المدير الفني الوطني السابق في الملاكمة عز الدين عقون لـ “المساء”:

لهذه الأسباب أخفقت النخبة الوطنية في طوكيو

لهذه الأسباب أخفقت النخبة الوطنية في طوكيو
  • 906
حاوره: ع .إسماعيل حاوره: ع .إسماعيل

❊ يجب التأسيس لهوية مناسبة لقدرات الرياضي الجزائري

يعتقد المدرب والمدير الفني الوطني السابق للملاكمة عز الدين عقون، أنه لا يمكن حصد أشياء إيجابية من العدم وبدون الاعتماد على استراتيجية واضحة المعالم في محاولة الالتحاق بالمستوى العالي لهذه الرياضة، التي شكلت، هذه المرة، أكبر خيبة للجماهير الرياضية الجزائرية في الألعاب الأولمبية الماضية. ولأن عز الدين عقون له دراية كبيرة بأسباب تراجع هذا الفرع في بلدنا، ربطنا الاتصال به من العربية السعودية، حيث يدرب المنتخب المحلي للملاكمة، وأجرينا معه هذا الحوار.

ما هي قراءتك الأولية لنتائج الجزائريين في دورة طوكيو الأولمبية 2021، وبالتحديد الملاكمين بصفتك مدربا وطنيا سابقا في الفن النبيل؟

❊❊ إن الخروج من المنافسة في الأدوار التمهيدية لجل الرياضيين الجزائريين في أولمبياد طوكيو 2021، آلم كثيرا الجماهير المتتبعة للشأن الرياضي في الجزائر، بل وفاجأ وسائل الإعلام العربية والدولية. وأولى الرياضات التي خيبت الآمال، هي، بدون شك، الملاكمة، التي لم تتمكن حتى من الحفاظ على النتائج المحرز عليها في الطبعتين الأولمبيتين السابقتين (2012 و2016).

وفي ما يخص مشاركة منتخبنا في هذه الرياضة، كانت بعض المؤشرات توحي من قبل، بتدني مستوانا إفريقيّا؛ إذ كانت حصيلة المتأهلين للألعاب الأولمبية طوكيو 2021، ضئيلة مقارنة بنسختي  2012 و2008. عدد المتأهلين لطوكيو 2021 كان ثمانية ملاكمين من أصل 13، من بينهم ملاكمات في صنف الإناث؛ أي بنسبة نجاح قدرت بـ  61,53%؛ إذ كانت نسبة التأهل إلى دورة لندن 2012 تعادل 80%، وفي بكين 72,72%. ولو حسبنا نسبة التأهل من فريق الرجال، لكان النجاح يصل إلى 62,5%.

ورغم هذا التراجع الواضح إلا أن الملاحظين وأهل الاختصاص غضوا الطرف، وتسامحوا مع الجهاز الفني الذي كان مفروضا عليه قبل موعد طوكيو، تصحيح الأوضاع التي كانت تشير إلى وجود حالة غير مطمئنة، خاصة بعد احتلال المرتبة الثانية في بطولة إفريقيا لسنة 2017 .هذه الحصيلة كانت توحي بوجود أثر سلبي على النتائج المرغوب في تحقيقها، لكن القائمين على شؤون الملاكمة استمروا في تغليب منطقهم.

وللتذكير، فقد تم على مستوى الهيئة الفيدرالية، العمل مع فريقين  مختلفين من الملاكمين خلال العهدة الأولمبية 2017 -2021 ،الفترة الأولى امتدت من 2017 إلى غاية 2019، والفترة الثانية امتدت من 2019 إلى 2021. وكان الطاقم التدريبي والملاكمون مغايرين في كلا الفترتين، واستمر الاستثمار في ملاكمين لمدة سنتين، ثم استبدالهم بملاكمين آخرين!؟ هل نستخلص من هذا أن لولا  إدراج فليسي محمد وبن شبلة وعبد الحفيظ وشعيب بولودينات  خلال دورة التأهل بالسنغال في 2020، لكان عدد المتأهلين لطوكيو ملاكمين اثنين فقط؟ ورغم ذلك لم يتمكن الملاكمون الجزائريون من الوصول إلى الدور ربع النهائي في أولمبياد 2021، هذا الدور الذي بلغوه في طبعة 2008 بالصين، وحافظوا عليه في لندن 2012، وريو 2016 .

للإشارة، كان للملاكمة الجزائرية نصيب 18,18% من إجمالي الرياضيين المشاركين في أولمبياد طوكيو 2021.

إلى أي حد تقع، في نظركم، مسؤولية الطاقم الفني عن النتائج الضعيفة للتشكيلة الوطنية في طوكيو؟

❊❊ قد تجسّد نوع من سوء الاستقرار، بتعيين إبراهيم بجاوي في الآونة الأولى، ليتم استخلافه بأحمد دين. كما شملت العارضة الفنية عدة أسماء، استُخدموا كمساعدين للمدرب الوطني الرئيس، منهم عبد الحفيظ بوبكري وسليمان بلونيس، اللذان تم استبعادهما من العارضة الفنية في 2019، مباشرة بعد بطولة العالم في روسيا، لكي يتم استقدام بوحوس مرشود كمدرب مساعد.

للإشارة، هذا الأخير كان المدرب الوطني الرئيس في أولمبياد ريو 2016. وفي نفس السياق، تم تعيين محمد علالو مدربا خاصا لمحمد فليسي على حساب برنامج التحضير الأولمبي. سؤال بديهي قد يتبادر إلى الأذهان: ما هي الإضافة النوعية التي اكتسبها محمد فليسي من محمد علالو مقارنة بزملائه، الذين كان لهم مدربان اثنان فقط؟ فقد أقصي محمد فليسي في أول ظهور له، ولم يتمكن من إدراك الدور ربع النهائي، الدور الذي بلغه في ريو 2016، هل هذه الحقيقة تجعل من محمد علالو طرفا في إخفاق محمد فليسي، بعدم قدرته على تحسين النتيجة المتحصل عليها سابقا؟

لكن ما نوع مؤشرات الفشل التي كانت قائمة قبل موعد طوكيو 2021؟

❊❊ المؤشرات جاءت مبكرة، وبينت، بشكل بارز، أن المنتخب الوطني عانى من حالة عدم الاستقرار وعدم وجود رؤية واضحة في كيفية بلوغ الأهداف المرجوة؛ فكيف يمكننا الحصول على النتائج الجيدة خلال المنافسات المستهدفة؛ مثل الألعاب الأولمبية في ظل سوء التخطيط وغياب الاستقرار؟

إن سوء قراءة المؤشرات الفنية التي أفرزتها مشاركة المنتخب الوطني للملاكمة في بطولة العالم 2019 بروسيا، زاد الطين بلة، بحيث تم تغليط الرأي العام، وإيهامه بأن القفاز الجزائري يتمتع بصحة جيدة، وهذا الاعتقاد كان مخالفا للواقع.

هذا التسيير العشوائي الذي ميز الإدارة الفنية، كان سببا جوهريا في إقصاء الملاكمين في الأدوار التمهيدية لأولمبياد طوكيو 2021؛ لأن الحجم الساعي للتحضير لم يكن في مستوى الطلب؛ بحيث تم توزيع هذا الحجم على فريقين خلال فترتين مختلفتين، كما أشرنا إلى ذلك سلفا.

وهل كانت الحال كذلك على مستوى منتخب الإناث؟

❊❊ منتخب الإناث عرف نفس التخبط والمزاجية في مجال التحضير، مع العلم أنه شارك في بطولة العالم بروسيا 2019 بست ملاكمات. وقبل ذلك بسنة، شارك المنتخب النسوي أيضا في الهند بست ملاكمات،

لكن خلال الدورة التأهلية القارية التي جرت في السنغال خلال الفترة الممتدة من 20 إلى 29 فيفري 2021، شارك المنتخب الوطني النسوي بفريق متكون من خمس ملاكمات.

ما نوع الخلل الذي وقع في اختيار الملاكمات؟

❊❊ الملاحَظ أن حتى فريق الإناث لم يحافظ على تشكيلة واحد، لكي يستفيد من تحضير متكامل ومتسلسل. كما إن الملاكمة إشراق شايب، 75 كلغ، لم تشارك في أي بطولة عالمية لكي يتم تقييمها، فكيف شاركت مباشرة في دورة التأهل القاري بالسنغال سنة 2020؟!

ونفس الملاحظات تنطبق على الملاكمتين فاطمة الزهراء سنوسي وسارة خالي. ويتعين الوقوف هنا أمام مشاركات رميساء بوعلام، التي أدرجت سنة 2018 في وزن 48 كلغ، لكي يتم تحويلها من بعد ذلك إلى وزن 51 كلغ في 2019. كما يتضح بالنسبة لكلتا الملاكمتين إيمان خليف خاصة ورميساء بوعلام، أنهما خسرتا في الأدوار التمهيدية في كل مشاركتهما الدولية، هذا النقص في المستوى تأكد خلال نزلات الأولمبياد 2021؛ إذ خسرت رميساء بوعلام وإشراق شايب في أول ظهور لهما. أما في ما يتعلق بخليف إيمان، فقد استفادت من عملية القرعة التي أوقعتها مباشرة في الدور ثمن النهائي، وقابلت فيه التونسية حمراني التي فازت عليها لكي تتأهل إلى الدور ربع النهائي. وقد سبق للجزائرية الفوز على نظيرتها التونسية في دورة التأهل القارية، لكن أمام الإيرلندية كيلي هاميلتون، تبين الفرق في المستوى بين الملاكمتين؛ إذ أسدت الإيرلندية بطلة العالم في 2018، سيطرتها على إيمان خليف، التي ظهرت بإمكانيات فنية  ضعيفة.

الفريق النسوي لم يسلم من تذبذبات متعلقة بطاقمه التدريبي؛ إذ عرف هذا الأخير تغيرات جوهرية، تضمنت تبادل الأدوار بين خالد حريمة وعبد الهاني كنزي، هذا الأخير الذي عُين مدربا رئيسا لفريق الإناث عوض حريمة خالد، الذي، بدوره، كُلف بمهام المدرب المساعد، هذا التكليف دام إلى غاية تنقّل المنتخب النسوي إلى روسيا من أجل إقامة المعسكر الأخير قبل أولمبياد طوكيو، ليتم إبعاد حريمة خالد بطريقة غير قانونية وتعسفية.

على من نلقي مسؤولية إخفاق ملاكماتنا في طوكيو؟

❊❊ استنادا إلى كل ما ورد من التوضيحات التي أشرت إليها آنفا، فإن الملاحظين والتقنيين العارفين بشأن الملاكمة على المستوي العالمي والعالي، كانوا متشائمين في ما يخص بند التوقعات والنتائج رغم الخطاب المطمئن الذي سوّقته الإدارة الفنية والاتحاد الجزائري للملاكمة. الآن وقد سجلت الملاكمة الجزائرية أسوأ مشاركة لها في الأولمبياد الأخيرة، من سيتحمل هذا الإخفاق؟ لنقل...كورونا هي السبب!

هذا التشخيص المنطقي للنتائج المتحصل عليها في طبعة طوكيو 2021، لا يمكنه أن يكون سببا لكي تُلقى المسؤولية على عاتق الفنيين والملاكمين لوحدهم؛ مما يستوجب الاستناد إلى مؤشرات أخرى لها علاقة مباشرة بالتحضير وحجم الإمكانيات المسخّرة.

هل يمكن أن تعطينا رأيا واضحا في هذا الجانب؟

❊❊ من البديهي أن توضع خطط متعددة الأطوار، يحدد فيها الحجم الساعي للتحضير (التدريب الفعلي) وكذلك توضيح الحجم التنافسي (عدد  المنافسات الرسمية، التطبيقية والاختيارية)، الذي يتم فرضها على كل ملاكم. هذه المؤشرات المبدئية هي ما يصنع الفارق بين ملاكمينا وملاكمي قارات أوروبا، وآسيا وأمريكا.

لكي يتسنى للعامة فهم هذه المصطلحات لا بد من معرفة أن الملاكم الكوبي، علي سبيل المثال، له حجم ساعي يومي يقدر بست ( 6) ساعات؛ أي 30 ساعة في الأسبوع وما يزيد عن 1500 ساعة في السنة؛ فما هو الحجم الساعي اليومي، الشهري والسنوي للملاكم الجزائري مع العلم أن رياضة النخبة في الجزائر، الملاكمة بصفة خاصة، تعتمد على المعسكرات الحصرية، عكس ما هو معمول به على مستوى النخب العالمية، التي تستفيد من مراكز أولمبية للتحضير الدائم؟! هذا التحضير الدائم يكون بتفرغ الملاكمين للتدرب والاستفادة من رواتب شهرية ومن تكوين مهني، والدراسة للراغبين في ذلك، والسؤال هو أين الملاكمون الجزائريون حيال كل هذا؟! كذلك تجدر الإشارة إلى أن مفهوم الطاقم الفني المخصص للملاكم الجزائري، يتوقف على المدرب الرئيس والمدرب المساعد، وفي بعض الأحيان الطبيب والمعالج؛ أي مفهوم تقليدي محض لم يتغير مع مرور السنوات. أما في البلدان التي تتربع على عرش الملاكمة العالمية والأولمبية، فالطاقم الفني هو عبارة عن مجموعة متكاملة، تجد فيها الإطار الفني والعلمي.

يبقى أيضا توضيح دور الوصاية واللجنة الأولمبية...

❊❊ وزارة الشباب والرياضة من خلال المديرية العامة للرياضة، تخلت عن المهام المنهجية والخطط والبرمجة  التقييم، وتفرغت، للأسف الشديد، لمناقشة الأمور الثانوية، مثل عدد الوفد، وقيمة التذكرة... حتى اللجنة الأولمبية ليس لها مديرية للرياضة لمتابعة البرامج الفنية وتقييمها. يجب الوقوف على نقطة ذات أهمية كبرى؛ فقد يظن الكثير أن التأهل إلى الأولمبياد يعني الحصول على ميدالية، طبعا هذا غير صحيح. هناك رياضات يمكن التأهل فيها، لكن الحصول على ميداليات يكون مستحيلا بسبب تطور هذه الرياضات في البلدان الأخرى إلى درجة أنه أصبح تحصيل النتائج التفوقية حكرا عليها فقط. لنقس، مثلا، على الولايات المتحدة الأمريكية؛ فهل أمريكا بطلة أولمبية في كل الرياضات؟ طبعا لا؛ أمريكا تهيمن على رياضات دون أخرى، وهذه الهيمنة تأتي بفضل وجود استراتيجية وطنية وُضعت لها كل الإمكانيات. وعلى عكس هذه الاستراتيجية، الجزائر لم تعط لنفسها هوية رياضية في رياضات يمكنها تحقيق فيها نتائج عالمية وأولمبية، وهذا ما يسمى بالسياسة الرياضية التي تُبنى حسب القدرات والخصائص التي يتمتع بها الرياضي الجزائري، والتي تتوافق مع رياضة دون أخرى. إن تحديد هذه الرياضات بطريقة علمية يتبعها نظام انتقائي للمواهب والقدرات، يوفر الوقت والجهد وحتى الإمكانيات المالية، للنهوض بالرياضة الجزائرية وديمومة النتائج.