20 أوت .. محطة تاريخية للنهل من كفاح الشعب الجزائري

قيم ثورية سامية تنغّص الفكر الاستعماري

قيم ثورية سامية تنغّص الفكر الاستعماري
  • 135
مليكة. خ مليكة. خ

❊ مبادئ الثورة التحريرية نبراس ينهل منه مدافعو الحرية عبر العالم 

❊ الثورة الجزائرية رسّخت لمبدأ "الحرية تؤخذ ولا تعطى" 

❊ صرخة الجزائريين في وجه المستعمر أشعلت فتيل ثورات التحرّر في العالم 

❊ حنين اليمين المتطرف لزمن الاستعمار يدفعه اليوم للانتقام  من المواقف السيادية للجزائر 

لا تعد ذكرى 20 أوت مجرد منعطف حاسم في تاريخ الثورة التحريرية المظفرة، بقدر ماهي محطة للوقوف عند أبعاد القيم التي ناضل من أجلها الثوار، بل هي نبراس ينهل منه مدافعو الحرية عبر العالم، لارتكازها على قيم سامية لن تتغير بتغير الزمان والمكان، فضلا عن إرسائها لنهج قار في التحرّر، على أساس المبدأ الثابت الذي مازالت تتبناه القضايا العادلة والتي مفادها أن "الحرية تؤخذ ولا تعطى".

رغم مرور 63 عاما على استقلال الجزائر، تظل القيم التي قامت عليها أعظم ثورة في العالم تنغّص الفكر الاستعماري، بثوبه الجديد، الذي يحاول رواده بقيادة اليمين المتطرف إحياءه، معتقدا أن عقيدة دحر المستعمر قد ولّت، متجاهلا صمود أحرار العالم الذين يقفون إلى جانب القضايا العادلة في العالم، بعيدا عن مقياس الدين أو العرق أو الجغرافيا .

ولعل اليمين المتطرف قد استغل الظروف الدولية الراهنة خاصة مع تنامي مخططات الكيان الصهيوني للاستثمار في الفكر الكولونيالي، خاصة وأنهما يتقاسمان نفس العقيدة التوسعية، حيث يعد التحالف الفرنسي المغربي الصهيوني، أفضل دليل على النهج الجديد الذي يتطلع لتجسيده "حلف الشيطان" من أجل خلق توترات في المنطقة المغاربية، في ظل صلابة مواقف الجزائر إزاء قضايا التحرّر، على غرار قضيتي فلسطين والصحراء الغربية .

ولا يتوقف الأمر فقط عند ثبات مواقف الجزائر، بل بالحفاظ على أمانة الشهداء ومجد الأوفياء، كون بيان نوفمبر حمل معاني قوية، خاطبت الجزائريين والعالم أجمع، وبيـّن من خلال كلمات معدودة خارطة طريق الكفاح التحرري وأهدافه ووسائله وركائزه المتماشية تماما وميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الإنسانية السامية، مما جعل الثورة التحريرية مفخرة الشعوب.

فكفاح الشعب الجزائري يظل بلا منازع مفخرة الحركات التحررية بأمريكا اللاتينية التي حذا ثوارها حذوها، بداية من سيمون بوليفار إلى أرنستو شي غيفارا، في حين سارت بقية دول العالم الاشتراكي على نفس النهج عبر ثورات الفلاحين، التي انتفضت ضد الاستعباد ومختلف مظاهر الاستدمار وأعادت الاعتبار لكرامة الإنسان في عالم متغير لا يعترف إلا بالفعل الثوري.

وإذا كانت الثورة التحريرية المظفرة قد عبرت عن أجمل صور الكفاح، فإنها تميزت أيضا بأعمال إنسانية راقية رغم التباين بين القوى المتصارعة، بين مكر الآلة الاستعمارية وقوة وخبث العملاء، وبين أخلاق الفرد الجزائري المسلم الذي يحمل في صدره قيما إنسانية تعلّمها في بيئة نظيفة لا تعرف مجالا للحقد والكراهية، ما جعل الثوار يسعون لمحاربة وهزم الظاهرة الكولونيالية وليس المجتمع الفرنسي.

فثورة أول نوفمبر كانت صرخة في وجه الاحتلال البغيض، وكانت سدا منيعا لمحاولات سلب الهوية الوطنية، مثلما كانت أيضا ثورة شعب بأكمله ضد الظلم والاضطهاد. كما كانت صرخة الجزائر في وجه المستعمر الغاشم بمثابة نار مضيئة أشعلت فتيل ثورات التحرّر في كل بقاع المعمورة، ولازالت بمثابة النموذج الذي يحتذى به في العصر الحديث، على غرار المقاومة الفلسطينية التي تنهل من كفاح الشعب الجزائري الذي هزم أسطورة القوة العظمى التي مازال يتغنى بها اليمين المتطرف الذي يتباهى بجرائم أجداده في المستعمرات الإفريقية وخاصة الجزائر .

ويبرز جليا اليوم إصرار هذا التيار العنصري على الوقوف ضد أي مصالحة بين الجزائر وباريس، من خلال تعطيل لجنة الذاكرة التي كادت أن ترسي التقارب بين البلدين لولا السياسة المتهورة لوزير الداخلية برونو روتايو، فضلا عن تصعيد الأزمة التي باتت تستهدف الجالية الوطنية بفرنسا مع تفشي مظاهر العنصرية وخطاب الكراهية. ولا يمكن تبرير السلوكات غير المبررة لليمين المتطرف سوى أنها انتقاما للمواقف السيادية والندية للجزائر التي تتبنى مبدأ تنوّع الشركاء، تماشيا مع التحوّلات الإقليمية الراهنة التي تسيطر عليها المصالح الاقتصادية .

والمؤكد أن باريس ومن يسير في فلكها من القوى الاستعمارية لا يعجبها النهج الجديد الذي تتبناه الجزائر التي كرّست في قانونها الأعلى بيان أول نوفمبر 1954 كمرجعية أساسية لا يمكن الانحراف عنها وفاء لرسالة الشهداء، ما يجعل هذا البيان أكبر من أن يكون مجرد وثيقة رسمية تاريخية محدودة بزمن معين وإنما يعتبر منهجا عمليا وأساسا متينا من حيث الشكل والمضمون لكل من أراد أن يفهم حقيقة المستعمر وحقوق الشعوب المضطهدة عبر العالم وفي كل الأزمنة.