من الجزائر إلى نيويورك

37 عاما لافتكاك اعتراف دولي بفلسطين

37 عاما لافتكاك اعتراف دولي بفلسطين
  • 125
ص. محمديوة  ص. محمديوة 

من أرض الشهداء والثوار وقبلة الأحرار، جاء إعلان قيام دولة فلسطين ذات 15 نوفمبر من عام 1988، فكانت الجزائر أولى الدول المعترفة رسميا بها فاتحة الباب أمام مسار طويل وشاق لكنه كلل بانضمام عشرات الدول من مختلف القارات تباعا على مدار أكثر من ثلاثة عقود، لتفتك فلسطين اليوم اعتراف حوالي 80 بالمئة من دول المجموعة الدولية.  

بعد 37 عاما من إعلان قيام دولة فلسطين من الجزائر، ترسخت حقيقة هذه الأخيرة أكثر فأكثر، أول أمس، عبر إعلانات وبيانات رسمية دوت عاليا من مبنى الأمم المتحدة من نيويورك، وقد انضمت 6 دول أوروبية أخرى وهي فرنسا، بلجيكا، لوكسمبورغ، مالطا وأندورا إلى قائمة الدول المعترفة بها، لتحذو بعد يوم واحد فقط حذو المملكة المتحدة وكندا وأستراليا والبرتغال، وقبلها السويد وإسبانيا وسلوفينيا وإيرلندا والنرويج.. الخ.

وتضم القائمة روسيا والدول العربية وكل دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية تقريبا، والأغلبية العظمى من الدول الآسيوية، بما فيها الهند والصين. ويصل بذلك عدد البلدان المعترفة بفلسطين إلى 151 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة. 

وشكلت موجة الاعتراف الأخيرة، محطة مفصلية في مسار قضية عادلة ظل شعبها يقدم التضحيات بالدم والنفس والنفيس من أجل استرجاع حقوقه المغتصبة. والمؤكد أنه سيكون لها إثرها في تغير قواعد اللعبة رغم تباين وجهات النظر بين مرحب وواصف هذه الاعترافات بالتاريخية وصفعة مدوية في وجه المحتل الإسرائيلي وبين من يراها مجرد خطوة رمزية لا تسمن ولا تغني من جوع والكيان الصهيوني يعيث فسادا في ارض فلسطين المحتلة دون ان يجد اي جهة قادرة على ردعه.

ولأنه من ضمن الدول المعترفة بريطانيا، فقد بدت هذه الأخيرة وكأنها تقدر "اعتذارا محتشما" أو محاولة للتفكير عن وعد بلفور المشؤوم الذي أعطى من لا حق له لمن لا يملكه. واعترافها اليوم حتى وإن كان هاما فهو لا يرقى لدرجة المآسي التي عاشها ولا زال يعيشها الفلسطينيون ووعد بلفور كان سببا في النكبة والنكسة وسببا اليوم في حرب الإبادة الصهيونية في غزة المستمرة فصولها على المباشر في قطاع غزة المنكوب. وحتى لا تصطدم بجدار الغضب الصهيوني، راحت بريطانيا تؤكد أن اعترافها بالدولة الفلسطينية "يهدف إلى إبقاء أفق للسلام وابقاء حل الدولتين، اضافة الى انه اعتراف بالحقوق القانونية للدولة".

وطبعا جاءت الخطوة البريطانية متأخرة بثمانية عقود كاملة، لكنها أفضل من أن لا تكون أبدا باعتبار أنه وقبل عامين من الآن وبالتحديد قبل السابع أكتوبر، ما كان ليشهد العالم مثل هذا الزخم الدولي للاعتراف بحق الفلسطينيين الشرعي في اقامة دولتهم.   

أما فرنسا التي حملت على عاتقها مهمة حشد المجموعة الدولية للاعتراف بفلسطين في مؤتمر نيويورك الذي نظم عشية انطلاق اشغال الدورة الثمانين للجمعية العامة الاممية، فقد شوهد العلم الفلسطيني في اليومين الاخيرين يرفرف فوق مؤسساتها الرسمية ومقار العديد من بلدياتها وهو الذي كان لوقت جد قريب يحظر رفعه خاصة في المظاهرات المؤيدة لفلسطين والمنددة بجرائم الابادة الصهيونية في غزة.

وبدا الأمر وكأنه تناقض بين حق سلب من أصحابه ظلت فرنسا على مدار عقود تغض الطرف عنه ولكنها اليوم تعلن بأعلى صوتها انه من حق الفلسطينيين أن تكون لهم دولتهم المستقلة، مثلهم مثل كل شعوب العالم التي تتمتع بهذا الحق الشرعي وغير قابل للتصرف.

والمؤكد أن الاعتراف الدولي بفلسطين، مع استثناء اسرائيل الرافضة والولايات المتحدة المستهجنة وألمانيا المتحفظة وايطاليا الحذرة، يترتب عنه التزامات واجراءات قانونية من الدول المعترفة، المطالبة بالفعل لتكريس حقيقة الدولة الفلسطينية على أرض الواقع.

  وبإلقاء نظرة خاطفة على هذا الواقع بكل ما يحمله من مرارة ومآسي مع استمرار الاحتلال الصهيوني من سلب الاراضي الفلسطينية ونهبها وسياسة الاستيطان والتهويد والضم وتدنيس المقدسات وحرمان الفلسطينيين حتى من حقهم البديهي في الحياة، يطرح التساؤل حول المطلوب من هذه الدول لجعل فلسطين واقعا ملموسا.