كأس إفريقيا للأمم لكرة اليد للإناث (أقل من 17 سنة)
الجزائر تكتب التاريخ رياضيّاً وتنظيمياً ومصر فنياً

- 128

أُسدل الستار، أمسية أول أمس، على النسخة 21 من كأس إفريقيا للأمم لكرة اليد للإناث (أقل من 17سنة)، بتتويج المنتخب المصري على حساب نظيره التونسي بنتيجة (33- 21)، في المباراة النهائية التي أقيمت بالقاعة متعددة الرياضات للمركب الأولمبي "هدفي ميلود " بوهران، بحضور شخصيات رياضية يتقدمها مدحت البلتاجي النائب الأول لرئيس الكنفدرالية الإفريقية لكرة اليد، وحكيم شلفي ممثلا عن وزير الرياضة وليد صادي، ومراد بوسبت رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة اليد، وآخرين ممثلين لمختلف القطاعات ذات الصلة بتنظيم هذه التظاهرة القارية.
كان التتويج المصري متوقعا منذ بداية هذه البطولة؛ لما أظهرته المصريات من عزيمة، وإمكانيات مسلَّم بها، دلت على تحضير جيد مسبق، وتأطير فني مستمر عالي المستوى، فأتين على الأخضر واليابس في البطولة. وانتقمن لكبريائهن الذي ضرب في مقتل في الطبعات الماضية، التي كان فيها المنتخب المصري لا يقوى على مجابهة المدارس القوية والعريقة في أدغال إفريقيا؛ كغينيا وأنغولا والموزمبيق، ودون إغفال المدرسية التونسية التي كالمصرية، فباتت تزاحم، هي الأخرى، وبنتائج مقبولة من طبعة لأخرى.
الامتياز للتكوين المحلي الخالص
كانت مدينة وهران فأل خير لكرة اليد المصرية؛ ففي ظرف أسبوعين تُوجت بلقبين إفريقيين في فئتي أقل من 19 وأقل من 17 سنة، تربعت بهما على عرش اللعبة في القارة السمراء. وهذه النتائج لم تأت صدفة أو من العدم، بل كانت نتاج تخطيط دقيق، وكد مستمر.
وتصدُّر مصر ومعها تونس الصفوف الأولى، هو في مصلحة كرة اليد النسوية الإفريقية؛ بحيث رسّخا توجها ثانيا في السعي لتطوير الكرة الصغيرة في إفريقيا، وهو التكوين المحلي الخالص بعدما تسيَّد الأول، والذي كان عبارة عن خليط بين التكوين والإسناد من عناصر محترفة في الخارج، وبأوربا تحديدا، لسنوات.
هذا التوجه تبنته المدارس العريقة الغينية والأنغولية والموزمبيقية، وأخرى بدأت تحذو حذوها؛ كالجزائر، التي بدأت تسير في هذا الطريق بعدما طعم منتخباها لأقل من 19 وأقل من 17سنة، المشاركين في المنافستين القاريتين لهاتين الفئتين، بما لا يقل عن ثماني لاعبات محترفات، ينشط جميعهن في فرنسا.
فالمنتخب المصري كان الوحيد من بين المنتخبات المتواجدة في البطولة، من أسّس بنيان منتخبيه لهذين الصنفين من الصفر، وبإنتاج محلي، جرى تدعيمه بتحضيرات نوعية مستمرة، وبتأطير فني من أكفأ المدربين المحليين؛ لذلك دخل المصريون المنافسة بكل ثقة، وبهدف التتويج لا غير، الذي يعيد هيبة كرة اليد المصرية قاريا، وهو ما كان بتتويج منتخبي الوسطيات والشبلات باللقب الإفريقي لأول مرة في تاريخ كرة اليد في بلاد النيل، وهو ما ترجمه تصريح منتخب مصر لأقل من 17 سنة محمد دعبس، الذي قال فيه قبل انطلاق البطولة : "هدفنا واضح، وهو التتويج باللقب القاري. ولتحقيق ذلك سنعتمد على التدرج، والتركيز الكامل من مجموع الفريق. وحتى آخر لحظة. فنحن نملك مجموعة طموحة، ومنسجمة. وسنواصل العمل معها بتفان حتى بلوغ الأهداف المسطرة".
توخّي الواقعية في التخطيط
بالنسبة للجزائر التي أنهت المنافستين الإفريقيتين في الرتبة الخامسة بالنسبة لمنتخب أقل من 19 سنة، والسادسة لمنتخب أقل من 17 سنة، فالأمر يختلف تماما إداريا وفنيا.
فعلى المستوى الإداري، عاشت الاتحادية الجزائرية للعبة فترة من اللااستقرار؛ بسبب اختلاف الرؤى في تبنّي الطريق الأصلح للعودة بالكرة الصغيرة في الوطن، إلى سالف عهدها من المناعة والتميز. وتحوّل هذا الاختلاف في بعض الأحيان، إلى صراعات شخصية ضيقة؛ ما أثر على خرجات مختلف منتخباتنا للرجال والسيدات على حد سواء. وكانت سيئة في العموم، استنفرت معها السلطات العليا للبلاد التي دخلت على الخط، وأمسكت بالملف لتقويمه، والخروج به من النفق المظلم الذي ظلت حبيسة فيه لفترة طويلة، فأنتج ذلك هيئة مسيّرة جديدة بقيادة مراد بوسبت، الذي رغم قصر مدة جلوسه على كرسي الاتحادية، إلا أنه اندفع بقوة الطموح والغيرة، محددا سقفا عاليا في المشاركة بالبطولتين الإفريقيتين، وهو التأهل لكأس العالم 2026، خاصة بعدما تعززت صفوف النخبة الوطنية بلاعبات محترفات، كن عضدا مهمّا. لكن الواقع الفني خالف التمني وطموح التأهل، وأحال المسيرين على ضرورة توخي الواقعية في التخطيط، وتحديد الأهداف الممكنة، بتبنّي استراتيجية عبر برامج منتظمة، تشمل جميع الأصناف العمرية، وتوفير بيئة عمل مثالية للاعبات والمدربين، واستغلال المنافسات لقياس قدرات هذا الجيل من اللاعبات أمام أفضل المنتخبات في القارة، وكسب الخبرة اللازمة، والأهم قياس مدى تقدم كرة اليد النسوية الجزائرية.
إشادة إفريقية باحترافية التنظيم
كالعادة، كانت الجزائر في مستوى الثقة التي وضعتها فيها الكنفدرالية الإفريقية لكرة اليد. وأبهرت مدينة الحدث الرياضي وهران الضيوف الأفارقة، الذين أشادوا جميعهم بجودة التنظيم، وكرم الضيافة، ومنهم من ذهب إلى وصف هذه الطبعة الأفضل في تاريخ المنافسة القارية إلى حد الآن.
كما تعكس هذه الإشادة القدرة الفائقة في التنسيق بين مختلف القطاعات المعنية، والتي أنتجت طبعة رياضية في أبهى صورة كسابقاتها التي احتضنتها مدينة وهران، التي سجلت نقاطا أخرى مهمة لمصلحتها. ورسخت نفسها كوجهة رياضية وسياحية بامتياز بفضل المنشآت الرياضية العصرية التي فتنت بها الوفود الإفريقية. وكان تصريح والي وهران سمير شيباني أبلغ في هذا الشأن، عندما قال: " وهران دائما في مستوى هذه التظاهرات الإفريقية. والحمد لله نجحنا في هذا الرهان، الذي لم يكن محطة عابرة، بل خطوة في مسار طويل من الحركة الرياضية، التي تعرفها المدينة في مختلف الاختصاصات، والفئات؛ فوهران تعج بالرياضة، وتفتح ذراعيها للجميع".