رغم قرارات التهدئة التي اتخذتها

الحكومة الفرنسية في مواجهة الغضب الشعبي

الحكومة الفرنسية  في مواجهة الغضب الشعبي
  • القراءات: 706
م .م م .م

تحولت العاصمة الفرنسية، باريس أمس، إلى مسرح لمواجهات عنيفة بين الصدريات الصفراء وقوات الأمن الفرنسية التي استخدمت الهراوات والقنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه في ثاني أعنف سبت تعرفه القبضة بين المحتجين الرافضين لرفع أسعار الوقود والحكومة الفرنسية.

وما كانت تخشاه السلطات الفرنسية تجدد أمس، في أعنف صوره واقتنع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن المحتجين لن يقبلوا بأنصاف الحلول التي اتخذتها حكومة إدوارد فليب مباشرة بعد أحداث الأسبوع الماضي في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي من إجراءات وصفت بالظرفية بالتراجع عن تطبيق قراراتها بالرفع في أسعار الوقود. وتجددت أعمال العنف في العاصمة الفرنسية بحدة أكبر مقارنة بالأسبوع الماضي، زادها خطورة الشلل التام الذي ضرب مختلف مناطق البلاد وكل محاور الطرق السيّارة والطرق الوطنية في كل فرنسا بعد أن منع المحتجون كل حركة سير فيها شعارهم في ذلك حتمية رضوخ الرئيس ماكرون لمطالبهم وإلغاء كل الإجراءات التي اتخذتها حكومته وكانت السبب في اندلاع ثورة الخريف الأوروبي بفرنسا وباتت  شرارتها تنتقل بالتدريج إلى دول الجوار القريب مثل بلجيكا وهولندا.

وفي محاولة لتفادي تكرار أحداث ثالث أسبوع من حراك الصدريات الصفراء عمدت السلطات العمومية الفرنسية إلى فرض حصار أمني على العاصمة باريس حيث تفاجأ الباريسيون منذ الصباح الباكر بآلاف عناصر الأمن ولأول مرة إنزال العربات العسكرية المدرعة التابعة للدرك الفرنسي إلى مفترقات الطرق الرئيسية ضمن خطة أمنية أكثر تشددا لمنع الوافدين على قلب باريس من الوصول إليها ولكنهم فشلوا في صد الأمواج البشرية التي توافدت إلى حيث المكان الموعود.

وبقيت تعزيزات قوات الأمن والمتظاهرين كل في زاويته طيلة صباح أمس، يتربص بالآخر ويتحين الفرصة للرد، ضمن مشهد استمر إلى غاية منتصف النهار حيث تغيرت المعطيات بمجرد أن أقدم شرطي على إطلاق أول قنبلة مسيلة للدموع باتجاه المحتجين وكانت بمثابة شرارة أشعلت أحداث ثالث سبت أسود تعيشه باريس والباريسيين.

وتحول شارع شانزليزي إلى مسرح لعمليات الكر والفر لم تتمكن فيها التعزيزات الأمنية الإضافية من بسط سيطرتها عليها أمام إصرار المحتجين على إسماع صوتهم بأنهم لن يتراجعوا حتى ترضخ سلطات بلادهم لمطالبهم التي يؤكدون أنها مشروعة في نفس الوقت الذي تعتبرها حكومة إدوارد فليب بأنها أمرا حتميا للتخفيف من أعباء الميزانية العمومية وبحجة تخصيص تلك الزيادات للتقليل من حدة التلوث التي تهدد فرنسا.

وغطى شعار ماكرون إرحل أجواء الصخب في كل العاصمة باريس التي استقطبت أحداثها المتلاحقة، كل العالم الذي أصبح يترقب مع بداية كل أسبوع معرفة تطورات الأحداث في دولة كانت تمثل رمز الاستقرار والرفاهية وهي بالإضافة إلى ذلك تبقى العمود الفقري لأوروبا الموحدة ونموذجا ناجحا للاقتصاد العالمي قبل أن تنهار تلك الصورة النمطية ويكتشف الفرنسيون ومعهم كل العالم أن المواطن الفرنسي عنيف أيضا عندما يتعلق الأمر بقوت يومه.  وتيقنت الحكومة الفرنسية من خلال تجدد المواجهات أمس، أن قرارات التهدئة التي اتخذتها بداية الأسبوع الماضي ستنهار في نهايته وهو ما وقع فعلا أمس، عندما قررت فرض حالة الاستنفار في صفوف عناصر أمنها ورفعت عددهم من 30 ألف في كل فرنسا مع بداية هذا الحراك الشعبي إلى 89 ألف أمس، ثمانية آلاف من بينهم خصصتهم لاستعادة الأمن المفقود في العاصمة باريس وحدها. وفي نفس الوقت، ارتفع عدد المتظاهرين الموقوفين أمس، إلى أكثر من 600 متظاهر وضع 300 من بينهم رهن الحبس تحت النظر بما يؤكد درجة الاحتقان التي يعرفها الوضع الأمني في فرنسا إلى الحد الذي جعل مختلف سفارات العالم تنصح رعايا بلدانها بعدم المغامرة بحياتهم في باريس التي تحولت فجأة من عاصمة الأمن إلى مدينة اللاأمن.

وهي صورة عكست ضعف السلطات الرسمية في هذا البلد في احتواء أزمة بدأت في إطارها الضيق قبل أن تتحول إلى أزمة وطنية ولكنها أحداث فضحت أيضا أحزاب المعارضة التقليدية التي بقيت في أول الأمر في موقع المتفرج قبل أن تحاول استغلال هذا الحراك لحسابات سياسية ولكنها فشلت في احتواء المتظاهرين الذين أكدوا أن لا لون سياسي لهم سوى لون رغيف العيش والقدرة الشرائية لملايين الفرنسيين من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة المتضررين من كل قرار حكومي لرفع الرسوم والضرائب والأسعار.