كتاب يتبع خطوات النادي ذي 23 شهيدا
هذه هي ‘’الملحمة الحمراء’’ للمولودية

- 1235
"كانت ذات مرة الملحمة الحمراء للمولودية 1946- 2010"، هو عنوان كتاب جديد يثري المكتبة الرياضية الجزائرية، يعود من خلاله مؤلفه لحسن بلاحوسين، إلى تاريخ مولودية وهران، الذي ترجمت نشأته شكلا آخر من أشكال معركة الجزائريين ضد الاستعمار الفرنسي.
تزامن صدور الكتاب الذي نشرته "دار القدس" في وهران، مع الذكرى 74 لتأسيس مولودية وهران في منتصف ماي المنصرم، علما أن مؤلفه كان شرع منذ فترة في تحدي كتابة تاريخ هذا النادي الوهراني، الذي يُعد حامل مشعل نوادي الجهة الغربية من البلاد، ويتعلق الأمر بعمل عملاق، يعيد من خلاله الأحداث مع استحضار المسيرين واللاعبين الشهداء، وعددهم 23، ممن سقطوا في معركة تحرير الوطن، فضلا عن التحولات التي عرفها النادي وألقابه الكثيرة. يقول مؤلفه إنه نجح بفضل أبحاثه، في دحض المعلومة التي انتشرت على نطاق واسع؛ بكون المولودية تأسست عام 1917.
وللتوصل إلى ذلك، اعتمد بلاحوسين على "المصادر الرسمية العديدة، التي تُعد الحصون النهائية ضد الأخبار المغلوطة التي تعممت هنا وهناك، لإثبات - وبالدليل القاطع - أن مولودية وهران تأسست في ماي 1946 في خضم المضايقات التي فرضها الاستيطان في تلك الحقبة الزمنية من تاريخ البلاد عندما كان يمنع كل حركة للتعبير عن شخصية الجزائريين"، مثلما أوضح الكاتب. وأضاف: "كانت الصحوة القومية في ذلك العقد من القرن الماضي بمثابة أرض خصبة للأندية الإسلامية التي كان عليها تحمّل القيود الإدارية من جميع الأنواع. الأقدام السوداء لنهج ‘’لامير" بحي الحمري العتيق كانت لهم كنيستهم ومدرستهم وأنديتهم. كان على ‘’الحمراوة’’ أن يكون لهم رد فعل بشكل خاص بعد المذابح البشعة التي وقعت في 8 مايو 1945".
ردّ الاعتبار للتاريخ الحقيقي بدون تزييف أو تحريف
تحت رعاية جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الممثلة في شخص سعيد زموشي، أحد الشخصيات البارزة في وهران، رأت مولودية وهران النور في ‘’المدرسة’’ (القرآنية)، وفقا لهذا الباحث في التاريخ الذي يُعد عمله حلقة من مسلسل الملاحم المكرسة لتاريخ كرة القدم الوهرانية، بعدما قام في وقت سابق بتأليف كتب عن ملاحم الكرة الجزائرية بصفة عامة، والوهرانية بصفة خاصة، وعن اتحاد وهران؛ أحد أقدم وأعرق الأندية المسلمة خلال الفترة الاستعمارية.
ويواصل المؤلف سرد قصة تأسيس مولودية وهران في كتابه الجديد، بالإشارة إلى أنه في مكان صغير وفي رد على المستعمر، تأسست مولودية وهران في مدرسة "التربية والتعلم". وأكد المؤلف على ذلك بشكل جيد في كتابه: "تأسيس هذا النادي يكرس الطلاق النهائي بين الجزائريين أصحاب الأرض، والأقدام السوداء". وعلاوة على ذلك، يرى أن أولئك الذين يعتقدون أن تاريخ إنشاء نادي مولودية وهران يعود إلى 1917، يخلطون بين هذا النادي والنادي الإسلامي لمولودية وهران، مؤكدا أن هذا الأخير تأسس في 4 ديسمبر 1917، ولكنه لم يصمد إلا لسنتين، ولم يشارك في أي منافسة رسمية. وفي هذا العمل، لخّص لحسن بلاحوسين تاريخ مولودية وهران في أربع مراحل؛ الأولى من عام 1946 إلى 1956؛ أي من تاريخ إنشاء النادي حتى مقاطعة الأندية الإسلامية جميع المسابقات؛ استجابة لنداء جبهة التحرير الوطني. والثانية من 1962 إلى 1977؛ أي منذ استئناف المنافسات بعد الاستقلال حتى الإصلاح الرياضي، فيما تعني المرحلة الثالثة من 1977 إلى 1989، وهو العام الذي انسحبت فيه المؤسسات الاقتصادية العمومية من الأندية. وأخيرا، تمتد المرحلة الرابعة من عام 1989 إلى 2010، وهي السنة التي دخلت فيها الكرة الجزائرية عالم الاحتراف.
ومن دون شك، كانت فترة من أواخر الستينيات إلى السبعينيات هي التي تملكت وجدان مؤلف الكتاب، الذي يرى أن النادي الوهراني وصل إلى قمة عطائه في تلك الحقبة من الزمن.
ملك بدون تاج
وأضاف في هذا الصدد: "صحيح أنه في تلك الفترة لم تتمكن مولودية وهران من الفوز بعدة ألقاب ولكنها كانت تضم في صفوفها لاعبين كبارا. والواقع أن مستوى الأندية الجزائرية آنذاك كان مرتفعا كثيرا، وهو ما يفسر عدم قدرة ‘’الحمراوة’’ على بسط سيطرتهم في الساحة الكروية الوطنية رغم كل ما كانوا يملكونه من مهارات، ورغم أسلوب لعبهم الجميل الذي نال إعجاب الكثير".
ويُرجع نفس المتحدث إصراره على دخول "مغامرة’’ كتابة تاريخ كرة القدم الجزائرية، إلى أنه يعتقد وجود "فراغ كبير في هذا المجال". وقال في هذا الشأن: "هذا ما دفعني إلى تحديد هدف رد الاعتبار للتاريخ الحقيقي لكرة القدم الجزائرية.. كنت دائما مهتما بكل شيء يدور حول مسقط رأسي، وتراثنا الثقافي وتاريخه على وجه الخصوص. وكأي شخص آخر ترعرع في حي الحمري، كنت مهتما أولا بتاريخ نادي مولودية وهران، وتاريخ كرة القدم في الجزائر بشكل عام". وأردف: "بعد أن لم أجد شيئا متسقا في هذا المجال بصرف النظر عن عمل
هوبرت زاكين (ذاكرة كرة القدم في شمال إفريقيا) الذي لم ينصف فيه الأندية الإسلامية في تلك الحقبة الاستعمارية، وضعت نصب عيني إعادة كتابة تاريخ كرة القدم بالكامل منذ دخولها إلى المغرب العربي لأول مرة عام 1897، وفي مسقط رأسي". ولم تكن المهمة مريحة على الإطلاق، حيث استغرق العمل بحثا طويلا وشاقا منذ عام 2009 حتى يتحقق المشروع ويبدأ في رؤية النور، كما يقول مرة أخرى: "ومن هنا جاءت سلسلة "الملحمات" منذ عام 2010، بدءا من "ملحمة كرة القدم الجزائرية"، و«كرة القدم الوهرانية (باهية 1 وباهية 2)"، والاتحاد الإسلامي الوهراني واليوم مولودية وهران، ناهيك عن "أبطال الإيمان"، وغيرهم.
لحسن بلاحوسين من مواليد 1951 بالحمري، وبالضبط بشارع "أرواز" غير بعيد عن المكان الذي تأسس فيه نادي مولودية وهران، وهو ما يفسر الاهتمام الخاص الذي أولاه المعني لكتابه الأخير.
والملاحَظ أن الأحداث التي تم سردها في عمله توقفت في 2010، وهو العام الذي شهد بعث الاحتراف في كرة القدم الجزائرية. يقول المؤلف إنه "غير مقتنع بهذه التجربة التي أبانت عن فشلها"، ويخطط للكتابة عن العقد الأخير 2010 - 2020 في رحلة أخرى، وهو عمل آخر سيكمل به ‘’الملحمة الحمراء’’، مثلما وعد بذلك، معبرا في الوقت ذاته، عن أمله أن يلقى الدعم المادي من السلطات المعنية، لمواصلة أعماله في كتابة تاريخ الكرة الجزائرية.