في فصل جديد من فصول الألم والمعاناة في غزة
الأمطار تغرق خيام النازحين
- 132
ص. م
اشتدت معاناة مئات آلاف النازحين في قطاع غزة خاصة في منطقة المواصي غرب خان يونس جنوب القطاع، بعدما غرقت عشرات آلاف الخيام بمياه الأمطار الناتجة عن المنخفض الجوي الذي ضرب الأراضي الفلسطينية منذ فجر أول أمس وسط أوضاع معيشية تزداد انهيارا مع بداية فصل الشتاء.
وأكد جهاز الدفاع المدني الفلسطيني، في بيان له أمس، أن طواقمه تتعامل مع عشرات الخيام التي غمرتها المياه في مخيمات النزوح، مشيرا إلى أن آلاف الخيام تضررت وتبللت ملابس النازحين وأغطيتهم في ظل غياب مقومات الحياة الأساسية بعد عامين من الإبادة والحصار.
وأوضح أن قدرته على الاستجابة لحالات الغرق محدودة للغاية بسبب تدمير الاحتلال معدات الإنقاذ ومنع دخول بدائل، بما يجعل التعامل مع الفيضانات شبه مستحيل، في حين تبقى الخدمات البلدية بدائية وغير قادرة على تلبية احتياجات السكان في هذه الظروف القاسية. وهو ما جعله يحذر من أن المنخفض الحالي يمثل مجرد بداية لفصل شتاء قاس قد يشهد كوارث أكبر، خاصة مع الخطر المتزايد لانهيار المنازل المتصدعة بفعل الأمطار والسيول.
وفي تصريح له، أكد المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، حازم قاسم، أن الكارثة التي يعيشها سكان القطاع وتصاعدت مع دخول فصل الشتاء، تستدعي موقفا واضحا من جامعة الدول العربية يستند الى الوثيقة التأسيسية لهذه الاخيرة وكذلك منظمة المؤتمر الاسلامي. وقال إنّ "أهالي القطاع يتعرضون لحرب إبادة بالرغم من الإعلان عن توقف الحرب عبر تقييد المساعدات ومنع الإعمار واستمرار الحصار في ظروف حياتية قاهرة".
من جانبه، ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" أن الشركاء العاملين على توفير الدعم في مجال المأوى نشروا فرق استجابة سريعة ويبذلون منذ أسابيع قصارى جهدهم للتخفيف من تأثير الأمطار المتوقعة على السكان في جميع أنحاء غزة، مشيرا إلى بأنه تم الخميس الأخير توزيع نحو ألف خيمة على عائلات في دير البلح وخان يونس في رقم يبقى ضئيل جدا مقارنة بالاحتياجات الهائلة لعشرات الاف النازحين الذين دمر الاحتلال منازلهم ومدنهم ومخيماتهم.
وحذّرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أمس، من أن الأمطار تزيد من صعوبة الأوضاع في قطاع غزة وأن العائلات تلجأ إلى أي مكان متاح بما في ذلك الخيام المؤقتة. وأكدت في بيان لها على "الحاجة الماسة إلى إمدادات المأوى في غزة" وقالت إنها "متوفرة لدينا.. وندعو إلى السماح لنا بتقديمها للسكان"، مشيرة إلى تحركات دولية لمحاولة الضغط على الكيان الصهيوني وإجباره على السماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة.
كما أعرب المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، عن خشيته من أن "آلاف العائلات النازحة أصبحت الآن معرضة بالكامل لظروف الطقس القاسية، مما يزيد من المخاوف المتعلقة بالصحة والحماية". وكان المكتب الإعلامي الحكومي قد أكد أن مأساة النزوح تتفاقم بالنسبة لحوالي مليون ونصف مليون نازح يعيشون في خيام بالية مزقتها الرياح وغمرتها مياه الأمطار وسط انعدام الخدمات الأساسية وصعوبة الحصول على المستلزمات الضرورية.
وأمام تعمق مآسي سكان غزة مع بدء فصل الشتاء، ناشدت الرئاسة الفلسطينية، أمس، دول العالم وخاصة الإدارة الأمريكية وكذلك الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بالضغط على إسرائيل للإسراع في إدخال البيوت الجاهزة والخيام للقطاع من أجل مواجهة الأحوال الجوية القاسية التي تعرض حياة المواطنين للخطر. وطالبت الرئاسة الفلسطينية برفع القيود والعراقيل الإسرائيلية التي تحول دون التمكن من إدخال البيوت المتنقلة والخيام ومعدات الايواء إلى القطاع غزة المنكوب لمواجهة الوضع الإنساني الصعب الذي يعرض حياة الأطفال والنساء وكبار السن إلى مخاطر جسيمة.
ويعتمد معظم النازحين في غزة على خيام تالفة ومهترئة كملاذ أخير، فيما تشير التقديرات الرسمية إلى أن نحو 93% منها لم تعد صالحة للإقامة، مع تضرر عشرات الآلاف بسبب القصف الصهيوني والعوامل الطبيعية. ورغم ذلك، يواصل هذا الكيان المحتل منع إدخال مواد الإيواء من خيام وبيوت متنقلة في خرق واضح لالتزاماتها ضمن اتفاق وقف إطلاق النار العاشر 10 أكتوبر الماضي. وأدى العدوان الصهيوني على القطاع إلى تدمير 92% من المباني السكنية في القطاع، كليا أو جزئيا، ما دفع غالبية المواطنين إلى النزوح في خيام لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء أو السكن في منازلهم المتصدعة رغم خطر انهيارها بفعل السيول والأمطار.
باريس تحتضن مؤتمر "فلسطين وأوروبا"
القضية الفلسطينية حاضرة في قلب القارة الأوروبية
أجمع عدد من أبرز الشخصيات السياسية والأممية في أوروبا على أن القضية الفلسطينية أصبحت عاملا حاسما في إعادة تشكيل المشهد السياسي والأخلاقي داخل القارة الأوروبية التي انقسمت بين موقف رسمي، يتبع السردية الصهيونية ورأي عام تمكن "طوفان الأقصى" من تغيير نظرته بعدما تكشفت أمامه حقيقة الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي.
جاء ذلك خلال الجلسة الختامية لمؤتمر "فلسطين وأوروبا" الذي نظمه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – فرع باريس" بالعاصمة الفرنسية، بالتعاون مع كرسي التاريخ في "كوليج دو فرانس"، مساء أول أمس. وضمت الجلسة، التي حملت عنوان "كيف تعيد فلسطين تشكيل أوروبا؟"، كلا من المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فرانشيسكا ألبانيز، ورئيس الوزراء ووزير الخارجية الفرنسي الأسبق، دومينيك دو فيلبان، والممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ورئيس مركز"سيدوب"، جوزيب بوريل، وأدارتها الباحثة الفرنسية أنياس لوفالوا.
وقدم المتحدثون الثلاثة خلاصة سياسية وأخلاقية حول التحوّلات العميقة التي يشهدها الوعي العام والمؤسسات الرسمية في أوروبا في ظل حرب الإبادة الجماعية الجارية على غزة. واستهل المسؤول الأوروبي السباق، جوزيب بوريل مداخلته، بنفي اتهامات معاداة السامية الموجهة إليه بسبب عقد هذا المؤتمر الذي أكد أنه علمي وموضوعي ويعكس تنوّعا ورصانة في الطروحات.
وقال بوريل إن أوروبا "تعيش أزمة عميقة في القدرة على تحويل خطابها الحقوقي إلى سياسات فعلية"، معتبرا أن هذا التناقض جعلها تُتَّهم بالتواطؤ أو الصمت أمام جرائم الحرب والإبادة في غزة، ودعا إلى مقاربة أوروبية جديدة تقوم على وقف الدعم غير المشروط لـ«إسرائيل" وفرض آليات محاسبة سياسية وقانونية، والضغط الجدي لوقف العمليات العسكرية.
وأوضح أن الدعم داخل المؤسسات الأوروبية لـ«إسرائيل" ثابت وعميق، وأن إجراءات العقوبات غالبا ما تبقى بلا تنفيذ، مشيرا إلى أن غالبية الدول الأعضاء تتبنى سردية "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، بما يقيد قدرة الاتحاد الأوروبي على اتخاذ إجراءات فعلية. ورغم ذلك، فقد شدّد بوريل على أن التحول بدأ يظهر في الرأي العام الأوروبي، الذي أصبح يشكل القوة الضاغطة الرئيسية لإعادة النظر في المواقف الرسمية.
من جانبها، أكدت فرانشيسكا ألبانيز أن ما يحدث في الأراضي الفلسطينية "منظومة عنف ممنهجة وليست مجرد تجاوزات"، معتبرة أن صمت أوروبا يمثل "مشاركة فعلية في استمرار الانتهاكات". وشدّدت على ضرورة انتقال أوروبا من البيانات الرمزية والتصريحات القلقة إلى إجراءات ملموسة، بما في ذلك إعادة تقييم اتفاقيات الشراكة الاقتصادية مع "إسرائيل"، وعلى رأسها اتفاقية الشراكة التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
ودعت ألبانيز إلى فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية ومساءلة الشركات الأوروبية المتورطة في تجارة الأسلحة والتقنيات المستخدمة في الأراضي المحتلة، وأشارت إلى أن الرأي العام الأوروبي بات أكثر وعيا بالمعاناة الفلسطينية، مؤكدة أن "القضية الفلسطينية أصبحت معيارًا لاختبار القيم الأوروبية" وأن التغيير الحقيقي يبدأ بمحاسبة "إسرائيل" على انتهاكاتها.
أما دومينيك دو فيلبان، فاستهل حديثه بالتأكيد على ضرورة حماية حرية النقاش الأكاديمي، معتبرا أن محاولات تقييد الحوار حول فلسطين تمثل خطرا على القيم الديمقراطية الأوروبية، وأوضح أن التعامل مع فلسطين كـ«قضية بعيدة" يعكس ازدواجية في المعايير ويفقد السياسات الأوروبية مصداقيتها، ودعا إلى جعلها أولوية على الأجندة السياسية في فرنسا وأوروبا ووضع حد للسياسات الشكلية عبر استخدام الأدوات الدبلوماسية والقانونية والاقتصادية كافة للضغط على إسرائيل.
وأكد الوزير الفرنسي الأسبق أن الحلول الجذرية تتطلب دبلوماسية فاعلة لا قائمة على المجاملات أو الانحياز، داعيا إلى تسمية الانتهاكات في فلسطين "بأسمائها الحقيقية" باعتبار ذلك الخطوة الأولى نحو المساءلة وحماية المدنيين. وعلى مدار أكثر من ساعة، رسم المتحدثون الثلاثة صورة دقيقة لأوروبا الراهنة من منطلق أنها قارة منقسمة بين حكومات مترددة أو صامتة ورأي عام غاضب يخرج في مظاهرات أسبوعية وجيل شاب يرفض الخطاب السياسي التقليدي ويتبنى مواقف أكثر وضوحا بشأن فلسطين.
شدّدت على أن وقف إطلاق النار في غزة لا يسقط جرائمها
جنوب إفريقيا تؤكد مواصلة ملاحقة الكيان الصهيوني قضائيا
أكدت حكومة جنوب إفريقيا، أمس، استمرارها في ملاحقة الكيان الصهيوني قضائيا أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، مشددة على أن الإعلان عن وقف إطلاق النار لا يُسقط الجرائم التي وقعت خلال العدوان.
قالت وزارة العلاقات الدولية والتعاون، في بيان رسمي أمس، إن وقف إطلاق النار "لا يبرر طي صفحة الانتهاكات"، موضحة أن الدعوى أمام محكمة العدل الدولية تهدف إلى منع تكرار الجرائم وضمان عدم الاكتفاء بتعليقها بشكل مؤقت، وأشارت إلى أن هذا المسار القضائي ينسجم مع موقف جنوب إفريقيا التاريخي في مناهضة الفصل العنصري ودعم حقوق الشعوب الواقعة تحت الاضطهاد.
وكانت جنوب إفريقيا قد رفعت دعوى أمام محكمة العدل الدولية في ديسمبر 2023، اتهمت فيها الكيان الصهيوني بارتكاب أعمال ترقى إلى الإبادة الجماعية بحق المدنيين في غزة، فيما أصدرت المحكمة لاحقا سلسلة تدابير مؤقتة طالبت إسرائيل بتنفيذها لحماية السكان وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.وانضمت لهذه الدعوة عديد الدول، على غرار إسبانيا، التي أكدت بدورها على ضرورة محاسبة مجرمي الحرب الصهيونيين على جرائمهم المروعة التي اقترفوها ضد العزل من أبناء الشعب الفلسطيني في غزة.
ولكن هذا الاحتلال الجائر ضرب عرض الحائط بكل قرارات المحكمة وواصل إبادته الجماعية في قطاع غزة على مدار عامين كاملين شملت قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا واعتقالا، وخلفت واحدة من أبشع المآسي الإنسانية في العصر الحديث وقد راح ضحيتها أكثر من 239 ألف فلسطيني ما بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء وأكثر من 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين معظمهم أطفال، علاوة عن الدمار الشامل ومحو معظم مدن القطاع ومناطقه من على الخريطة.