بعد إعلان إقليم كتالونيا الانفصال

إسبانيا أمام مستقبل سياسي مجهول...

إسبانيا أمام مستقبل سياسي مجهول...
  • القراءات: 452
❊م.م ❊م.م

سقط الثور الإسباني على يد «المتادور» الكاتالاني في قبضة حديدية شهدتها ساحة العراك تارة في برشلونة وأخرى في مدريد انتهت بإعلان انفصال كتالونيا عن تاج ملكي لم يشأ رفع الراية البيضاء ويصر على التأكيد أنه لن ينهار رغم الإصرار على قطع الحبل السري بين العاصمتين.

 

شهدت إسبانيا أحداثا متسارعة خلال اليومين الأخيرين سارت جميعها باتجاه الأسوأ وإلى طريق مسدود عندما أعلن نواب البرلمان الكاتالاني استقلال إقليمهم ضمن قرار لم تكن حكومة الوزير الأول ماريانو راخوي في مدريد تريد الوصول إليه لأنه سيرغمها على اتخاذ قرارات أكثر صرامة وهو ما وقع فعلا عندما وضعت هيئات هذا الإقليم «المتمرد» تحت سلطاتها بحل كل هيئاته التنفيذية والمنتخبة وإعلانها عن تنظيم انتخابات جديدة قبل نهاية العام الجاري.      

ووجدت مدريد ارتياحا بعد قرارها بعد خروج مئات آلاف الاسبان في أضخم مسيرة تشهدها العاصمة مدريد وكل إسبانيا منذ انهيار نظام الديكتاتور فرانكو، وهم يطالبون بصوت واحد «بيديغمونت إلى السجن» في إشارة إلى رئيس إقليم كاتالونيا الذي رفع شعار الانفصال وآمن به وقام بتنفيذه رغم مخاطره والطريق المسدود الذي قد يؤول إليه.

وهي مسيرة أراد الأسبان تأكيد تمسكهم بوحدة بلادهم الترابية ومنع تفككها وقطع الطريق أمام نزعات انفصالية في أقاليم أخرى مرشحة للمطالبة بذلك أيضا.

ولكن هل تكفي مثل هذه المظاهرات لتصليح الطلاق البين الذي كرسته السياسة المركزية في مدريد وتلك المنتهجة من طرف سلطات برشلونة وأدت في النهاية إلى مثل هذه التطورات التي بدأت انعكاساتها تلوح في الأفق الأوروبي وقد تكون سابقة لتفكك أكبر وأوسع لدول أوروبية توحدت مجتمعاتها بتزاوج عرقياتها تحت مظلة الديمقراطية والحرية والمساواة.

وهو ثالوث يبدو أنه بدأ يفقد قوته وقدرته على توحيد المواقف ولا يستبعد أن ينفرط عقده وينهار رباطه من خلال التجربة الكاتالانية التي قد تشكل خطوة على طريق التفكك العام في حال بقيت العواصم الأوروبية في موقع المتفرج على كارثة ستضرب البيت الأوروبي في أساساته وبما قد يحوّل القارة العجوز إلى سابق عهدها لما قبل الثورة الصناعية وعهد التنوير الذي رافقها وحولها من قارة متناحرة شعوبها إلى أقوى قارة في العالم. 

وتكون دعوة السلطات الإسبانية، ولتفادي مثل هذا الاحتمال الكارثي بتنظيم انتخابات عامة جديدة يوم 21 ديسمبر القادم لسحب البساط من تحت أقدام النواب المتطرفين الكاتالان ولكنها لا تملك كل الأوراق التي تضمن لها ما تريد تحقيقه على اعتبار أن تلك الانتخابات قد تنتج برلمانا أكثر تطرفا وهو احتمال وارد جدا بما يفتح الباب أمام تصعيد أكبر يستحيل معه رأب الصدع الحالي في حال لم ينجح الجانبان في تجاوز أعقد أزمة سياسية تعرفها إسبانيا منذ أربعة عقود.

ومهما كانت نتيجة هذه الانتخابات وحتى تطورات الأيام القادمة إلا أن إعلان النيابة العامة الإسبانية عزمها إصدار أوامر باعتقال رئيس كاتالونيا، كارل بيديمغونت بتهمة التمرد، وهي تهمة قد تكلفه عقوبة سجن لن تقل عن 30 عاما قد يكون بمثابة صب للزيت على نار خلافات متقدة في شبه جزيرة إيبريرية أصبحت أمام مستقبل سياسي مجهول.