فيروس كورونا يكرس العجز الدولي

الحجر الصحي يتهدد الاقتصاد العالمي

الحجر الصحي يتهدد الاقتصاد العالمي
  • القراءات: 654
م. مرشدي م. مرشدي

دخلت دول العالم حالة حرب حقيقية، استنفرت على إثرها مختلف هيئاتها ومؤسساتها الرسمية، وراحت تغلق حدودها لمواجهة عدو مشترك تكمن قوته التدميرية في تحركه الصامت، فلا دوي قنابل ولا مدفعية ولا أزيز طائرات ولا حرب عملاء وجواسيس مكنته مع الأيام من فرض انكماش على اقتصادات أعتى القوى الدولية التي اعترفت بعجزها عن مواجهته بالرغم مما عندها من وسائل علمية وتكنولوجية عالية الدقة.

ورغم العقد الأخلاقي الذي يربط المجموعة الدولية والذي يفرض عليها تناسى ولو إلى حين صراعها وتنافسها من أجل مواجهة الأخطار الكونية المشتركة، فقد فشلت هذه المرة في تجسيده على أرض المعركة المفتوحة مع فيروس كورونا الذي استطاع في أقل من ثلاثة أشهر من فرض منطقه على المعمورة من أدنى شرقها إلى أقصى غربها وسط حالة ترقب لما يخفيه الغد من مفاجآت سارة كانت أو كارثية.

وراحت مختلف شعوب العالم تمسي على وضع وتصبح على آخر، بدأ ببيانات صحية وتعليمات وقائية وما لبثت أن تطور مع اتساع رقعة انتشار الفيروس إلى حجر صحي على مناطق معينة في هذا البلد أو ذاك ثم إلى حجر صحي طارئ على مستوى دول بأكملها، والذي تقبلته بقية الدول كون هذه القرارات الاستثنائية تبقى إجراءات وقائية يتم الاستغناء عنها بطريقة آلية متى عادت الأوضاع الصحية إلى طبيعتها بفضل لقاحات مخبرية تتسابق الدول إلى الإعلان عن إنتاجها بين لحظة وأخرى.

فمن كان يعتقد أن دولة مثل فرنسا تلجأ إلى فرض حجر صحي وطني وتصدر قوانين لردع كل من يخرقه، وهي التي كانت تعتقد أنها في منأى عن تداعيات الوباء حتى بعد قرارات جارتها إيطاليا فرض حجر على نفسها وبعدها الجارة إسبانيا.

ولكن عندما اقتنع الرئيس الفرنسي بأن حذو جارتيه أصبح أمرا محتوما خرج عن صمته مساء الاثنين في خطاب انتظره الفرنسيون ليقول لهم "ابقوا في مساكنكم فنحن في حالة حرب ضد فيروس خطره لا يرحم وكل تهاون في الاحتياطات الوقائية سيكلفنا الكثير".

إنه تصوير منطقي لمشهد كارثي بقي خارج مجال التحكم وحتم على قادة الدول السبع والعشرين المشكلة للاتحاد الأوروبي اتخاذ قرار بإغلاق حدود بلدانهم لمدة شهر كامل واضعين بذلك حدا لسريان اتفاقيات الوحدة في نطاق فضاء "شنغن".

ولم تنتظر شركات عملاقة توقعات الرئيس الفرنسي وراح بعضها يدق ناقوس الخطر من تبعات إفلاس وشيك أرغم حكومات مختلف الدول على التحرك لإنقاذها حتى بإجراءات فورية لتأميمها ليس نجدة لمالكيها من أرباب العمل ورموز الليبرالية ولكن حماية لاقتصاداتها من انكماش مفروض وحفاظا على مئات آلاف مناصب الشغل التي توفرها.

وأمام هذه الوضعية كان لا بد من أن تلجأ مختلف الدول إلى مدخراتها ففتحت خزائنها المالية لضخها في دواليب الآلة الاقتصادية آيلة إلى مرحلة تراجع حادة من شأنها أن توصل الاقتصاد العالمي إلى الانهيار، حددتها السلطات الفرنسية بـ 45 مليار أورو والبرازيلية بـ 26 مليار دولار وزيلندا الجديدة بأكثر من 6 ملايير دولار.

وهي مبالغ ضخمة ما كان لهذه الدول أن تخرجها من حسابات احتياطاتها الوطنية لولا مخاوفها من تبعات ذلك على اقتصاداتها بعد انتهاء الحرب مع الفيروس الذي يبدو أن مواجهته ستطول إذا سلمنا بتوقعات الحكومة الإسبانية التي أكدت لشعبها أن الحجر الذي وضع فيه قد يطول بسبب عدد المصابين والمناطق التي ضربها وعدد ضحايا الفيروس.

ويتواصل هذا المشهد الكارثي في وقت عجزت فيه المخابر الصيدلانية عن إصدار بيانات لطمأنة البشرية بأن اللقاح قادم، بل إن تسريبات لهذه المخابر زادت في درجة القلق في مختلف مناطق العالم، حيث أكدت روسيا أن مخابرها ما زالت في مرحلة تجريب لقاحها على الحيوانات وأنه لن يكون جاهزا للاستعمال البشري قبل شهر جوان القادم، بينما أكدت الولايات المتحدة أنها جربت أولى العينات على البشر بدون أن تتأكد من نجاعتها لاحتواء الوباء ومنع انتشاره.

بينما يوجد اللغز المحير في الصين التي تمكنت من احتواء الوباء حيث سجلت 13 حالة وفاة فقط أول أمس، وأصبحت بذلك تشكو من الوافدين إليها من الخارج وكأنها تقول لهم ابقوا في بلدانكم، معلنة عن مؤشرات إيجابية لمضاد حيوي تم إنتاجه سيتم تجربته نهاية الشهر القادم على البشر.. ومن يدري فقد يأتي العلاج من الصين كما انتشر الداء منها.