إضراب "تاريخي" يشل مظاهر الحياة في المغرب

بنكيران يدفع ثمن عجز حكومته عن تلبية مطالب العمال

بنكيران يدفع ثمن عجز حكومته عن تلبية مطالب العمال
  • القراءات: 1004
م. مرشدي م. مرشدي

ينتظر أن تشل كل مظاهر الحياة اليوم بالمغرب تلبية لنداء أربع أكبر نقابات عمالية مغربية التي دعت بداية الشهر الجاري إلى شن إضراب عام احتجاجا على ما أسمته "تعنّت الحكومة ورفضها الاستجابة لمطالب المركزيات النقابية وانفرادها في اتخاذ القرارات وقمع الاحتجاجات الاجتماعية. ويعد هذا أكبر إضراب يعرفه المغرب منذ بداية ثمانينات القرن الماضي وثاني إضراب تعرفه الحكومة الحالية منذ إضراب 29 أكتوبر 2014 كونه سيشمل القطاعات الاقتصادية العامة والخاصة والإدارات العمومية التي بلغ غيض عمالها الحد الذي لم يعد يطاق. 

وهاجم الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل الميلودي المخارق الحكومة بسبب تجاهلها لإعلان المركزيات النقابية شن هذا الإضراب مع أن الحكومات في الدول الديمقراطية تسارع الى الجلوس مع النقابات بعد إعلانها تنفيذ الإضراب العام وهو ما لم يبادر به رئيس الحكومة واكتفى بتأكيد أن باب الحوار مازال مفتوحا أمامنا.  ويكتسي الإضراب أهمية خاصة كونه جاء نتاج اتفاق بين اكبر النقابات العمالية المغربية وبما يؤكد أن درجة التذمر والغليان الشعبي لم تعد تحتمل الانتظار وان النقابات اقتنعت أن الحكومة لا تريد تلبية مطالبهم ولم تعد تؤمن إلا بلغة الشارع لإسماع صوتها.وانتهت نقابات الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للعمال بالمغرب والفيدرالية الديمقراطية للشغل الى هذه القناعة في اجتماع تنسيقي بينها في العاشر فيفري الجاري تم خلاله الاتفاق على الاحتكام الى الشارع لإسماع صوت الطبقة الشغيلة المغربية بعد استنفاد كل المساعي الهادفة لإقناع حكومة عبد الإله بنكيران على التفاوض لنزع فتيل قنبلة اجتماعية توشك على الانفجار في مملكة عجز اقتصادها عن تلبية مطالب عمالها.

وفجر الوزير الأول المغربي كأس الغضب في أوساط العمال بقراره إعادة النظر في نظام التقاعد المعمول به حاليا والذي أكد عجز صندوق المعاشات على تعويض المتقاعدين قبل أن يزيده قرارها برفع الدعم عن مختلف أنواع المحروقات غيضا اكبر وزاد النقابات قناعة أن الحكومة لا تريد الاستماع إلا لصوت الشارع وساهم بشكل كبير في توحيد صف النقابات لمواجهة "خطر" قرارات الحكومة اللااجتماعية. وهي سابقة تجعل من إضراب اليوم نقلة نوعية في عمل النقابات التي تجاوزت خلافاتها وارتأت تغليب مصالح منخرطيها وحفاظا على قوة تأثيرها النقابي ودفاعا عن "خبزة" ممن تبقى من طبقة عاملة بدأت في الاندثار التدريجي وسط بطالة فاقت نسبتها 12 بالمئة من مجموع اليد العاملة في المغرب وبسبب عدم قدرة حتى العمال والموظفين على مواجهة شظف العيش وغلاء المعيشة التي ضربت جيوبهم في مقتل. ويبدو أن اختيار 24 فيفري لتنظيم هذا الإضراب العام لم يكن اعتباطيا ولكنه اختير بعناية كونه جاء ثلاثة أيام فقط بعد الذكرى الخامسة لأحداث 20 فيفري 2011 التي تحولت الى موعد سنوي لتنظيم مظاهرات احتجاجية مطلبية في المغرب، ويومين بعد تجمعات احتجاجية لآلاف الأساتذة المتربصين الذين خرجوا في مظاهرات ضد قرار حكومي بعدم إدماجهم في الوظيفة العمومية بصورة تلقائية كما كان العمل به في السابق. وشكل كل ذلك زخما في ساحة اجتماعية تعيش على صفيح ساخن أمام مطالب اجتماعية اختمرت طيلة سنوات ولم تعد تسويتها تحتمل أي انتظار بعد أن أصبحت "قفة" المواطن المغربي في خطر قابله اعتراف حكومي بعدم القدرة على تلبيتها بخزينة عمومية مفلسة.

وهي كلها عوامل تفاعلت فيما بينها وجعلت النقابات تقتنع بالخروج الى الشارع بعد أن أصرت الحكومة على انتهاج سياسة اقتصادية شعر العمال أنها تهدف الى الإضرار بهم بعد أن اعتمدت التوظيف وفق نظام العمل المؤقت ضمن خطة لإسكات طالبي العمل، الى جانب تقليص التوظيف في القطاع العمومي وإعادة النظر في نظام التقاعد برفع سن الإحالة الى 65 عاما بدلا من 60 عاما المعمول بها حاليا. ويبقى السؤال كيف تتعامل حكومة بنكيران مع مطالب المضربين وهي تدرك بأنها لا تحوز على وسائل تلبيتها في ظل خزينة عمومية لم تعد قادرة على تحمل أعباء اكبر في ظل انكماش اقتصادي متزايد؟ والسؤال الأهم يبقى: في حال رفضت الحكومة هذه المطالب فهل ستواصل النقابات إضراباتها ضمن قبضة ستزيد من متاعب أم أنها ستذعن للأمر الواقع الذي ستفرضه آلة قمع بوليسية ما انفكت النقابات وتنظيمات المجتمع المدني تطالب برفع يدها عنها.