أطلقت عملية عسكرية واسعة النطاق بشمالها
آلة الحرب الصهيونية تعيث فسادا في الضفة الغربية
- 77
ص. م
من قطاع غزة المنكوب إلى الضفة الغربية المحتلة، يواصل الكيان الصهيوني عدوانه الدامي والمروع ضد العزل من أبناء الشعب الفلسطيني في مسعى واضح للقضاء على كل مقوّمات إقامة الدولة الفلسطينية من قتل للإنسان وسلب ونهب للأرض وطمس للهوية وتدمير للحضارة وتدنيس واعتداء على المقدسات الدينية.
ويأتي إطلاق هذا الكيان الجائر، أمس، لعملية عسكرية واسعة النطاق في شمال الضفة الغربية ليرسخ منطقه الاستعماري والدموي ومضيه قدما في تنفيذ مخططاته الاستيطانية والتهويدية بكل ما يرافق ذلك من انتهاكات وخروقات لأبسط حقوق الإنسان الفلسطيني، والتي تشكل في حد ذاتها تعديا صارخا وفاضحا على مختلف القوانين والشرائع الدولية لكن دون أن يجد، ككل مرة، أي جهة قادرة على محاسبته وحمله على وقف اعتداءاته التي تخطت كل الخطوط الحمراء في حق كل ما هو فلسطيني.
وضمن هذا المنطق الاستعماري، فرض الاحتلال الصهيوني، أمس، حصارا شاملا على محافظة طوباس شمال الضفة الغربية، مع نشر قوات كبيرة وإغلاق الطرق الرئيسية والفرعية بالسواتر الترابية وسط مداهـمات واسعة لمنازل المواطنين وتصعيد ميداني تضمن إطلاق النار على السكان والأحياء امتد إلى عدة مناطق على غرار طمون وعقابا منذ الساعات الأولى لصباح أمس.
ودفعت قوات الاحتلال بتعزيزات عسكرية تزامنا مع تحليق مكثف لطائرات الاحتلال، فيما داهمت عددا من المنازل وعبثت بمحتوياتها وقامت بتخريبها، في حين شرعت جرافاته بإغلاق عدد من الطرق الرئيسية والفرعية في طوباس وعقابا وطمون. وتأتي هذه العملية كجزء من مخططات الضم والتهجير المستمرة، التي يسعى الاحتلال من خلالها إلى تحويل مدن وقرى الضفة إلى مناطق محاصرة ومقطعة الأوصال ومنع أي مظاهر طبيعية للحياة في محاولة لإعادة إنتاج واقع أمني يخدم مشروع السيطرة الاستعمارية التي ينتهجها.
وعلى إثر ذلك، أكدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن إعلان جيش الاحتلال الصهيوني المجرم إطلاقه لعملية عسكرية جديدة في شمال الضفة الغربية وما يرافق ذلك من حصار وحظر تجول واقتحامات وتمشيط واعتقالات، يكشف عن حجم الإجرام المنهجي الذي تمارسه حكومة الاحتلال المتطرفة، ضمن سياسة معلنة هدفها سحق أي وجود فلسطيني وصولا للسيطرة الكاملة على الضفة.
وشدّدت على أن هذا العدوان الإجرامي لن يكسر إرادة الشعب الفلسطيني ولا عزيمة مقاوميه الذين أثبتوا قدرتهم على الصمود والتجذر في أرضهم ومواجهة الاحتلال بأساليب متعددة، دفاعا عن حقهم في الحرية والكرامة.ودعت الحركة، في بيان أمس، إلى أعلى درجات الوحدة الوطنية ورص الصف في مواجهة هذه الحرب المفتوحة على الضفة الغربية وتوحيد الجهد الشعبي والسياسي والميداني لصد سياسة الاجتثاث التي يمارسها الاحتلال، مشددة على أن "المعركة تفرض أن يكون الجميع في خندق المقاومة".كما طالبت المجتمع الدولي بتحرك فوري وجاد للضغط لوقف العدوان وجرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني ومحاسبته على مخالفاته للقانون الدولي من منطلق أن "الصمت والعجز الدولي أمام فظائع الاحتلال هو الذي يشجعه على ارتكاب مزيد من الجرائم".ويتزامن العدوان الصهيوني الجديد على شمال الضفة الغربية مع إحياء اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي من المفروض أنه يشكل التزاما عالميا بالوقوف أمام حجم ما يتعرض له الفلسطينيون من انتهاكات متواصلة وجرائم تهدد وجوده وحقوقه غير القابلة للتصرف.
وهو ما ذهب إليه المجلس الوطني الفلسطيني، الذي أشار في بيان له بهذه المناسبة، إلى أن "جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس تمثل انتهاكا لقواعد القانون الدولي الإنساني وتدخل في إطار سياسات منظمة هدفها التطهير العرقي والتهجير القسري". وأكد أن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس هو حق راسخ أقرته الأمم المتحدة واعترف به المجتمع الدولي ولا يمكن تجاوزه أو الالتفاف عليه عن طريق القوة أو فرض الوقائع.وبينما دعا المجلس إلى تحرك دولي جاد ومسؤول يضمن وقف العدوان ورفع الحصار وتوفير الحماية للمدنيين وإلى مساءلة كل من ارتكب انتهاكات جسيمة بحق الفلسطينيين، شدّد على أن التضامن الحقيقي مع الشعب الفلسطيني يكتسب معناه الفعلي عندما يتحوّل إلى خطوات عملية تضمن حماية الحقوق الوطنية والإنسانية للفلسطينيين.
حرب الإبادة الصهيونية في غزّة
محو 69 عاما من التنمية البشرية وتدمير للمنظومة الصحية
أكدت مقررة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين، فرانشيسكا ألبانيزي، أن تقريرا جديدا صادرا عن الأمم المتحدة خلص إلى أن الحرب الصهيونية على قطاع غزّة محت 69 عاما من التنمية البشرية، بعدما دمرت منظومات الرعاية الصحية والتعليم والبنى التحتية وحتى البنوك. وذكرت ألبانيزي، في منشور عبر منصة "إكس" مساء أول أمس، أن ما ورد في التقرير يعكس "أسوأ انهيار اقتصادي تم تسجيله على الإطلاق"، مضيفة أن "هذه ليست حربا إنها إبادة جماعية".
ونشرت المقررة الأممية ملخص التقرير الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، والذي بيّن أن الدمار الواسع الذي شهدته فلسطين منذ أكتوبر 2023، "أطلق العنان لأزمات متلاحقة اقتصادية وإنسانية وبيئية واجتماعية، ليدفع الأراضي الفلسطينية المحتلة من نقص التنمية إلى الدمار الكامل". وأشار التقرير إلى أن اقتصاد غزّة انكمش بنسبة 87 بالمائة خلال عامي 2023 و2024، مما أدى إلى تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي ليصل إلى 161 دولار فقط في أدنى المستويات المسجلة عالميا.
كما أكد التقرير، أن الحرب الإسرائيلية دمرت كل ركيزة من ركائز البقاء من غذاء ومأوى ورعاية صحية، الأمر الذي دفع غزّة نحو "حافة الانهيار الكامل"، مشيرا إلى أن الأزمة الاقتصادية الحالية تُعد من بين أسوأ 10 أزمات اقتصادية عالمية منذ عام 1960، وحذّر "أونكتاد" من أن عملية التعافي قد تمتد لعقود طويلة، حيث ستظل خلالها غزّة بحاجة إلى دعم دولي مكثّف، موضحا أن إعادة الإعمار ستتطلب أكثر من 70 مليار دولار.
ويأتي هذا التقرير في الوقت الذي حذّرت فيه وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" من أن آلاف النازحين قسرا في قطاع غزّة يكافحون للعثور على مأوى آمن استعدادا لطقس بارد يقترب في ظل تداعيات حرب الإبادة التي شنها الكيان الصهيوني على القطاع لأكثر من عامين.
وقالت الوكالة الأممية في تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي، أمس، إن "آلاف المهجّرين قسرا في قطاع غزّة يكافحون للعثور على مأوى آمن استعدادا للطقس البارد القادم"، مضيفة أن "النازحين لا يملكون خيارا سوى إقامة خيام بدائية"، مشيرة إلى أن "مزيدا من مواد الإيواء ما تزال مطلوبة"، ولفتت إلى أن أكثر من 79 ألف نازح يعيشون في 85 مركز إيواء تديره "أونروا" في القطاع وسط ظروف إنسانية تزداد سوءا مع اقتراب فصل الشتاء.
من جانبه قال المتحدث باسم الدفاع المدني في غزّة، محمود بصل، إن الخيام التي تأوي النازحين لا تصلح للعيش لأنها تسمح بتسرب مياه الأمطار ولا تقي من البرد والرياح. وأضاف في بيان بأن هذه الخيام تفتقر أيضا لشروط السلامة والخصوصية، مشددا على أنه لا يمكن اعتبارها حلا مؤقتا بل على العكس تماما أصبحت مصدر معاناة وخطرا حقيقيا على حياة الناس.
وكان المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، دق ناقوس الخطر من أن عائلات فلسطينية نازحة في غزّة تواجه خطر الفيضانات داخل ملاجئ سيئة، مؤكدا أن السكان "معرضون للخطر بشكل كبير" في ظل سوء الأحوال الجوية واستمرار القيود الصهيونية التي تعيق دخول المساعدات الحيوية وتعرقل عمل منظمات الإغاثة.
وتسبب المنخفض الجوي الأخير المصحوب بأمطار غزيرة في غرق المئات من خيام النازحين المهترئة أصلا في منطقة المواصي بمدينة خانيونس جنوب قطاع غزّة، وسط تحذيرات من كارثة إنسانية. ويحتاج القطاع إلى حوالي 300 ألف خيمة ووحدة سكنية جاهزة لتلبية أبسط احتياجات سكانه من المأوى، بعدما دمرت قوات الاحتلال الصهيوني البنية التحتية خلال أكثر من عامين من الإبادة، أسفرت عن استشهاد قرابة 70 ألف مواطن فلسطيني وأكثر من 170 ألف جريح غالبتهم أطفال ونساء.