اعتبر تصريحات الساسة في ملف الذاكرة أهدافا انتخابية.. المؤرخ بوتي ريسي:

عنصرية اليمين المتطرف والأقدام السود وراء رفض فرنسا الاعتذار عن جرائمها

عنصرية اليمين المتطرف والأقدام السود وراء رفض فرنسا الاعتذار عن جرائمها
  • القراءات: 1374
زولا سومر زولا سومر

بن براهم: من الأجدر استبدال "معركة الجزائر" بـ"القمع الوحشي للجزائر"  

❊ المطالبة بتحويل فيلا "سيزيني" ومراكز التعذيب الأخرى إلى متاحف

أكد المؤرخ الفرنسي فابريس بوتي ريسي، "غياب الشجاعة السياسية في أعلى هرم السلطة في فرنسا للاعتراف بالجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي بالجزائر"، مشيرا إلى أن بعض الاعترافات حول قضايا معدودة، تبقى مجرد خطوة ظرفية بأهداف انتخابية ترمي الى إرضاء جهة معينة بفرنسا. اعترف المؤرخ الفرنسي في تصريح للصحافة، أمس، على هامش منتدى جريدة المجاهد للحديث عن موضوع "المختطفون قسريا بالجزائر العاصمة 1957 1958" بعدم وجود شجاعة سياسية لدى فرنسا للاعتراف بهذه الجريمة، وغيرها من الجرائم التي ارتكبتها كدولة استعمارية بالجزائر وبعدة دول عبر كل القارات خلال 4 قرون.

وأكد أن ملف الذاكرة تسيطر عليه "العنصرية" التي يمارسها بعض الساسة من منتخبين ونواب من اليمين المتطرف والأقدام السود، "حيث أنه كلما تصاعدت هذه الأصوات العنصرية كلما زادت محاولات إخفاء الحقيقة بخصوص ملف جرائم فرنسا بالجزائر"، مشيرا إلى تصريحات عنصرية لأحد نواب اليمين المتطرف الذي عاش بمدينة وهران، بخصوص هذا الملف، "حيث يناضل هذا النائب من أجل إخفاء هذه الحقائق مثلما أراد فعله عندما نفى وجود "القوات الخاصة" لما سئل من طرف الصحافة الفرنسية". وتأسف المؤرخ بوتي ريسي لتراجع ملف الاعتراف بجرائم الاستعمار في السنوات الأخيرة مقارنة بالتسعينيات، "عندما سجل تقدّما من خلال الاعتراف بمظاهرات 17 أكتوبر 1961 بباريس، وبعدها فتح ملف التعذيب لما تحدثت المجاهدة لويزة إيغيل أحريز في سنة 2000 عما تعرضت إليه من تعذيب واغتصاب، ليتم لأول مرة الحديث عن هذا الملف وقيام مؤرخين وصحفيين بنقل تصريحات كل من "ماسو" و"أوساريس".

واعتبر المتحدث، بأن السلطات الفرنسية في فترة حكم الرئيس جاك شيراك كانت لها الشجاعة السياسية للاعتراف بملف تهجير ونفي اليهود، وملف العبودية كجريمة ضد الإنسانية، غير أنها لا تتحلى بهذه الشجاعة للاعتراف بجرائمها خلال الثورة التحريرية. وذكر المؤرخ المختص في ملف المفقودين قسريا خلال ما تسميه فرنسا ب"معركة الجزائر"، بأن فرنسا ترفض تسليم جزء من الأرشيف المتعلق بالثورة التحريرية، كما ترفض السماح للمؤرخين بالاطلاع عليه، مثل ما هو حاصل مع ملف استعمال "الغازات السامة" أو ما يعرف بـ"حرب المغارات" الذي يعد من أكبر الجرائم ضد الإنسانية بسبب استعمال الغازات الكميائية السامة لقتل المجاهدين ما بين 1956 إلى غاية 1961. وأوضح المؤرخ بأن فرنسا تقاوم حتى لا يتم الكشف عن جرائم الغازات السامة التي منعتها الاتفاقيات الدولية، وذلك من خلال نصّ قانوني تضمنه قانون مكافحة الإرهاب الذي يمنع وزارة الدفاع الفرنسية من فتح أرشيف "حرب المغارات" بحجة أن هذا الملف "لا يزال يحمل قيمة عملياتية".

وعرض المؤرخ خلال الندوة موقعه الالكتروني الذي أنشأه مع المؤرخة مليكة رحال والذي يحمل اسم "موريس أودان بالآلاف". وهو ما يعني وجود آلاف المختطفين قسريا الذين عذبتهم فرنسا وقتلتهم خاصة في الفترة الممتدة ما بين 1957 و1958 بالعاصمة، لما طوقت على الثورة وقمعت منطقة القصبة والأحياء المعروفة بوجود مجاهدين ومساندين للثورة. في السياق، دعت المحامية فاطمة الزهراء بن ابراهم عضو اللجنة الوطنية التي تشتغل حول ملف هؤلاء المختطفين إلى تسمية هذه المرحلة بمرحلة "القمع الوحشي للجزائر" وليس "معركة الجزائر" كما سماها ماسو، لأنها لم تكن معركة وتبادل طلاقات النار بين جيشين، وإنما قمع وتعذيب وحشي للجزائريين. وأضافت أن هذه القضية مسكوت عليها من طرف السلطات والجيش الفرنسي لحد الآن، ولم يتمكن الباحثون والمؤرخون الجزائريون من الوصول إلى معلومات كثيرة بخصوصها، موضحة أن المعلومات المتداولة هي تلك التي نقلها المؤرخان فابريس بوتي ريسي ومليكة رحال اللذين تمكنا من الوصل إلى الأرشيف الفرنسي، عكس المؤرخين الجزائريين الذين لا يسمح لهم بالحصول على الأرشيف.

وأكدت المحامية بأنه رغم غياب أرقام رسمية عن عدد المفقودين، لكن المعلومات التي تحصلت عليها اللجنة التي تمثلها تفيد بأن عددهم يصل الى حوالي 8 آلاف مفقود، نقلا عن إحصائيات الجيش الفرنسي الذي صرح بأنه قتل خلال هذه المرحلة 10 في المائة من الجزائريين الذين كان عددهم أنذاك يقدر بـ80 ألف جزائري. كما ذكرت الأستاذة بن ابراهم أن محافظ العاصمة في تلك الفترة "تيجن" صرح بأنه وقع على محاضر توقيف واستجواب عدد كبير من الجزائريين، لكن بعد نقلهم إلى مراكز التعذيب تأكد أن 3024 شخص منهم لم تظهر عنهم أي معلومات. وذكرت المحامية بأن الجيش الفرنسي كانت له السلطة المطلقة عن طريق ما يعرف بـ«السلطات الخاصة التي منح بموجبها القانون الفرنسي لـ1956 صلاحيات لاستنطاق الجزائريين تحت طائلة التعذيب، وكانت تتخلص من الجزائريين بعد تعذيبهم ورميهم للكلاب الجائعة بمنطقة حوش الكلاب بالأربعاء بالعاصمة ومن ثم دفنهم في حفر جماعية من دون إعطاء أي معلومات لعائلاتهم.

في هذا الشق ذكرت المؤرخة مليكة رحال بأن العائلات الجزائرية لم تتوقف عن البحث عن أبنائها المختطفين، مشيرة إلى أنها وجدت خلال بحوثها في الأرشيف عدة رسائل كانت تكتبها هذه العائلات لمحافظ الجزائر تبحث فيها عن معلومات بشأنهم، إلى جانب إعلانات صدرت في الجرائد بعد الاستقلال للبحث عنهم أملا في العثور عنهم أحياء. ودعت المؤرخة عائلات المختطفين الذين لم يتم الحصول على ملفاتهم في الأرشيف الفرنسي ولم يتم نشر صورهم في الموقع الالكتروني الذي أنشأته إلى التقرب منها ومنحها كل المعلومات المتعلقة بهم، لحفظ ذاكرتهم والتعريف بهم، مؤكدة أن هذا الملف هو جريمة ضد الإنسانية تنتظر الاعتراف بها. من جهتها طالبت عائلات المختطفين التي حضرت الندوة تحويل فيلا سيزيني التي كان يعذب فيها المختطفون وغيرها من مراكز التعذيب، إلى متاحف لحفظ الذاكرة وكتابة تاريخ هذه الفئة من شهداء الثورة.