نهاية أسبوع "ساخنة" بالنسبة للأزمة في ليبيا

التصعيد العسكري.. هل يفتح الطريق أمام التسوية التفاوضية؟

التصعيد العسكري.. هل يفتح الطريق أمام التسوية التفاوضية؟
  • القراءات: 379
 م. مرشدي م. مرشدي

شكل التقارب الروسي ـ التركي المفاجئ حول الوضع في ليبيا، واتفاق موسكو وأنقرة على مواصلة جهودهما للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتشكيل مجموعة عمل مشتركة ستشرع في جولة مشاورات "قريبا" الحدث الأبرز في تطورات المشهد الليبي.

وتكمن أهمية الكشف عن هذا التحول في تقارب البلدين، أنها المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن مشاورات سياسية تركية ـ روسية منذ غادر اللواء خليفة حفتر، موسكو رافضا التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار مع غريمه فايز السراج، منتصف شهر جانفي الماضي، وشكل ذلك ضربة قوية للدبلوماسية الروسية.

كما أن هذه الأهمية تكمن في كون الاتفاق على تغليب لغة الحوار السياسي جاء بعد أسابيع من طغيان أخبار متلاحقة حول تحركات حثيثة لقوات الدول المتصارعة في ليبيا  استعدادا لساعة الحسم العسكري في مدينة سيرت وقاعدة الجفرة الجوية، أعطت الاعتقاد أن الأمور بدأت تسير فعلا بالسرعة القصوى باتجاه مواجهة مفتوحة بين قوات خليفة حفتر وقوات حكومة الوفاق ومن يؤيدهما من الدول الأجنبية.

ولكن هل ينجح البلدان في الخروج من دائرة التهديد والوعيد إلى دائرة البحث عن حل تفاوضي، بعد أن عرف الأسبوع الماضي تهديدات مصرية ـ تركية متبادلة وتحذير فرنسي من تزايد الخطر الروسي ـ التركي في ليبيا، واتصالات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع الرئيس الروسي وأخرى مع الرئيس الإماراتي والرئيس المصري والرئيس الفرنسي ضمن تحركات دبلوماسية تناولت جميعها الوضع في ليبيا.

فهل كان التصعيد العسكري مقصودا من كل الأطراف ضمن خطة لامتلاك أوراق تفاوضية قوية، بعد أن اقتنع الجميع أن الحل العسكري لهذه الأزمة يبقى خيارا مستحيلا بالنظر إلى تعقيدات الموقف وتداعياته الخطيرة على الاستقرار الإقليمي، وتداخل مصالح مختلف الدول وحرصها على عدم تضييعها في مواجهة عسكرية الرابح فيها سيكون خاسرا، وبقناعة أن دخول الحرب ليس كالخروج منها.

وعكست الاتصالات الهاتفية التي أجراها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب مع رؤوساء فرنسا ومصر وروسيا والإمارات العربية وألمانيا الذين أثار معهم جميعا تطورات الوضع في ليبيا، أن بلاده لا تريد البقاء على هامش ما يجري من تحركات وأنها هي الأخرى حريصة أشد الحرص على مصالحها في هذا البلد ومنه إلى كل المنطقة وكل حوض البحر الأبيض المتوسط.

ويكون الرئيس الأمريكي، قد أخلط بذلك حسابات قادة هذه الدول بعد أن ساد الاعتقاد لديهم أن تركيز إدارته منصب على انتخابات الثالث نوفمبر القادم، 100 يوم قبل إجرائها ولكن مكالماته الهاتفية نهاية الأسبوع، أعادت الجميع إلى صوابه وجعلتهم يتأكدون أن إدارته لن تفرط في بلد بأهمية ليبيا، وعلى الجميع أخذ ذلك بعين الاعتبار،  في نفس الوقت الذي اكد فيه أن الخيار العسكري مستبعد وأن الجميع لابد أن يقتنع بحل توافقي.

وهو ما يفسر الاتفاق الروسي ـ التركي الذي جمد الخيار العسكري وراح يغلب خيار الحل السياسي، ضمن تطور من شأنه الدفع إلى حلحلة الوضع وإخراج الموقف في ليبيا من دائرة "التعفين" العسكري الذي انتهجته كل الأطراف إلى حد الآن.

وإذا سلّمنا بالثقل الروسي والتركي في معادلة الحل في ليبيا، فإن موسكو وأنقرة اقتنعتا أنه رغم تباين مصالحهما فإنهما مرغمتان على إبرام مثل هذا الاتفاق بنفس الكيفية التي تم ذلك بينهما في سوريا، وراح البلدان على اثرها ينسقان العمل ضمن قاعدة  "لا ضرر ولا ضرار" مراعاة لمصالح كل دولة منهما في هذا البلد. ويمكن القول إن تركيا بحكم علاقاتها المتقاربة مع الولايات المتحدة حول الملف الليبي، ثم توصلها إلى هذا الاتفاق مع روسيا سيجعل منها اللاعب المحوري الذي سيكون الرابط بين واشنطن وموسكو في ترتيب أوراق ملف الأزمة الليبية، ويمهد الطريق أمام مفاوضات سياسية التي شدد الرئيس الأمريكي عليها قبل يومين وأيدتها روسيا بطريقة ضمنية من خلال اتفاقها مع أنقرة.

وهو تقارب من شأنه "تجميد" الخيار العسكري ضمن تحول قد يخلط حسابات الجانبين المصري والإماراتي اللذين صعدا الموقف من خلال شحنات الأسلحة التي وصلت إلى جبهات القتال التي تسطير عليها قوات اللواء خليفة حفتر، تحسبا لأية تطورات عسكرية تقوم بها قوات حكومة الوفاق، لاستعادة سيطرتها على مدينة سيرت وقاعدة الجفرة الاستراتيجية ضمن وضعية شبيهة بتلك التي وجدت فرنسا، نفسها فيها التي حاولت اللعب تارة بورقة الاتحاد الأوروبي لإفشال الدور التركي في ليبيا، وتارة أخرى بالورقة "الأطلسية" إلا أن مساعيها لم تلق ذلك التجاوب المرجو بسبب تباين موقفها مع إيطاليا بخصوص الوضع في ليبيا، وأيضا بسبب انسجام موقف الولايات المتحدة مع الموقف التركي بخصوص هذه الأزمة.

وهي كلها مواقف تجعل من "قطع" المشهد الليبي غير مكتملة مما يجعل من الصعب التكهن بما تخفيه الأيام القادمة، من مستجدات على طريق التسوية التفاوضية أو باتجاه تصعيد جديد في المواقف العسكرية، إذا سلّمنا بحساسية الوضع وتضارب مصالح كل القوى الخارجية المتحكمة في معادلة التسوية النهائية.