نورية بنيدة مراح مستاءة من المشاركة الجزائرية في دورة طوكيو:

لجنة التحضير الأولمبية "تحتال" على الرياضيين المشاركين في الألعاب الأولمبية

لجنة التحضير الأولمبية "تحتال" على الرياضيين المشاركين في الألعاب الأولمبية
  • 1066
حاورها: ع. إسماعيل حاورها: ع. إسماعيل

لاتزال البطلة الأولمبية نورية بنيدة مراح، تحمل في قلبها كثيرا من الحزن والأسى، بسبب ما حصل لها في اللجنة الأولمبية الجزائرية؛ فهي تشعر بأنها تعرضت لظلم كبير بعدما وقفت مع الحق ونددت بالباطل. وما يزيد من شدة ألمها وحسرتها اليوم، رؤيتها استمرار الممارسات التي نددت بها وهي تطال من جديد، الرياضيين الذين شاركوا في الدورة الأولمبية 2021 بطوكيو . نورية مراح تأبى أن تسكت عما شاهدته بأم عينها من تجاوزات وخروقات في تسيير اللجنة الأولمبية الجزائرية، و هذا ما أكدته لـ “المساء” في هذا الحوار الذي جمعنا بها.

اختفيت عن الساحة الاعلامية منذ الخلاف الذي وقع لك مع اللجنة الأولمبية؛ ما السبب في ذلك؟

❊❊ أخذت بنصيحة زوجي، الذي كان مدربي الشخصي، فرفضت التسرع في الدخول في متاهات الانتقادات والمواجهات الإعلامية، لكن اليوم أريد أن أكشف المستور بسبب استمرار الظلم والحقرة والتسيير السيئ على مستوى اللجنة الأولمبية الجزائرية، التي ادعى مسؤولوها وقت كنت نائب رئيسها، أنهم طردوني من عضوية المكتب التنفيذي بسبب كثرة غياباتي عن اجتماعات هذا الأخير. صحيح أن قانون اللجنة الأولمبية يمنع التغيب عن اجتماعات المكتب التنفيذي أكثر من ثلاث مرات متتالية، لكني لم أخترق القانون من هذا الجانب؛ كذبوا عليّ، وعلى الرأي العام الوطني، بينما أنا التي قمت بتجميد عضويتي في اللجنة الأولمبية بعدما اكتشفت أمورا خطيرة في التسيير، ولهذا السبب قاموا بمعاقبتي من خلال اختلاق أسباب واهية؛ فلماذا سكتوا عن الغيابات المتكررة لحسيبة بولمرقة وتفادوا تطبيق القانون عليها؟!

أكنّ احتراما كبيرا لبولمرقة وأقدّرها أحسن تقدير، لكن هل هي عضو في اللجنة الأولمبية فوق العادة، حتى لا يتم محاسبتها على كثرة الغيابات مع أننا ـ الاثنتين ـ فزنا في الألعاب الأولمبية، وفي اختصاص واحد. حسيبة ليست الوحيدة التي تغاضى مسيّرو اللجنة الأولمبية عن غياباتها، بل تستّروا أيضا عن الغيابات المتكررة لرئيسها بالنيابة آنذاك محمد مريجة، الذي سيّرها من خارج الوطن؛ باعتبار أنه يقطن في إنجلترا! قانون اللجنة الأولمبية يمنع تسيير هذه الأخيرة من الخارج، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، عندما قاموا بإمضاء محاضر اجتماعات المكتب التنفيذي باسم محمد مريجة، فقلّدوا إمضاءه وهو موجود خارج الوطن! أي تصرف هذا الذي ينتهك صراحة، القانون الداخلي للتسيير الحسن للجنة الأولمبية، وبالمقابل يقومون بمحاسبة رياضية، رفعت الراية الوطنية في المحافل الدولية؟!

لكن ما الذي أقلق مسيّري “الكوا” ودفعهم إلى التخلي عنك؟

❊❊ لأنني كنت أندد دوما بالتسيير السيئ الذي كان واقعا داخل اللجنة الأولمبية. وبصفتي نائب رئيس “الكوا”، من واجبي رفع صوتي للدفاع عن الرياضيين الدوليين المعنيين بالمشاركة في المنافسات الدولية؛ كبطولات العالم، والدورات الأولمبية بشكل خاص؛ لقد اكتشفتُ وجود تحايل في صرف المنح على الرياضيين المعنيين بالمشاركة في المنافسات الدولية أو في التربصات بالخارج. هؤلاء لا يقبضون كل ما تنص عليه قوانين اللجنة الأولمبية؛ حقوقهم مهضومة في هذا الجانب، بينما قوانين اللجنة الأولمبية الجزائرية واللجنة الأولمبية الدولية، تؤكد على ضرورة تسديد هذه المنح كاملة للرياضيين الدوليين المعنيين بالرياضات الأولمبية، وهي المنح التي تقع تحت تسمية “التضامن الأولمبي” سواء بالدولار أو باليورو، لكن ما آلمني كثيرا أن هذه المنح التي تُنزع من حقوق الرياضيين تؤول نسبة منها إلى أعضاء لجنة التحضير الأولمبي! لجنة يحبّذ كثير من أعضاء المكتب التنفيذي، الانضمام إليها بسبب الإغراءات المالية الموجودة فيها، والأصح قانونا، أن توزَّع هذه المنح ليس فقط على الرياضيين الذين يحققون الحد الأدنى المؤهل إلى الألعاب الأولمبية، بل يستفيد منها أيضا، الذين يفشلون في تحقيق التأهل، وهو ما يفسر استفادة بعض أعضاء اللجنة المذكورة، من هذه المنح المالية بطرق ملتوية.

هل أعلمتِ رئيس اللجنة الأولمبية بهذه الممارسات؟

❊❊ بل أعلمت وزير الشباب والرياضة السابق سيد علي خالدي، بتفاصيل هذه القضية، وقال لي إنه مطّلع على كل شيء. وعدني باستقبالي، لكن لم أتلقّ منه أي استدعاء. لم يهمه هذا الأمر؛ لأن أكثر ما كان يخشاه الوزير السابق للقطاع هو وقوع توترات أو فوضى في اللجنة الأولمبية؛ لذا سارع إلى تحذير الجميع من مغبة الدخول في نزاعات، وتحاشى الاهتمام  بالممارسات غير القانونية، التي كانت واقعة داخل لجنة المنح الأولمبية، لذلك تراني أتساءل اليوم لماذا لم تحرك السلطات المكلفة بالرياضة، ساكنا أمام تلك الممارسات ؟!

هل كانت مثل هذه الممارسات قائمة في اللجنة الأولمبية وقت كنت متسابقة دولية؟

❊❊ لا أدري، لكن شخصيا لم أكن أبحث عن الاستفادة من هذه المنح المالية وقت كنت رياضية أشارك في المنافسات الدولية. استعدت مرتين للمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية، ولم أستفد من دعم مادي كبير. وعموما، كنت دائما أعتمد على أموالي الخاصة من أجل التحضير للمنافسات الدولية. نحن بعيدون كل البعد عن حجم الدعم المادي الكبير الذي يتلقاه الرياضيون الأجانب أثناء مشاركاتهم في المنافسات الدولية، وليس هناك مجال للمقارنة!

رغم ذلك تمكنتِ مع أبطال آخرين، من تشريف الجزائر...

❊❊ في دورة سيدني الأولمبية التي فزت فيها بالميدالية الذهبية في السباق النهائي لمسافة 1500م، تفاجأت من متسابقة أمريكية تسألني عن قيمة المنح الرياضية التي نقبضها، وأكدت لي أنها استفادت من منحة أولمبية قدرها مليون دولار! مبلغ أكبر بكثير من الدعم المادي الضعيف الذي يستفيد منه كل الرياضيين الجزائريين المتأهلين إلى الدورات الأولمبية، لكن، عادة، الجزائريون لا يبالون كثيرا بهذا الجانب بقدر ما يفكرون بالدرجة الأولى، في تشريف وطنهم، وتجدهم يذرفون الدموع من أجل تحقيق مبتغاهم! لما تقدمت إلى نهائي سباق 1500م بسيدني تذكرت التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الجزائري من أجل تحرير الوطن من الاستعمار، وقلت في قرارة نفسي إنه يتعين عليّ  تشريف أولئك الشهداء، الذين سقطوا في ميدان الشرف دفاعا عن وطنهم، رغم أنني أحسست نوعا ما بعدم قدرتي على مقاومة متسابقات كن أكثر مني تجربة وقوة في المواعيد الدولية الكبرى.

وكيف استطعت أن تتوَّجي بالميدالية الذهبية؟

❊❊ جمعت كل قواي البدنية والمعنوية، وتوصلت بمشيئة الله، إلى إحداث المفاجأة في وقت لم يكن أحد ينتظرني في ذلك الموعد. والحمد لله على أنني لم أخن الأمانة بالرغم من أن البعض قلّلوا من قدراتي قبل الانتقال إلى دورة سيدني بأستراليا. نلت رضا واستحقاق الشعب الجزائري، الذي شعر، آنذاك، أنني فزت، فعلا، من أجل رفع الراية الوطنية في تلك الدورة الأولمبية، وذلك هو افتخاري الكبير، الذي مازلت أعتز به إلى يومنا هذا. لا أتراجع أبدا عن مبادئي عندما يتعلق الأمر بضرورة الإخلاص لبلدي، وقد برهنت على هذا الموقف والمبدأ.

لما عيّنتي اللجنة الأولمبية رفقة بعض الرياضيين الجزائريين للدفاع عن ملف الجزائر في رغبتها في استضافة دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط 2022 وانتقلنا خلال شهر رمضان إلى بلدان عديدة، منها مصر واليونان وإيطاليا ولبنان - طبعا تم اختيارنا لهذه المهمة بصفتنا رياضيين معروفين على المستوى الدولي - أتذكر أننا تلقينا ترحيبا كبيرا من الإيطاليين، الذين دعموا ملف الجزائر لاستضافة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، وقالوا لنا إن الفضل في تدعيم هذا الملف يعود لنا كرياضيين. يكنّون لنا كل الاحترام والتقدير. قابلت في هذا الشأن، رئيس اللجنة الأولمبية الإيطالية في مكتبه. وأثناء تطرقي معه لمسألة دعم ملف الجزائر من طرف إيطاليا، دخل علينا رياضي إيطالي متخصص في التجديف، فطلب منه الرئيس توجيه التحية لي قائلا له: “قم بتحية هذه السيدة بطلة الألعاب الأولمبية”، ففعل ذلك؛ تعبيرا عن الاحترام الكبير الذي تكنّه لي اللجنة الإيطالية الأولمبية. فعلا، كان موقفا يعبّر عن احترام الرياضيين الإيطاليين روح وقيم الرياضة الأولمبية.

يظهر، بشكل واضح، أنك متحسرة كثيرا على ما وصلت إليه، اليوم، حال الرياضة الجزائرية.

❊❊ كيف لا وأنا أشاهد طاقات شبانية تذهب إلى المواعيد الدولية محرومة من بعض حقوقها المادية، لا سيما المنح الأولمبية! قدرات وطموحات الرياضيين الجزائريين تتأثر وتتراجع، فيجدون أنفسهم غير قادرين على منافسة رياضيين يحصلون على كل حقوقهم المادية، هذا هو الفرق الذي يحصل، عادة، عندما نتساءل عن أسباب إخفاق رياضيينا في المواعيد الدولية الكبرى؛ الخطأ موجود في سوء التسيير، الذي يطبع المشرفين على تنظيم سفرية الوفود الرياضية الجزائرية، سواء في مجال التدعيم المادي لهؤلاء الرياضيين، أو في مجال الحفاظ على معنوياتهم وتقويتها.

وربما هذا جزء من أسباب إخفاق الرياضة الجزائرية، في ألعاب طوكيو الأولمبية؟

❊❊ رياضتنا في شتى الاختصاصات تراجع مردودها ومستواها في السنوات الأخيرة؛ لم تعد قوية كما كانت في السابق، وهذا الذي وقفنا عليه في دورة الألعاب الأولمبية 2021 بطوكيو. تحسرتُ كثيرا لما حدث للمتسابقين حتحات وسجاتي بطوكيو بسبب الإهمال الذي وقعا فيه. ومن بين أسباب هذا التراجع، غياب الاحتكاك مع المستوى الدولي، وهو عامل هام جدا يجب الاهتمام به كثيرا في المستقبل. صحيح أن انتشار الوباء عبر العالم عطّل تحضيرات رياضيينا، لكن هذا الداء لم يكن محصورا فقط في الجزائر.