الذكرى الـ٥٤ لمجازر 17 أكتوبر 1961

مرحلة سوداء تستوقف فرنسا حول مسؤوليتها التاريخية

مرحلة سوداء تستوقف فرنسا حول مسؤوليتها التاريخية
  • القراءات: 1480
تحيي، الجزائر، اليوم، يوم الهجرة في الذكرى الـ54 لأحداث 17 أكتوبر 1961، أحد أهم الأحداث في تاريخ الثورة الجزائرية، التي اقترف فيها محافظ شرطة باريس، موريس بابون، مجزرة فظيعة في حق المهاجرين الجزائريين بفرنسا حينها. وقد اقترفت فرنسا في ذلك اليوم جرائم لا توصف ضد المهاجرين الجزائريين حين خرج نحو 80 ألف جزائري في مسيرة سلمية بباريس بدعوة من قادة الثورة الجزائرية، احتجاجا على حظر التجول الذي أمر به بابون على الجزائريين دون سواهم لتقابل تلك المسيرة بقمع دموي خلف عشرات القتلى .
وتعد مجازر 17 أكتوبر، إحدى المراحل السوداء من تاريخ حرب التحرير، إضافة إلى أنها تذكر بالمسؤولية التاريخية غير المعترف بها لفرنسا حيال الجرائم المرتكبة طيلة الفترة الاستعمارية في الجزائر، وفي الوقت الذي كانت فيه اتفاقات إيفيان، تقود الجزائر نحو استرجاع سيادتها بفضل المقاومة الباسلة للشعب، قام المستعمر الفرنسي بارتكاب أبشع الجرائم حق الجزائريين الأبرياء..
وبأمر موريس بابون، قامت قوات الأمن في تلك الليلة بقمع المظاهرة السلمية في العاصمة الفرنسية التي دعت إليها فيدرالية فرنسا لجبهة التحرير الوطني تنديدا بحظر التجوال المفروض على الأشخاص المنحدرين من شمال إفريقيا" أو مسلمي فرنسا الجزائريين. واستجاب آلاف الرجال والنساء والأطفال لهذا النداء وتوجهوا نحو الشوارع الكبرى لباريس التي تحولت إلى مسرح لمجزرة بشعة، الهدف منها قمع التظاهرة التي لم تكن سوى تعبير عن رفض الظلم ضد شعب واقع تحت نير الاستعمار.
وأسفرت هذه المجزرة الدموية، التي تواصلت إلى ما بعد ليلة 17 أكتوبر برمي عشرات المتظاهرين في نهر السين بعد قتلهم رميا بالرصاص أو بعد تعرضهم للضرب كما تم وضع عدد كبير منهم في السجون.  
ليلي هذه المجزرة اللاإنسانية صمت منظم بهدف إخفاء الأحداث كما أكد ذلك المؤرخ الفرنسي جيل مانسيرون في كتابه "الصمت الثلاثي إزاء مجزرة". وتطرق المؤرخ إلى هذه الأحداث التي بلغت خطورة لا مثيل لها بحيث ذكر المراقبة المفروضة على الصحافة والتعليمات القضائية غير المستوفية وصعوبة الوصول إلى الأرشيف.
وفي سنوات التسعينات، عاد الحديث عن هذه الأحداث إلى الواجهة في إطار محاكمة موريس بابون (1997-1998) بتهمة المشاركة في جرائم ضد الإنسانية خلال الإحتلال الألماني كما أكد شهود على مسؤوليته المباشرة في مجازر 17 أكتوبر.
وفي مقال نشر في جريدة "لوموند" بتاريخ 20 ماي 1998، وصف المؤرخ الفرنسي جون لوك إينودي رد الشرطة في تلك الليلة بالمجزرة مما كلفه متابعة قضائية من قبل موريس بابون بتهمة القذف لكنه تم رفض الدعوى من قبل المحكمة التي أقرت بمصطلح مجزرة مما يشكل منعرجا قضائيا هاما.
بالرغم من مرور نصف قرن من الاستقلال فإن حجم هذه الأحداث لا يلقى الاهتمام اللازم بسبب الخطاب الفرنسي الذي قلص من أهمية هذه الجرائم الوحشية إلى أبسط تعبير. وهذا ما تجلى في إحدى عناوين جريدة "لوفيغارو" استنادا إلى أرقام قسم الشرطة "قتيلين اثنين و44 جريحا وتوقيف 7.500 شخص من شمال إفريقيا".
وخلال محاكمة بابون، كلف وزير الداخلية جون بيار شوفانمون، لجنة بدراسة وثائق الشرطة التي أشارت إلى أن عشرات الموتى من بين المتظاهرين الجزائريين عددهم 40 بل ليس أكثر من 50 ضحية.
وتم فيما بعد إنشاء لجنة تحقيق أخرى استخلصت أن 48 شخصا على الأقل قتلوا ليلية 17 إلى 18 أكتوبر، مؤكدة أن هذا الرقم قد يكون أقل من الحقيقة بما أنه لم يتم التأكد من أن جميع الأشخاص الذين رميوا تم العثور على جثثهم.
وحاول مؤرخ فرنسي، جون بول بروني أيضا، التقليل من المأساة من خلال تقييم عدد القتلى ب30 إلى 50 شخصا في خلاصة تلقت استنكارا كبيرا لاسيما من الجانب الجزائري وأيضا من طرف بعض الفرنسيين إلى غاية تقديم ولأول مرة حصيلة أثقل سنة 1991 من الجانب الفرنسي من طرف جون لوك اينودي خلال إصداره لـ«معركة باريس،17 أكتوبر 1961"، حيث تطرق إلى 200 قتيل تم إحصاؤهم على أساس أرشيف جبهة التحرير الوطني وشهادات أخرى وبالنسبة لفترة سبتمبر-أكتوبر 1961 أعطى المؤرخ عدد 325 قتيل من بين الجزائريين.
وقد تجاوز عدد ضحايا عنف الشرطة 300 شخص حسب الجانب الجزائري في حين أن شهادات أشخاص نجوا من الموت خلال ذلك اليوم تبين الطرق الوحشية التي لا مثيل لها، بأمر من موريس بابون واصفين المناظر البشعة لعشرات الجثث الطافية فوق مياه نهر "السين" أو التي جذبها التيار إلى غاية "لا مونش". وهي بشاعة جعلت مؤرخين بريطانيين، جيم هوز ونايل ماك-ماستر، يكتبان في "الجزائريون، الجمهورية ورعب دولة" الذي صدر سنة 2008، أن الأمر يتعلق بأعنف قمع دولة لم تسببه أبدا من قبل مظاهرة شارع بأوروبا الغربية في التاريخ المعاصر.
 وفي سنة 2012، عشية الذكرى الـ51 للمجزرة، صرح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن فرنسا تعترف بكل وعي بالمأساة التي تمثلت في قمع دموي تعرض له جزائريون كانوا يتظاهرون من اجل حقهم في الاستقلال ليصبح أول اعتراف رسمي لمسؤولية الدولة الفرنسية في قمع حدث جرى خلال الحقبة الاستعمارية.
وغداة هذا الاعتراف، الذي لا سابق له، أشاد الوزير الأول عبد المالك سلال بالنوايا الحسنة التي أظهرتها فرنسا لطي الصفحة بخصوص هذه الأحداث المؤلمة ولكن هذا لا يعني نسيان ذلك من طرف الجزائريين الذين مازالوا ينتظرون اعتذارات رسمية على جميع الجرائم الاستعمارية التي تشكل النقاط السوداء للاستعمار الفرنسي.
وفي برقية وجهها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، شهورا قليلة من قبل إلى نظيره الفرنسي، بمناسبة الاحتفال بذكرى 14 جويلية قال فيها أنه "آن الأوان للقيام بدراسة واعية وشجاعة للماضي بين البلدين وهذا في إطار أفق تعزيز علاقات التقدير والصداقة".