في الذكرى المئوية لوعد بلفور

استمرار معاناة الفلسطينيين وحلمهم العودة إلى ديارهم

استمرار معاناة الفلسطينيين وحلمهم العودة إلى ديارهم
  • القراءات: 453
 م. مرشدي م. مرشدي

يستعيد الفلسطينيون وكل العرب في الثاني من الشهر القادم، الذكرى المئوية لأتعس يوم وأكثره شؤما في تاريخهم المعاصر؛ لما أصبح يُعرف باسم «وعد بلفور» الذي وقّعه وزير الخارجية البريطاني آنذاك آثر جيمس بلفور في مثل هذا اليوم من سنة 1917، وسمح بمقتضاه لتنظيمات إرهابية يهودية، باستيطان أرض فلسطين بدعوى الحق التاريخي لهم في أرض نزلت عليهم اللعنة الإلهية فيها، منذ النبي موسى عليه السلام.

 

ويمر مائة عام على هذا الوعد، لتتوالى في الذاكرة المشتركة للفلسطينيين والعرب المآسي التي خلّفها تجسيد هذه الفكرة الجهنمية، عندما شرع إرهابيو تنظيمات «الهاغانا» و»الأرغون» اليهودية المتطرفة التي حولت حياة الفلسطينيين إلى جحيم بتواطؤ الحكومات البريطانية، بمجرد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي كانت مناسبة استغلها اليهود لتحقيق حلمهم، لإقامة دولة تحت شعار مزيّف، روّج لفكرة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض».

وهي الكذبة التي روجت لها الدعاية اليهودية التي أحكمت قبضتها على دواليب صناعة القرار الأوروبي والأمريكي بعد أن بسطت سيطرتها على كبريات البنوك العالمية والصحف والقنوات الإذاعية والتلفزية، وراحت تروج لمثل هذه الخرافة ضمن خطة إغراق إعلامية، شوهت من خلالها حقائق التاريخ إلى درجة جعلت أصحاب الأرض الحقيقيين من الفلسطينيين يتحولون ضمن منطق الأقوياء الجدد إلى «إرهابيين».      

وتمكن يهود العالم بفضل سياسة المكائد والتخطيط طويل المدى منذ أن رضخ وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور، لرغبات اللورد روتشيلد الذي تزعم اللوبي اليهودي في بريطانيا من أجل التنازل عن فلسطين التي كانت تحت نظام الوصاية لليهود، الذين أصبحوا أسياد أرض اغتصبوها بقوة الحديد والنار.

ومازال ملايين الفلسطينيين الذين أرغموا على مغادرة منازلهم باتجاه الشتات في مختلف البلدان العربية وفي ظروف مأساوية، يتذكرون تلك الصور المرعبة لعناصر جماعات يهودية إرهابية شُحنت بأفكار عنصرية ضد كل ما هو عربي ومسلم لإبادتهم في أكبر عمليات قتل جماعي، أشبه بتلك التي تعرّض لها الهنود الحمر في أمريكا.

وهي خطة أتت بثمارها في نهاية المطاف عندما احتل اليهود القادمون من أقصى الشرق الروسي ومن كل دول أوروبا بشقيها الشرقي والغربي وحتى من أمريكا اللاتينية وإفريقيا، مساكن هجرها أصحابها ولم يأخذوا سوى مفاتحيها التي مازالوا يحتفظون بها ويتوارثونها أبا عن جد، للذكرى ولكن أيضا لتأكيد تمسكهم بأرض انتزعت منهم عنوة وبقوة الرصاص والنار وسط تكتم دول مثل بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتي المنهار وحتى الولايات المتحدة، القوة الصاعدة في معادلة النسق الدولي آنذاك التي تواطأت مع اللوبيات الصهيونية الجديدة.

وهو تواطؤ مازالت بذرته تسكن ذهنية المسؤولين الغربيين، ولا يجدون حرجا في الجهر به بدليل تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي، التي أكدت على الاحتفال بذكرى وعد بلفور رغم علمها المسبق بحقيقة المعاناة وجرائم الإبادة الجماعية والقتل المدبر والحروب التدميرية، التي مازالت آثارها في مخيلة حياة أجيال من الفلسطينيين.

وهو ما جعل رامي الحمد الله رئيس الوزراء الفلسطيني، يطالب بريطانيا بالاعتذار عن هذا الوعد المشؤوم، الذي منح اليهود «وطنا قوميا» على أرض فلسطين وبتحمل مسؤوليتها بسبب الظلم التاريخي الذي ارتكبته في حق الشعب الفلسطيني بدلا من الدعوة إلى الاحتفال به؛ في تحد للرأي العام العالمي المناصر للقضية الفلسطينية وكل أنصار العدالة والحرية وحقوق الإنسان».

وجاء هذا المطلب بعد أن اعتبرت السلطة الفلسطينية مثل هذا التصريح بمثابة جهل بحقائق التاريخ ووقاحة سياسية وإصرار على تأييد الجريمة التي وقعت في حق الشعب الفلسطيني، وتأييد للسياسات العنصرية والقمعية التي يمارسها الاحتلال، وتؤكد بصورة لا نقاش فيها، أن بريطانيا تقف إلى جانب استمرار التوتر في منطقة الشرق الأوسط  بتدمير حل الدولتين.

وأضافت الرئاسة الفلسطينية في رد فعلها أن «الفخر الذي تحدثت عنه رئيسة الوزراء البريطانية بإقامة الكيان العنصري فوق أرضنا وعلى أنقاض الشعب الفلسطيني، هو العار بعينه، وهي السياسة التي لم تتغير لبريطانيا طوال احتلالها أو ما يسمى انتدابها على فلسطين، وبذلك فهي تتحمل مسؤولية سفك دماء شعبنا ومعاناته مع الشعوب العربية جميعها».