نتانياهو يجمد مشروعا استيطانيا بأكثر من 20 ألف وحدة سكنية‏

إلغاء تكتيكي خدمة لحسابات استراتيجية

إلغاء تكتيكي خدمة لحسابات استراتيجية
  • القراءات: 1195
م/ مرشدي م/ مرشدي
 
 

ألغى الوزير الأول الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أمس، مشروعا ضخما بأكثر من 20 ألف وحدة استيطانية، كان يعتزم إقامته في أراضي الضفة الغربية ساعات بعد أن أعلن عنه وزير السكن في حكومة الاحتلال يوري ارييل.

وزعم الوزير الأول الإسرائيلي أن هذا القرار راجع إلى غياب التنسيق بين أعضاء حكومته مما استدعى إعادة النظر فيه واتخاذ الإجراءات الخاصة بتخطيط مسبق لمشروع بهذه الاهمية.

وأضاف في انتقاد يوحي أنه انتقد وزير السكن في حكومته أن هذه المبادرة لا تساهم في تشجيع الاستيطان بقدر ما تضر بها لأنها تؤدي إلى مواجهة لسنا بحاجة إليها مع المجموعة الدولية خاصة ونحن نسعى إلى إقناعها بالتوصل إلى أفضل اتفاق مع إيران".

وإذا سلمنا بمبررات نتانياهو بوجود سوء تنسيق داخل حكومته حول هذا المشروع فإن ما يحير في كل هذه العملية هو هل يعقل أن يعلن وزير، مهما كان وزنه في أية حكومة من حكومات العالم، عن مشروع بهذه الضخامة دون علم سلطات بلاده العليا وعلى رأسهم رئيس حكومته؟

والأكثر من ذلك ألم يكن لوزير سكنه ارييل يوري أن يتحلى ببعض النباهة السياسية تمكنه من استشعار تبعات هذا المشروع الضخم لعلمه المسبق للرفض الذي تبديه المجموعة الدولية لمثل هذا القرار؟.

هي أسئلة وأخرى تفرض نفسها بإلحاح خاصة إذا علمنا أن الإعلان عن هذا المشروع جاء في وقت مازالت فيه جولات التفاوض بين الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني متواصلة في القدس المحتلة وكان الإعلان عنه كافيا لنسف كل العملية السلمية التي ترعاها الادارة الأمريكية من أساسها.

والمؤكد أن تراجع نتانياهو عن هذا المشروع فرضه أيضا وقع الصدمة الذي أصاب الأمريكيين والفلسطينيين بعد أن شبهت عدة مصادر المشروع بالقنبلة الموقوتة التي يمكنها أن تفجر كل عملية السلام.

وإذا كانت السلطة الفلسطينية رهنت مواصلة مشاركتها في هذه المفاوضات بإلغاء هذا المشروع فإن الأذى الأكبر ستتحمله إدارة الرئيس الامريكي باراك اوباما ووزيره للخارجية جون كيري لأن مشروع التحدي سيفقدها كل مصداقية ويقلص أوراقها الدبلوماسية التي تلجأ إليها في كل مرة للتعامل مع الجانب الفلسطيني والضغط عليه للعودة إلى مفاوضات تشرف عليها منذ سنوات.

ويبدو أن حكومة الاحتلال عرفت كيف تبتز الولايات المتحدة من حيث اختيارها التوقيت الذي أعلنت فيه عن مشروعها بهدف تحقيق الأهداف المسطرة من ورائه.

فقد عرف نتانياهو بدهائه اختيار التوقيت لزرع هذه  القنبلة كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة لتعيد النظر من موقفها تجاه إيران على خلفية التقدم الحاصل في ملفها النووي بعد أن تجاهلت واشنطن الانتقادات الإسرائيلية وأكدت أنها لا تريد خوض حرب جديدة في المنطقة يرفضها الشعب الامريكي.

ولذلك فإن تراجع نتانياهو عن هذا المشروع يبقى مجرد خدعة تكتيكية الغرض منها جعل ورقة الـ20 ألف وحدة استيطانية سيفا فوق رأس الادارة الأمريكية يشهره في وجهها كلما رأى ضرورة لذلك لعلمه المسبق أن وزير الخارجية الامريكي جون كيري يريد الانتهاء مع ملف سلام أصبح يؤرق الولايات المتحدة ووضعها في حرج كبير وهز صورتها كأول قوة في العالم ولكنها عجزت حتى عن إقناع إسرائيل بضرورة تحقيق السلام.

وهو العجز الذي عرفت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة استغلاله من أجل تكريس سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين الذين فقدوا كل أوراقهم التفاوضية بعد أن أصبحوا يضيعون في كل مرة جزءا من أراضيهم وصلت الآن إلى أقدس المقدسات، الحرم الإبراهيمي الذي لم تعد إسرائيل تتوانى في المطالبة بنصفه حتى يكون مكان عبادة لليهود.

ويكون بذلك القول بتراجع إسرائيل عن مشروع يدخل في نطاق عقيدتها منذ إنشائها والاعتقاد في ذلك يعد سذاجة غير مقبولة وتنم عن قراءة مغلوطة لنوايا إسرائيل من المفاوضات والاستيطان وإيران وحتى من الولايات المتحدة التي أكدت التجربة أنها أصبحت أداة في يد إسرائيل رغم استئثارها بلعب الادوار الأولى في رسم السياسة العالمية لما بعد الحرب الباردة وبما يخدم مصالحها ويحمي أمنها القومي.