اندحار تنظيم «داعش» الإرهاب أصبح مسألة وقت

الحقيقة الخفية والحسابات الإستراتيجية

الحقيقة الخفية والحسابات الإستراتيجية
  • القراءات: 562
م.مرشدي م.مرشدي

إندلعت المعارك ضارية أمس، في محيط آخر معاقل تنظيم «داعش» الإرهابي والقوات المشتركة العربية ـ الكردية ضمن آخر حلقات مسلسل المواجهات المفتوحة بين الجانبين والتي يتوقع أن تضع نهاية لتنظيم مسلح شغل العالم بجرائمه المتلاحقة في كل البلدان التي اكتسحها في وقت قياسي منذ سنة 2014.

وما انفكت الرقعة الجغرافية التي فرض هذا التنظيم سيطرته عليها من العراق وسوريا تتقلص عاما بعد عام في متاهة اندحار متواصل إلى الحد الذي جعله لا يحتفظ سوى برقعة ضيقة في منطقة باغوز، إحدى قرى شمال سوريا التي تحصنت فيها قياداته الدموية في غياب أي معلومات حول مصير «خليفته» أبو بكر البغدادي الذي جعلت منه الدعاية الغربية مخلص العالم الإسلامي من جبروت حكامه وديكتاتوريتهم.

وكانت ما سمته نفس هذه الدعاية بـ»ثورات الربيع العربي» الذي تم اختيار تسميتها بحذاقة لتسهيل عملية استساغة أحداثها وجعلت منها مجرد غطاء لظهور هذا التنظيم تمهيدا لقبر تنظيم القاعدة الذي أدى الدور الذي حددته له مخابر مختلف أجهزة الاستعلامات مختلف القوى الكبرى والتي هيأت الرأي العام العربي للتأقلم مع الظاهرة الإرهابية التي لم تكن معروفة إلى وقت قريب في كل الوطن العربي والإسلامي.

والمفارقة أن جيوش التحالف الدولي بكل ترساناتها الحربية ومعداتها ووسائلها الاستخباراتية عجزت عن تحييد عناصر هذا التنظيم طيلة سنوات وراحت مختلف تلفزيونات العالم تروج لعملياته الدموية عبر فيديوهات مصورة من طرف خبراء في الصورة بهدف ضرب وتشويه أسمى الأديان السماوية وأرقاها وضرب صورة المسلم المتسامح بصورة أبو بكر البغدادي ومن معه من الحشاشين في الألفية الثالثة، حيث يبقى إراقة دماء الأبرياء وسيلتهم لتقربهم إلى ربهم.

والمفارقة الأخرى أن بلدان هذه الجيوش لم تترك لوحداتها التي زجت بها في سوريا والعراق، شرف الإعلان عن قهر التنظيم الإرهابي ورفع رايتها في آخر معاقله وتركتها لقوة عربية ـ كردية خرجت هي الأخرى من العدم على الحدود التركية وراحت تصورها على أنها هي التي تمكنت بقدرة قادر من الاضطلاع بهذه المهمة.

ويضاف إلى كل هذه المفارقات، إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومن جانب واحد نهاية العام الماضي سحب قوات بلاده ضمن قرار فأجا ليس الدول المنضوية في التحالف ولكن أقرب مساعديه وقائد قواته في التحالف الدولي في سوريا والعراق ودفع بعدد من مسؤولي إدارته ومن البنتاغون إلى تقديم استقالاتهم احتجاجا على مثل هذا القرار.

وهو ما يجعل نشوة الانتصار على تنظيم «داعش» الإرهابي تفقد كل معنى لها على اعتبار أن كل ما شهدته المنطقة العربية وما تشهده من أحداث متلاحقة كان مجرد سيناريو  لحسابات جيو ـ إستراتيجية وضعتها دول كبرى لحماية مصالحها وديمومة هيمنتها على العرب ومنهم إلى كل مناطق العالم في سياق التحولات الكبرى التي عرفها النسق الدولي في العقدين الأخيرين.

وهي الحقيقة التي تجعل من مقاتلي القوات الكردية والعربية سوى منفذين لآخر حلقات هذا السيناريو الذي ستتكفل مخابر السينما الأمريكية على صناعة أفلام ستغزو بها العالم وتصور الجندي الأمريكي كما في أفلام  «رامبو» و «شوازينيغر» ذلك الجندي المنقذ والحامي لمصالح أمريكا والإنسانية ويبقى  المواطن العربي والمسلم يحتفظ بتلك الصورة النمطية لعدو يجب محاربته والقضاء عليه تماما كما حصل للشيوعية وأنظمتها.