نادي منصورة قسنطينة لكرة السلة

بطل ينهار على المباشر والاتهاماتُ لم تستثن أحدا

بطل ينهار على المباشر والاتهاماتُ لم تستثن أحدا
  • القراءات: 846
روبورتاج: محمد بوحصان روبورتاج: محمد بوحصان

  تمكن، في ظرف قصير، من تحقيق المعجزة والفوز بالبطولة الوطنية لكرة السلة على حساب العملاق المجمع البترولي وفرق كبيرة أخرى. بروزه جاء بفضل الإرادة وعدة عوامل أخرى جعلت نادي المنصورة لكرة السلة بقسنطينة، يدخل التاريخ من بابه الواسع ويحسب له ألف حساب، لكن في وقت قياسي أيضا مُسح من الوجود نهائيا، وأصبح شيئا من الماضي!؟ حدث ذلك بسبب السياسة المنتهجة من طرف المحيطين به، خاصة شركة "طاسيلي"، هكذا يتهمون ويرددون. لكن مع ذلك يظل السؤال قائما: من حقيقة "اغتال النادي الذي وُلد كبيرا ؟!. ناد أدخل الفرحة وجلب اهتمام وإعجاب كل القسنطينيين والرياضيين على الخصوص. تمكن، في ظرف وجيز، من حصد لقب البطولة الذي عجزت عن تحقيقه فرق كثيرة لها سنوات من التواجد، أو تتوفر، بل ابتلعت أموال قارون، على غرار فرق كرة القدم، ومع ذلك لم تحصد الألقاب ولم تجلب الفرجة ولم تصنع المتعة.

الفريق تأسس في سنة 2006 ولعب في القسم الجهوي الذي مكث به عدة سنوات قبل أن يصعد إلى مصف الكبار بعد مجيئ الممول محمد حداد كرئيس للفريق سنة 2010. هذا الأخير جاء بفكرة تعزيز النادي بلاعبين لهم مستوى عالمي؛ حيث أراد تحقيق الألقاب، فجلب لاعبين من أمريكا ومن فرق وطنية لها وزن كبير، فتمكن، في فترة غير مسبوقة، من تحقيق ما عجز عنه الآخرون؛ إذ انتزع البطولة من نواد كانت تحتكر هذا الدرع طويلا، وفاز بلقب البطولة لسنة 2013. صرف في ذلك الموسم مبلغ 6 ملايير سنتيم مقابل استفادته من مبلغ 200 مليون نظير الفوز بالبطولة. مباشرة بعد اللقب أصبح النادي من العيار الثقيل، ولم يستطع حداد الاستمرار في التمويل لوحده. طُرحت فكرة تمويل "طاسيلي" لشباب قسنطينة مع إمكانية توسيع النادي في العديد من الرياضات الأخرى الجماعية والفردية منها. أصبح فريق المنصورة لكرة السلة رهين اسم شباب قسنطينة؛ رُمي به هنا وهناك. يمكن اعتبار هذا الوضع بداية انهيار حلم كبير وسقوط ناد صنع المعجزة والفرجة والاهتمام في ظرف قصير. 

 "المساء" خاضت في تفاصيل ما وقع لرصد ما خفي منها، ومحاولة فهم الأسباب الحقيقية، وعادت بهذا التقرير .  

طكوك غلام عضو مؤسس ومدرب:  المنصورة ضحية تسيير، وشباب قسنطينة سبب المشكل

يتحدث العضو المؤسس غلام طكوك (مدرب رئيس للشباب والرياضة ورئيس راسينغ فريق قسنطينة) بحسرة كبيرة عما آل إليه "فريق الأحلام"، يقول: "أنا أعرف خبايا النادي من جذوره. تأسس سنة 2006، وجاءت الفكرة من طرف الإطارات المتخرجة في كرة السلة لخلق جمعية رياضية في هذا المجال؛ كون قسنطينة تفتقر لهذه اللعبة غير المشهورة. في البداية وجدنا العديد من الصعوبات والعراقيل؛ تهميش مُر من طرف المعنيين والمسؤولين، مبررهم أن كرة السلة لا تحظى بشعبية كرة القدم على سبيل المثال، أو رياضة أخرى. اللعبة يعتبرها الأغلبية غير معروفة ولا تستحق الإعانات في ظل وجود كرة القدم، وهي الأكثر تشجيعا من طرف المسؤولين. من المفترض أن يكون أول من يهتم بها هم المثقفون. في أمريكا، مثلا، يُشترط للانضمام إلى "إن بي إيه"، أن تكون جامعيا حتى يُسمح لك باللعب؛ لأن الساهرين على هذه اللعبة يشجعون على نشر الرياضة انطلاقا من المدارس. كانت البداية صعبة بالنسبة لنا بسبب تهاون بعض التقنيين، لكن في السنة الثانية كانت الانطلاقة والتمويل من جيبنا الخاص. الجمعية كانت تسمى النادي الرياضي المنصورة قسنطينة. لعبنا في القسم الجهوي وهدفنا كان التكوين، وحققنا نتائج مشجعة جدا. بعدها جاء الرئيس محمد حداد الذي لم تكن له أي علاقة بكرة السلة، واقتصر دوره على التمويل فقط. بفضله حققنا الصعود إلى مصف الكبار؛ أي إلى المستوى الأول سنة 2010 بعد جلب لاعبين ومدرب في المستوى. كنت مدرب الفريق في البداية.. الجمعية كانت تسير بانتظام، والفريق كان في سكته الحقيقية، وأصبح عدد المنخرطين كبيرا مقارنة بالسابق. هذا الرئيس له سلبيات وإيجابيات؛ فمن إيجابياته كونه يبحث عن النتائج الحسنة ويريد الذهاب بعيدا بالفريق. لكن له أيضا سلبيات؛ حيث اصطدم بالواقع بعد أن أصبح النادي كبيرا والمصاريف بدأت تزداد، وأخطأ بتحويل النادي إلى الشركة الرياضية لشباب قسنطينة. أنا الآن أبحث عن سبونسور لأجل الاستمرارية في مساعدة الرياضة. عدد المنخرطين أصبح كبيرا . حاولنا في العديد من المرات الاتصال بديوان الوالي لأجل مساعدة الفريق، لكن هذه اللعبة تبقى "محقورة"، على حد قوله. قمت ببيع لاعبين على شكل إعارة حتى نجلب الأموال لضمان الاستمرارية.    

حداد أخطأ بضم المنصورة لشركة "طاسيلي"

من أخطاء الرئيس حداد أنه قبِل ضم النادي لشباب قسنطينة "طاسيلي" بعد اقتراح من طرف رئيس مجلس الإدارة ياسين فرصادو. حداد شعر حقيقة بتنامي مصاريف النادي نتيجة جماهيريته وتزايد سمعته منذ حصد لقب البطولة. المجموعة كبرت من عدة نواح؛ فهناك مشاركة إفريقية والانتدابات على الأبواب لجلب أحسن العناصر. بعد تفكير ومشاورات مع اللاعبين وأعضاء مكتبه قبِل بالفكرة، ليصبح الفريق اسمه شباب قسنطينة. كان يعتقد أن هذا الإدماج سيعود بالفائدة على الجميع؛ لأن النادي أصبح في مصف الكبار ولا بد من تمويل محترم للإبقاء على قوّته وتدعيمه ماليا من أجل التألق، وكذلك إعطاء الفريق اسم شباب قسنطينة أحسن من المنصورة، الذي يُعتبر اسم حي من أحياء قسنطينة. هنا كانت نهاية النادي الذي وُلد كبيرا، ومن ثمة نهاية حلم وأسطورة وُلدت من تضحيات بسيطة لكن بإرادة فولاذية صنعت معجزة في ظرف قصير. محى اسم المنصورة من الوجود. حاولنا في العديد من المرات الاتصال بالرئيس حداد لمعرفة حقيقة ما حصل، لكننا لم نتمكن من ذلك.

فريق من الدرجة الثالثة أدمج "السياسي" بعد انهياره

كان راسينغ فريق قسنطينة لكرة السلة ينشط في القسم الثالث. تأسس سنة 2009، وقدّم للفريق الوطني بجميع فئاته، عدة لاعبين. بعد الاستغناء عنه من طرف النادي الهاوي لشباب قسنطينة برئاسة ياسين فرصادو ومساعدة محمد بوالحبيب، لم يجد اللاعبون والرئيس حداد سوى طريقة واحدة فقط لإنقاذ شباب قسنطينة من الضياع، وهي إدماجه مع النادي المحترف للسياسي (الشركة). استقبل حداد الفكرة بصدر رحب لعدة عوامل، أبرزها أن هذا الإدماج سيمكّن الفريق من اللعب في المستوى الأول. أدى ذلك طبعا إلى ارتفاع  المساعدات المالية.   

بوالحبيب أخبر اللاعبين بأنه غير قادر على التمويل

عانت عناصر الفريق من مشاكل بالجملة عند انضمام الفريق إلى النادي الهاوي؛ حيث لم يتحصل اللاعبون على أي سنتيم لمدة سنة كاملة. بعد ذلك رمى محمد بوالحبيب المنشفة. يُذكر أنه كان قائما على شؤون الفريق رفقة ياسين فرصادو والمكتب المسير ككل. بعض اللاعبين تحدثوا عن دخول الأموال باسم فريق كرة السلة إلى خزينة النادي، لكنهم لم يتحصلوا على أموالهم العالقة. بعدها غادر اللاعبون الفريق، من بينهم عناصر الفريق الوطني. اختلط الحابل بالنابل وحدث ما حدث... سعى اللاعبون بكل الطرق والوسائط للاستفادة من مستحقاتهم العالقة، لكنهم اصطدموا بأشياء أخرى؛ كون النادي الهاوي لا يستطيع دفع ما يريدون.

مفتاح محمد الصالح لاعب المنصورة:  ما حدث للفريق وصمة عار على القسنطينيّين 

تكلم اللاعب مفتاح بكل صراحة عما حدث لفريقه المنصورة. شباب قسنطينة كان يريد إنشاء فرق للرياضات الفردية والجماعية، لكن "طاسيلي" لم تستطع حتى تمويل فريق كرة السلة، فتم تحويل المنصورة إلى النادي الهاوي للنادي الرياضي القسنطيني. الرئيس حداد كان محترفا في طريقة عمله؛ حاول الذهاب بعيدا، لكن ثقل المصاريف جعله يحوّل النادي بهذه الطريقة. قال اللاعب إن الفريق لم يقبض أي سنتيم بعد مغادرته النادي الهاوي للسياسي. ونفس الشيء يحدث حاليا مع فريق راسينغ. لاعبو الراسينغ أيضا لم يتحصلوا على أي سنتيم مند انطلاق البطولة حتى نهايتها. نفسية اللاعبين في تدهور كبير أدت إلى سقوط الفريق، لكن قرار رئيس الاتحادية برفع فرق المستوى الأول إلى 16 فريقا، أنقذ فريق راسينغ من المغادرة إلى القسم الأسفل.

مدرب مصريّ ولاعبون كبار في الفريق

درّب المصري الكابتن أمير الذي يُعد من أحسن المدربين في العالم، فريق شباب قسنطينة المنصورة سابقا. أعطى إضافات كثيرة للمجموعة التي كانت تضم العديد من اللاعبين الممتازين في البطولة الوطنية، مثل كعوان لاعب بوفاريك سابقا وأحد الأندية الليبية، وأربعة  عناصر أخرى قادمة من بوفاريك ونادي اسطاوالي، كلهم يلعبون في الفريق الوطني. بفضل الانسجام الواضح بين المجموعة تمكنوا من الوصول إلى نهائي كأس الجمهورية سنة 2015 حتى لو انهزموا أمام المجمع البترولي وتحصلوا في نفس السنة، على المرتبة الثالثة في البطولة.  

الأمريكيان "بريانتس" و"تيو" غادرا المنصورة بعد تحقيق اللقب

من الأسباب والعوامل التي جعلت نادي المنصورة لكرة السلة يتألق بشكل لافت في وقت قياسي، قيام الرئيس حداد بجلب لاعبين في المستوى، من بينهم أمريكيان، وهما "تيو" من مواليد 22 ماي 1985 بالولايات المتحدة الأمريكية و«بريانتس" من مواليد 26 أوت 1982 بأمريكا. اللاعبان من خريجي الجامعة الأمريكية كانا ينشطان في الدوري الأمريكي لكرة السلة للمحترفين "إن بي إيه"، تمكنا من قلب الموازين في السلة الجزائرية وإعطائها نكهة أخرى بفنياتهما العالية. نستطيع قول إن لهما فضلا كبيرا في حصول الفريق على البطولة الجزائرية أمام العملاق المجمع البترولي في المقابلة الأخيرة بالعاصمة؛ حيث فاز أبناء حداد بنتيجة 65 مقابل 54 هدف.

راسينغ قسنطينة سقط رياضيّا ورئيس الاتحادية أنقذه

من بين المفارقات العجيبة التي تشهدها كرة السلة القسنطينية أن فريق راسينغ سقط رياضيا إلى الدرجة الثانية هذا الموسم الرياضي 2015 / 2016، لكن رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة السلة الذي أعيد انتخابه من جديد، يمكن أن يكون قدّم هدية (ولو بصفة غير مباشرة) للنادي؛ بإبقائه في المستوى الأول من خلال قراره إلغاء سقوط أي فريق مع صعود فريقين، ليصبح عدد الفرق التي تنشط في مصف الكبار 16 فريقا عوض 14، كما كان عليه من قبل. 

ياسين فرصادو رئيس مجلس الإدارة   ي الشركة الرياضية لـ "السياسي":  "طاسيلي" اغتالت كل الرياضات

فتح ياسين فرصادو النار على الشركة الرياضية لشباب قسنطينة "طاسيلي"؛ كونها المتسبب الأول والوحيد في التخلي عن نادي شباب قسنطينة لكرة السلة المنصورة سابقا بسبب الأموال. الشركة قدمت حججا على أنها غير قادرة على تمويل كرة السلة ورياضات أخرى. 

في تصريح لـ "المساء" أكد أن مجلس إدارة الشركة في اجتماع له (وكان حداد من بين الحاضرين) سنة 2015، قرر ترك الفريق. يقول محمد حداد إنه عمل المستحيل لكي يبقى الفريق مع الشركة لكنه لم يستطع. وأضاف: "لقد بكيت عما آل إليه فريق الأبطال داخل القاعة"... وواصل يقول: "لقد كنت يومئذ رئيس مجلس الإدارة ولم أستطع فعل أي شيء..". عاد فرصادو إلى ذكرياته مع الفريق لما فاز بالبطولة وقال: "نحن من استقبلناه بالمطار، واقترحت على حداد انضمام فريقه لشباب قسنطينة. كانت نيتي مخلصة وصافية. كنا نريد إحياء كل الرياضات لتحقيق الانتصارات وحصد الألقاب وتنويع المداخيل طبعا. كنا نريد بعث الملاكمة،كرة السلة، الكاراتي، سباق الدراجات...". وتأسف المتحدث عما حدث في حق الرياضة ككل. 

وعن النادي الهاوي أكد فرصادو أن حداد طلب منه مساعدة فريق كرة السلة حتى لا ينهار نهائيا بعد تخلي "الطاسيلي"عنه. "وفعلا ـ يقول فرصادو ـ قبلت الفكرة وطرحتها على المكتب المسيّر الذي يضم بوالحبيب وبوخزرة وآخرين، واتفقنا على تسيير مدة سنة واحدة. ساعدنا اللاعبين بلعب البطولة الإفريقية برادس تونس حيث احتل المرتبة الخامسة ووصل إلى نهائي كأس الجمهورية، وانهزم أمام المجمع البترولي وتحصّل على مرتبة مشرّفة في البطولة". 

عن عدم تسديد مستحقات اللاعبين قال: "النادي الهاوي لن يسدد المستحقات. نحن أنقذنا الفريق وصرفنا عليه فيما يخص النقل، الأكل،الإيواء.. لموسم كامل؛ فهذا يُعتبر إنجازا. اخترنا إنقاذ النادي قبل المستحقات. لو لم نفعل هذا لحدثت الكارثة. وبعد إكمال الموسم تدخّل حداد وضم الفريق إلى ناد آخر هو راسينغ فريق قسنطينة، ونحن في النادي الهاوي قمنا بعملنا على أحسن وجه لأجل الرياضة لا لأشياء أخرى". وأعرب عن أسفه لأن "طاسيلي" اغتالت الرياضات التابعة لها وحتى كرة القدم؛ "إذ إن المشاريع التي ضبطناها لم تلق أي اهتمام".