الدستور الجديد

هاجس ثقة بين السلطة و المعارضة

هاجس ثقة بين السلطة و المعارضة
  • القراءات: 1251
مليكة. خ مليكة. خ

حددت الآلية المستقلة لمراقبة الانتخابات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية في سياق المشروع التمهيدي لتعديل الدستور إطارا جديدا للممارسة الديمقراطية، كونها تكرس الوسائل التي تمكن المعارضة البرلمانية من أداء دورها بشكل فعال، فضلا عن تنشيط المؤسسات الدستورية المنوطة بالمراقبة.    هذه الآلية التي تضمنها المشروع التمهيدي لتعديل الدستور استجابت لمطالب قديمة جديدة للمعارضة التي كثيرا ما كانت تشكك في سيرورة ونتائج الانتخابات خلال المواعيد السابقة ومن شأنها أن تضع حدا للغط الذي كثيرا ما يصاحب الاستحقاقات الانتخابية.

هذا الإجراء سيعطي حيزا أكبر للمعارضة البرلمانية التي سيكون بإمكانها بفضل الوسائل الممنوحة لها، الاطلاع على حيثيات عمليات الانتخاب بكل شفافية، فضلا عن أنه سيكون من حقها إخطار المجلس الدستوري. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الآلية تكرس مسارا جديدا للنشاط الحزبي من خلال تنشيط المؤسسات الدستورية المنوطة بالمراقبة، وذلك تأكيدا للشفافية وضمانها في كل ما يتعلق بكبريات الرهانات الاقتصادية والقانونية والسياسية في الحياة الوطنية.  السلطات العليا تكون أخذت في الحسبان اختلالات سير التجارب الانتخابية السابقة التي كانت بمثابة مبررات استغلتها المعارضة لإثارة الشكوك حول مصداقية هذه الاستحقاقات التي انجر عنها جدالات كبيرة انعكست على مستوى الأداء السياسي للأحزاب التي ظلت تدور حول حلقة مفرغة، تركزت على مسألة تزوير الانتخابات، دون الالتفات إلى قضايا سياسية أخرى لا تقل أهمية.

لكن في المقابل، يمكن الإقرار بان "النضال السلمي" للتشكيلات السياسية التي ظلت تطالب بإلحاح بإنشاء آلية مستقلة لمراقبة الانتخابات لم يذهب سدى، حيث أخذت السلطات العليا هذا المطلب محمل الجد و ذلك بإدراجه في المشروع التمهيدي لتعديل الدستور الذي ينتظر تسليم نسخة منه للشخصيات والأحزاب والجمعيات في الأيام المقبلة كما وعد رئيس الجمهورية.

الرؤية جديدة في التعاطي مع سير الاستحقاقات القادمة من بين الرهانات الكبيرة التي تعول عليها الدولة في سياق تعزيز مبدأ الفصل بين السلطات، حيث حرصت على أن يخرج الدستور الجديد بحلة جديدة جامعة لمطالب الطبقة السياسية، وذلك في انتظار مرافقتها بضمانات تحمي المضامين المتعلقة بهذه المسألة من كل التجاوزات وأيضا الحرص على إنجاح تطبيقها ميدانيا حماية لروح الدستور لاحقا.  و لا يتوقف الأمر عند السلطة، كون الكرة أيضا توجد في مرمى المعارضة التي ستكون مجبرة على تقديم مساهمتها في آلية ما فتئت تطالب بها منذ سنوات، من خلال بلورة العمل السياسي وتحديد أهدافه في سياق مجاراة المسار الديمقراطي الذي تعيشه البلاد.

إذا كان الهدف من دسترة الآلية المستقلة لمراقبة الانتخابات تنصب في إطار إضفاء شفافية أكبر في المواعيد الانتخابية، فإنها تتوخى في المقابل تكريس إرادة الشعب في اختيار منتخبيه كونه يظل مصدر الديمقراطية والشرعية والذي يعود له قول الفصل في التداول على السلطة. يمكن القول أن معالم الدستور الجديد من شأنها أن تكرس ثقافة جديدة في العمل السياسي كونها أضفت رؤية استشرافية لتعزيز مسار الحريات والديمقراطية، ومن ثم استكمال جملة الإصلاحات السياسية المعلنة في 15 أفريل 2011 والتي شملت مثلا قانوني الأحزاب والانتخابات وغيرها.

 لم تأبه السلطات العليا للانتقادات الموجهة لها بسبب المدة التي استغرقها إعداد الدستور الجديد، مفضلة أن تحضر مكوناته على نار هادئة بعد إشراك الفعاليات الوطنية باستثناء تلك التي أقصت نفسها في إطار عملية تنقيحه. مختصون وقانونيون تحدثوا لـ«المساء"، أمس، رجحوا أن يكون مشورع التعديل الدستوري الذي سيتم الإفراج عنه قريبا خطوة كبيرة نوعية، بإدراجه إجراءات غير مسبوقة في توسيع مجال الحريات وإعطاء دعامة كبيرة للمعارضة فيما يخص حق الرقابة العليا بإخطار المجلس الدستوري والفصل بين السلطات على سبيل المثال.