الرئيس تبون حريص على صون الذاكرة الوطنية
مجازر 8 ماي.. لا مساومة ولا تقادم

- 156

يشكّل الاحتفاء بيوم الذاكرة الذي أقره رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، والذي يصادف الثامن ماي من كل سنة تخليدا لمجازر 1945، محطة هامة لاستحضار نضالات الشعب الجزائري ضد المحتل الفرنسي وكشف جرائمه ضد الأبرياء العزل، غير أن استحضار المناسبة في الفترة الأخيرة أخذ منحى جديدا لدى جيل الاستقلال الذي أبدى شغفه للاطلاع على تاريخ السلف، خاصة في ظل إرهاصات الأزمة بين الجزائر وباريس.
أولى الرئيس تبون منذ انتخابه رئيسا للجمهورية، أهمية بالغة لملف الذاكرة الوطنية، قناعة منه بأن الاهتمام بها واجب وطني مقدّس، وأنه لا يرتبط بأي نزعة ظرفية ولا يقبل أي مساومة، ما جعله ضمن انشغالات الدولة لتحصين الهوية الوطنية. وأبدى رئيس الجمهورية منذ عهدته الأولى عناية خاصة بالملف وجعله ضمن أهم أولوياته في إطار برنامج رئاسي يتضمن 54 التزاما وهو رقم له دلالة واضحة على أن خط الرئيس وهدفه خط نوفمبري بالدرجة الأولى.
وعلى هذا الأساس، ركز رئيس الجمهورية على ترسيم يوم الذاكرة إلى جانب إطلاق قناة تلفزيونية متخصّصة، وإنشاء لجنة وطنية للذاكرة والتاريخ لضمان معالجة موضوعية ومنصفة للحقيقة التاريخية، من منطلق أن الملف لا يتآكل بالتقادم أو التناسي بفعل مرور السنوات، علاوة على دسترة بيان أول نوفمبر في دستور 2020 وإعادة إدراج الجزء المبتور من النشيد الوطني الذي يقول "يا فرنسا قد مضى وقت العتاب.."، وذلك بموجب مرسوم رئاسي ينصّ على أن "يؤدي النشيد الرسمي في صيغته الكاملة، كلمات وموسيقى بمقاطعه الخمسة" في المناسبات السياسية والعسكرية بعد أن كان قد حذف سابقا لاعتبارات سياسية.
وفي سياق حرصه على إبراز نضالات الشعب الجزائري منذ دخول المستعمر الفرنسي سنة 1830 وعدم حصرها على ثورة التحرير، كثف الرئيس تبون جهوده الدبلوماسية من أجل استرجاع 24 جمجمة من جماجم شهداء المقاومات الشعبية التي كانت محفوظة في متحف الإنسان بباريس والتي تمّ استقبالها استقبالا رسميا في جويلية 2020 قبل إكرام أرواحهم بالدفن في مقبرة العالية.
وقد أولى الرئيس تبون أهمية بالغة لتعريف الجيل الجديد بمآثر الأسلاف، ما جعله يعطي تعليمات لرقمنة قطاع المجاهدين في شهر جويلية 2022 من خلال إطلاق أول منصة رقمية مخلّدة لستينية الاستقلال تحمل اسم "جزائر المجد"، والتي تعد واجهة للجزائر تاريخيا وحضاريا، فضلا عن رقمنة ما لا يقل عن 42 ألف شهادة حيّة للمجاهدين وإتاحتها للباحثين، قصد تدعيم الكتابات التاريخية المتعلقة بثورة التحرير بنظرة جزائرية بعيدا عن ما كتبه الفرنسيون وبعيدا عن ما يتضمنه الأرشيف الفرنسي.
كما تمّ إنجاز تطبيق تاريخ الجزائر الممتد من 1830 إلى 1962 الخاص بالهاتف النقال، والذي يعتبر موسوعة لتاريخ الجزائر، علاوة على إنتاج وزارة المجاهدين لعبة إلكترونية تاريخية "ثلاثية الأبعاد" خاصة بالثورة التحريرية، حيث تعد أول لعبة تاريخية في الجزائر موجّهة للناشئة والشباب، تعنى بتوثيق معارك وأحداث ثورة أول نوفمبر 1954.
وبخصوص ترقية البحث التاريخي وتشجيع الإنتاج السينمائي والأفلام الوثائقية تكفل قطاع المجاهدين بطبع الآلاف من الكتب التي تتناول التاريخ الوطني والمذكرات الشخصية للمجاهدين، إلى جانب رقمنة محتويات كثيرة للمؤسّسات المتحفية تحت الوصاية.
فضلا عن ذلك، تركز الاهتمام على تشجيع الإنتاج السمعي البصري من خلال إنجاز الأفلام الوثائقية سواء التي تتعلق بالوقائع التاريخية أو برموز الحركة الوطنية والثورة التحريرية وجمعية العلماء المسلمين، إلى جانب إنتاج الأفلام التي تتناول الرموز الثورية، وكذا إنشاء جمعية أصدقاء الثورة وتخليد أسمائهم في جدارية متواجدة بساحة رياض الفتح تعزيزا للدبلوماسية التاريخية والحفاظ على الروابط المتينة بين الجزائر وأصدقاء ثورتها الأجانب.
وقد ساهمت هذه الخطوات العملاقة في تحسيس الجيل الحالي بحتمية الدفاع عن الملف، خاصة وأنه أبدى اهتماما لتصفح فصوله على خلفية الأزمة مع فرنسا، بل أن الرأي العام الفرنسي بات يطالب هو أيضا بكشف الحقائق التاريخية المخفية التي تشكل وصمة عار في جبين المستعمر، لدرجة أنه يتم معاقبة أي شخصية تاريخية تدلي بهذه الحقائق في البلاطوهات الفرنسية، على غرار ما جرى مع الصحفي والمؤرخ الفرنسي جان ميشال أباتي الذي صرح بأن الجرائم الفرنسية المرتكبة في الجزائر لا تقل بشاعة عن الجرائم النازية. وعليه، فإن ملف الذاكرة يعد جزءا لا يتجزأ من السيادة الوطنية، حيث تبدي السلطات العليا حرصا شديدا ونية صادقة للمضي قدما في هذا الملف، الذي لم يشهد من قبل مثل هذا الاهتمام من أجل استكمال بناء الجزائر على أسس متينة وتحصينا للأجيال القادمة في مسائل الهوية والتاريخ.