كيري يقوم بسابع عشرة جولة إلى المنطقة العربية خلال ثمانية أشهر

الولايات المتحدة تريد ربح الوقت الضائع في منطقة ساخنة

الولايات المتحدة تريد ربح الوقت الضائع في منطقة ساخنة
  • القراءات: 1254
م/ مرشدي م/ مرشدي

يتأكد من يوم لآخر أن وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، يولي أهمية خاصة لمنطقة الشرق الأوسط، التي يعتبرها نقطة مركزية في السياسة الأمريكية، بالنظر إلى أهميتها الإستراتجية لدولة تصر على الاحتفاظ بدورها كقوة أولى في العالم.وكرست الجولة التي شرع فيها جون كيري إلى عدة دول عربية درجة ذلك الاهتمام وسط رغبة أمريكية ملحة لإعادة ضبط الأمور في المنطقة سواء ما تعلق بعملية السلام أو تداعيات "الربيع العربي" بالإضافة إلى الملف النووي الإيراني.

وهي كلها قضايا تريد إدارة الرئيس باراك اوباما ضبطها في أقرب وقت ممكن ضمن عملية إعادة ترتيب أوراق منطقة لا تعرف الاستقرار ومرشحة لتحولات جذرية لا تريد إدارته أن تخرج عن دائرة تأثيرها أو فقدان تغلغلها فيها لصالح قوى أخرى منافسة، والإشارة واضحة إلى روسيا.

وعندما نعلم أن هذه الجولة تعد السابعة عشرة من نوعها منذ توليه مقاليد كتابة الخارجية الأمريكية خلفا لسابقته هيلاري كلينتون، قبل ثماني سنوات، ندرك مدى الاهتمام الامريكي بواقع عربي لا يبعث على الاطمئنان على مصالح لم يسبق أن عرفت أوقاتا عصيبة كالتي تواجهها الآن.

وتأكد أيضا من خلال هذه الجولة أن كيري يريد الانتهاء مع تبعات ما يطلق عليه الإعلام الغربي بـ«الربيع العربي" وخاصة حالة اللااستقرار والانسداد السياسي التي تعرفه دوله والتي وجدت نفسها فجأة أمام انزلاق أمني لم يكن في الحسبان.

فمن تونس إلى ليبيا ومرورا بمصر واليمن ووصولا إلى سوريا وأيضا الأوضاع في العراق، تعيش المنطقة العربية مخاضا عسيرا بعد أن أفرزت ثوراتها معطيات جديدة استحال على قياداتها الجديدة التحكم في أوضاع ما انفكت تتعقد رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات منذ اندلاع شرارة هذه الثورات شهر ديسمبر 2010 بمدينة سيدي بوزيد التونسية.

ويجب التأكيد أنه رغم مرور كل هذه المدة إلا أنه بقدر ما فشلت قيادات هذه الدول في احتواء الأوضاع السياسية والأمنية فإن الولايات المتحدة وجدت نفسها أيضا أمام معطيات لم تكن تتوقعها واستحال عليها ضبطها بالكيفية التي تعيد لمنطقة الشرق الأوسط استقرارها.

ولكن فشل الادارة الأمريكية لم يظهر فقط بالنسبة لما هو واقع في بعض البلدان العربية من تململ سياسي وأمني ولكنه فشل أكده الجمود الذي يطبع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي كلما اعتقد متتبعوها أنها مرشحة لانطلاقة جديدة إلا وعملت إسرائيل على  إجهاضها في مهدها تماما كما هو حاصل الآن، وبطريقة يتأكد معها أن حكومة الاحتلال تفعل ذلك نكاية في إدارة أمريكية لم تعد في توافق سياسي تام معها.

فقد تحين الوزير الأول الإسرائيلي زيارة جون كيري إلى المنطقة ليعطي إشارة بناء 1500 وحدة سكنية في القدس الشرقية وفي وقت تتواصل فيه المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية بخطى السلحفاة منذ الصيف الماضي ولكنها ما انفكت تتعثر بسبب عراقيل تضعها إسرائيل عن عمد لإفشالها ربحا للوقت وتمكينا لها من أجل تنفيذ مشاريعها لتهويد القدس الشريف والضفة الغربية.

ولم تكن الخرجة الأخيرة من أجل تقسيم المسجد الأقصى مناصفة مع اليهود بدعوى حقهم في الصلاة فيه إلا ضربة قاصمة لعملية سلام تموت من يوم لآخر موتة إكلينيكية سوف لن ينفع لا تدخل كيري ولا اوباما لنفخ الروح فيها بعد أن تحول الاثنان الى أشبه بأجهزة طبية تبقيها على قيد الحياة على اعتبار أن "الموت الرحيم" محرم لدى اليهود والمسلمين وهو ما يجعل عملية السلام مجرد جثة تتنفس اصطناعيا إلى غاية أن يأتي من له الشجاعة ليقول أنها ماتت عضويا وانتهى أمرها.

والمفارقة أن الولايات المتحدة تجد صعوبة كبيرة في إرضاء حلفائها في المنطقة على خلفية الملف النووي الإيراني والأوضاع في سوريا على مقربة من ندوة جنيف الثانية إن كتب لها النجاح هذه المرة.

ولذلك، فإن جون كيري سيجد نفسه في هذه الجولة مرغما على إرضاء إسرائيل وإقناعها بفكرة التقارب التي خلفتها علاقة الود التي نشأت فجأة بين الرئيسين حسن روحاني وباراك اوباما وأغضبت نتانياهو وصقور إسرائيل. وهو أيضا مطالب بإرضاء العربية السعودية التي رفضت دخول مجلس الأمن الدولي احتجاجا على قبول الادارة الأمريكية الذهاب إلى مؤتمر جنيف الذي رفضته الرياض وأيضا بسبب عدم تحركها من أجل تسليح المعارضة السورية لتسريع عملية الإطاحة بنظام الرئيس الأسد الذي ترى فيه السلطات السعودية بمثابة امتداد لإيران في المنطقة العربية وبالتالي تعين الانتهاء معه من خلال تدعيم المعارضة السورية المسلحة.

وهي كلها ملفات ثقيلة بنفس وزن المنطقة العربية ويبدو أن جون كيري لن يفلح في جولة محدودة المدة في فك شفراتها ويتعين عليه العودة مرة ومرات لتثبيت أقدام بلده والمحافظة على مصالحه في منطقة لا تعرف الاستقرار.