريس» الذي سيحفظ ماءا لوجه ولتأكيد الحد الأدنى من التوافق بينهم بخصوص قضايا الراهن الاقتصادي العالمي.

وهو تساءل فرض نفسه في ظل التباين القائم في مواقف الدول المشاركة وخاصة حول مسألة التبادل الحر والاحتباس الحراري وتأثيراته السلبية على المنظومة الكونية في إطارها العام.   

وحتى قبل انطلاق أشغالها فقد وجدت قمة مجموعة العشرين نفسها رهينة المواقف المفاجئة والتصريحات النارية للرئيس الامريكي دونالد ترامب، الذي اعتاد على رغبة ملحه لديه في لعب الأدوار الأولى في المنتديات الدولية التي يشارك فيها.

وإذا كان الهدف المبدئي لهذه القمة البحث عن توافق دولي لقضايا الاقتصاد العالمي المحفوف بمخاطر الانكماش والحرب التجارية بين كبار العالم، فإن الرئيس الأمريكي، ما انفك يلعب البطل المشاكس الذي يستقطب الانتباه ومعه كاميرات مختلف تلفزيونات العالم، بمواقف ترهن كل فرصة لتحقيق الانسجام المفقود في عالم طغت عليه الحسابات الضيقة لهذه الدولة أو تلك دون مراعاة تبعات ذلك على الاقتصاد العالمي في إطاره التكاملي.

ولم يخالف الرئيس ترامب، هذه الحقيقة عندما قرر بشكل مفاجئ أمس، إلغاء القمة التي كان من المنتظر أن يعقدها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لبحث الخلافات الثنائية وتكريسا لقمة هلسنكي شهر جوان الماضي، والتي أذابت الكثير من الجليد العالق على علاقات بلديهما المتراكمة على مدى السنوات الأخيرة.

ولم يكتف الرئيس الأمريكي بذلك فقط وراح يشن حربا كلامية ساخنة تجاه الصين بسبب الحرب التجارية المتأججة بينهما على خلفية العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على الصين، في محاولة لكبح نمو اقتصادها وسياسة الإغراق التجاري الذي تعتمده الصين في التعامل مع الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة.

وتمكنت الصين بفضل هذه السياسة من ترجيح كفة ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة لصالحها، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الرئيس ترامب، وراح يسعى منذ توليه مقاليد الرئاسة الأمريكية إلى إعادة النّظر في هذه المعادلة بكيفية تسمح لبلاده بإعادة المبادرة المفقودة، ولكنه صعب عليه تحقيقها «تجاريا» وراح يفرضها من خلال العقوبات جمركية وجبائية على الصين.

ولم يستبعد متتبعون للمزاج المتقلب للرئيس الأمريكي، أن تلقى قمته مع الرئيس الصيني كسي جينغ بينغ، على هامش هذا الموعد نفس مصير  قمته مع بوتين، على خلفية الحرب التجارية بينهما والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارته على الصين عقابا لها على ازدهارها الاقتصادي واكتساحها للأسواق العالمية بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة.

ولم يكن حظ الرئيس الأمريكي، معه بمناسبة انعقاد قمة العشرين بعد أن اشتدت الضغوط الداخلية من حوله على خلفية التسريبات حول  حقيقة الدور الروسي المحتمل في الانتخابات الأمريكية التي سمحت له قبل عامين باعتلاء كرسي الرئاسة في البيت الأبيض.

وإذا كان الرئيس الأمريكي، أعطى الاعتقاد أن إلغاء القمة مع نظيرة الروسي كانت بسبب التطورات العسكرية التي عرفها بحر أزوف بعد اعتراض البحرية الروسية لسفن حربية أوكرانية، إلا أن الحقيقة غير ذلك تماما ولها علاقة بما نشره المدّعي العام المستقيل الأمريكي، بوجود أضخم مشروع عقاري لمجموعته في روسيا.

وكشفت هذه التسريبات عن وجود مشروع عقاري ضخم لمجموعته الاقتصادية في روسيا مما جعل موقفه يهتز أكثر في مواجهة المحققين الأمريكيين والمعارضة الديمقراطية في هذه القضية، والتي يمكن أن توقف مسيرته السياسية في أية لحظة.

وتأسفت الرئاسة الروسية لموقف الرئيس الأمريكي وأكدت أن قمة بوتين ـ ترامب كانت ستبحث عدة قضايا خلافية ثنائية وفي العلاقات الدولية والتي سيتم تأجيلها إلى تاريخ غير محدد، في وقت لم ينتظر الرئيس فلاديمير بوتين، انطلاق أشغال القمة وراح يصب جام غضبه على ما أسماها بالممارسات المخادعة للعقوبات الأحادية الجانب والسياسة الحمائية التجارية في إشارة واضحة إلى مواقف الرئيس الأمريكي.

وبسبب هذه المواقف سيجد الرئيس الأمريكي، نفسه في مواجهة قادة الدول الأخرى الذين حضروا إلى قمة العاصمة الأرجنتينية من أجل الدفاع عن علاقات دولية متعددة الأطراف، وهو الذي ما انفك يدافع عن السياسة الحمائية ورفع شعار «أمريكا أولا» لتأكيد نزعته الفردية في قيادة عالم لم يعد حكرا على أي طرف دون الآخرين.

وهي النزعة التي أكد عليها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي دعا إلى جبهة أوروبية لمواجهة «الأحادية الترامبية» التي أعادت النّظر في أسس العلاقات الاقتصادية الدولية.