ندوة باريس حول البيئة

اتفاق تاريخي ينتظر التجسيد

اتفاق تاريخي ينتظر التجسيد
  • القراءات: 688
م. مرشدي م. مرشدي

كانت مصادقة 195 دولة شاركت في أشغال مؤتمر البيئة "كوب ـ 21" بالعاصمة الفرنسية باريس، طيلة 13 يوما، الحدث الأبرز لنهاية هذا العام، بعد أن اتفقت دول صناعية وصاعدة وفقيرة على "ميثاق شرف" تعهدت من خلاله بالعمل من أجل تقليص نسبة الانبعاثات الغازية لوقف ارتفاع حرارة العالم. ويعد هذا الاتفاق أكبر إنجاز تحققه المجموعة الدولية لحماية "القرية العالمية" التي أصبح الجميع ملزمين بالمحافظة على بيئتها حماية لبلدانهم ولاقتصادياتهم بعد أن اقتنعوا بأن كل تأخير في حماية الأرض سيكون وبالا على الجميع وكوارثها لن تستثني أحدا.

وتكمن أهمية اتفاق باريس في كونه حدد سنة 2050 لتقليص نسبة الانبعاثات الغازية ما بين 40 و70 بالمئة على أن تتقلص هذه النسبة إلى الصفر بحلول عام 2100 بعد أن تكون دول العالم قد تحولت من إنتاج الطاقات المتسببة في هذا الوضع الكارثي إلى الطاقات المتجددة "صديقة الإنسان" من شمس ورياح. وخرج الجميع من قصر البورجي بالضاحية الباريسية الذي عكف فيه حوالي أربعة آلاف خبير وباحث ومهتم على بحث آليات تقليص حرارة الكون بدرجتين مبتهجين بهذا الإنجاز الذي استغلته أيضا السلطات الفرنسية للتخفيف من وقع الصدمة التي خلفتها تفجيرات الجمعة ـ 13 وعاد الجميع من حيث جاءوا وفي حقائبهم جملة الالتزامات التي وقعوا عليها لحماية أرض ضاقت من تصرفات قاطنيها وخاصة الكبار منهم.

ولكن هل يلتزم هؤلاء بمضمون ما وقعوا عليه ويشرعون فعلا في اتخاذ الإجراءات العملية الكفيلة بتخفيف الاحتباس الحراري وتنقية أجواء الأرض شيئا فشيئا حتى تحترم الطبيعة فصولها ويصبح الشتاء شتاء والصيف صيفا. والمؤكد أن الإجابة على هذا السؤال تبقى صعبة أولا لصعوبة التأكد من حسن نوايا حكومات الدول الموقعة على ميثاق العاصمة باريس وأيضا لأن توقيع الكثير منها وخاصة الدول الصناعية الكبرى المتهمة بتلويث الجو جاء تحت ضغط المجموعة الدولية وسيل الانتقادات التي ما انفكت توجهها لها المنظمات الدولية الناشطة في هذا المجال.

وإذا عملنا أن انبعاث غاز اوكسيد الكاربون المتهم الرئيسي بما يعانيه العالم من كوارث طبيعية سببه الشركات الصناعية الكبرى يجعل من الصعب إقناعها بفكرة تقليص انبعاثاتها الغازية في ظل المنافسة الاقتصادية المحتدمة فيما بينها ضمن صراع جعل كل الاتفاقات الموقعة إلى حد الآن في هذا المجال مجرد حبر على ورق. ووقف العالم كله أمام هذه الحقائق عاجزا عن القيام بتحرك عملي لمواجهة وضع بيئي يزداد تدهورا من عام لآخر إلى الحد الذي جعل ظروف العيش على كوكب الأرض تزداد تعقيدا بسبب كوارث طبيعية أدت إلى شح المحاصيل الفلاحية وازدياد الأمراض التي تفتك ببني البشر سواء بعودة أمراض تم القضاء عليها أو بسبب ظهور أمراض عجز الطب عن علاجها. ولم يكن تحذير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية الشهر الماضي بأن حرارة الكون ارتفعت بدرجة واحدة إلا تأكيد على واقع قائم وبما ينذر العالم أجمع بمستقبل أكثر حرارة مع كل ما يترتب عن ذلك من تبعات على معيشة الناس.

ويكون مثل هذا الواقع هو الذي جعل الرئيس الامريكي باراك اوباما يعترف مباشرة بعد المصادقة على ميثاق باريس أن مشكلة العالم مع الانبعاث الحراري لن يتم حسمها بفضل هذا الاتفاق، بل أن خبراء في مجال البيئة أكدوا بكثير من التشاؤم أنه حتى وإن التزمت الدولة المشاركة في ندوة العاصمة الفرنسية فإن حرارة الأرض لن تنخفض بثلاث درجات التي عرفها كوكبنا بسبب مخلفات العهد الصناعي وهي نسبة تضع الأرض على كف عفريت إذا أخذنا بتأكيدات خبراء في مجال البيئة أن تقليص حرارة الأرض بدرجتين سيكون له تبعات كارثية على العالم بازدياد العواصف والجفاف وارتفاع منسوب المحيطات واندلاع الحروب من أجل الماء وازدياد الهجرات والنزوح بسبب التغيرات المناخية المفاجئة.

وهو ما جعل عدة منظمات ناشطة في مجال حماية البيئة تؤكد أن القرارات المتخذة تبقى غير كافية بما يستدعي مراجعة هذا الاتفاق بحلول سنة 2025. وإلى غاية دخول الاتفاق حيز التنفيذ سنة 2018 فإن العالم مطالب  بالقيام بعملية تقييم لما تم إنجازه بخصوص التحول من الطاقات التقليدية من فحم وبترول وغاز إلى الطاقات المتجددة التي تبقى أهم ضامن لنقاء الجو وحتى يتمكن العالم بأغنيائه وفقرائه من تفادي ارتفاع درجات الحرارة بثلاث درجات خلال العشر سنوات القادمة.