إحياءً لليوم الوطني للصحافة بمتحف المجاهد

دعوة لتجسيد تطلعات الأمة والتزامات الدولة

دعوة لتجسيد تطلعات الأمة والتزامات الدولة
  • القراءات: 1022
مريم. ن مريم. ن

نظمت وزارة المجاهدين، أول أمس بمقر المتحف الوطني للمجاهد، ندوة فكرية وذلك احتفالا باليوم الوطني للصحافة، تناولت واقع الإعلام في بلادنا، والتحديات التي يحملها على عاتقه في الظروف الحساسة التي يفرضها الراهن. كما كانت المناسبة فرصة لاستحضار أمجاد الإعلام الجزائري إبان الثورة المظفرة، والذي استطاع رغم وسائله المنعدمة، أن يقهر الدعاية الفرنسية في الداخل وفي المحافل الدولية.
افتتح اللقاء الدكتور بيطام مدير متحف المجاهد؛ حيث قرأ رسالة وزير المجاهدين السيد الطيب زيتوني التي بعثها إلى المشاركين بعد أن تعذّر عليه الحضور لأسباب طارئة. وممّا جاء في الكلمة الخاصة باليوم الوطني للصحافة، "في مثل هذا اليوم وهذه الذكرى بعد إقرارها من طرف رئيس الجمهورية كيوم وطني، أصبحت تكريما وإجلالا للأسرة الإعلامية التي تحمل على عاتقها رسالة مهمة". كما جاء في ذات الكلمة أن "الصحافة الجزائرية من خلال تضحيات رجالها ونسائها، كانت اللبنة التي أسست لمسيرة طويلة ذات انتصارات وانكسارات، وتأسست في الجزائر أيضا المبادئ الأساسية والقيم التي يجب أن تروي بها الأجيال، لتتلاحم حول مشروع وطني يخدم استقرارنا وأمننا لاستكمال مسيرة صنعها الشعب".
بعدها تدخّل السيد محيي الدين عميمور، الذي أكد على الخروج عن الروتين في مثل هذه المناسبات؛ تفاديا للملل والضجر خاصة عند الشباب. ولن يتأتى ذلك ـ حسبه ـ إلا بتفادي التكرار والخطاب، ليتم في كل مرة تقديم جديد التفاصيل أو لفتة جديدة بالتاريخ وبالمواقف أو أمر لم يتم تناوله، وبالتالي تزيد الفائدة في كل مناسبة نحتفل بها. وأشار المتحدث إلى أن الجهاد اليوم لا يقتصر على السلاح، بل يتمثل أساسا في الجهد والعمل اللذين هما الأمن القومي لنا، محيّيا بالمناسبة أعوان السلك الأمني الحاضرين بقوة (جمارك، شرطة، درك وطني وحماية مدنية)، والذين هم اليوم شرف الجزائر، ليحيّي بعدهم بحرارة، جهد الحماية المدنية في موسم الحج، معتبرا ما يحققه هؤلاء اليوم أحق بأن يتصدر الصفحات الأولى للصحافة الوطنية بدل الاعتماد فقط على أخبار القتل.
من جهة أخرى، استعرض عميمور تاريخ الـ 22 أكتوبر الذي ارتبط بتاريخ جريدة "المقاومة"، التي كانت باقتراح من الراحل محمد بوضياف، هذا الأخير الذي سبق وأن أسس قبل الثورة، جريدة "الوطني" التي استمرت 7 أعداد؛ لذلك سمي فيما بعد باسمه الثوري سي الطيب الوطني. وفي فترة الثورة لم تقتصر المقاومة على الإعلام في هذه الجريدة الأولى، بل كانت تضم أيضا مختلف مناحي الثقافة والفن؛ من مسرح وسينما وأدب وشعر وغيرها، تماما كما يجب أن تكون الحال اليوم ضد كل ما هو نسيان. وأكد السيد عميمور أن الكاتب الصحفي هو جزء من حركة النضال الوطني، وأن الشهادة في سبيل الوطن عملية مستمرة ابتداء من الشهيد رضا حوحو الأديب والإعلامي، الذي اغتيل سنة 1956، ثم بعده الكثير الكثير من الصحفيين والمثقفين الذين سجلوا اسم الجزائر من نور، وهنا ذكر اسم توفيق المدني ويوسف بن خدة.
وعن حرية التعبير أشار المتحدث إلى أنه لا بد لها من أن تكون مسؤولة، علما أنها ليست حكرا فقط على قطاع الإعلام، وأن تحكمها حدود بمقومات أساسية، كما أن السلطة الرابعة يجب أن تكون لها ضوابط تحميها من نفسها ومن المحيط وإلا أصبح الإعلام عملية عشوائية يستغلها الغير، وبالتالي يصبح الصحفي كمن يحمل السلاح ويطلق النار في كل الاتجاهات. بالمناسبة، أكد المتدخل أن الحرية لا توجد حتى في أعتى الدول الغربية الديمقراطية عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي وبالخيارات السياسية والإيديولوجية؛ بمعنى أنه ليس من السهل على الصحفي الأمريكي أن يزور كوبا ويمجّد كاسترو، ومن المحرم على الصحفي الفرنسي أن يشكّك في المحرقة اليهودية وهكذا.
وفي الأخير أكد السيد عميمور أن المؤسسة الإعلامية الناضجة هي التي تجسّد تطلعات الأمة، وتتجاوب مع القيادة والتزامات الدولة، وتكسب ثقة الرأي العام وتصنعه. كما أن الإعلام ليس حكرا على وزارة ما، بل تشترك معه الطبقة السياسية؛ من أحزاب ومعارضة ومجتمع مدني. والأمة المبعثرة ـ حسب المتحدث ـ لا تعرف صديقها من عدوّها، وبالتالي ينعكس ذلك على الإعلام؛ "فكيف يستقيم الظل والعود أعوج؟!". تدخّل السيدة زهور ونيسي كان مقتضبا، استعرضت فيه علاقة الأخوة والزمالة التي جمعتها بعميمور منذ سنة 1963، واشتغالهما معا في الحقل الإعلامي بمجلة "الجيش"؛ لذلك كُرّما سويا مؤخرا من طرف نائب رئيس الدفاع الوطني قايد صالح.
وأشارت السيدة ونيسي إلى أن الإعلام بدأ مع الحركة الوطنية منذ صحيفة "المبشر" سنة 1837، و«كوكب إفريقيا" سنة 1903، و«الجزائر" سنة 1908 وغيرها كثير كثير؛ وكأن القلم لا يكفّ أبدا عن الكفاح.كما نوّه الوزير الأسبق السيد محمد كشود، بدور الإعلام في زمن الثورة التحريرية على الرغم من وسائله البدائية. وأشار إلى أنه لم يكن إعلاما كما هو اليوم، بل مصالح أخبار واستعلامات موجهة للاتصال بالشعب، الذي كان جله أميّا، ولم يظهر مصطلح "الإعلام" إلا في الحكومة المؤقتة. بعدها فُتح النقاش مع الحضور، تدخّل فيه الكثيرون، منهم المجاهد بغدادي متقاعد من جيش التحرير، وطيار سابق، استعرض براعة الجزائريين في الدعاية.
للإشارة، فقد حرص منشطو الندوة على إشراك أعضاء من الأسلاك الأمنية، لتُعطى مداخلة لممثل الحماية المدنية (المديرية الجهوية للجلفة)، وهذا بعد أن شرف هذا السلك الجزائر في موسم حج 2015، والذي أكد أن الجزائر حققت بالبقاع المقدسة الحضور التام في واقعتي الرافعة والتدافع، وأصبح الحجاج من كل جنسيات العالم، يهتفون باسمها وباسم "حماية حماية" لطلب النجدة من أعوانها، علما أن أغلبهم كانوا يرفعون العلم الوطني حتى في مسار مكان شعائر التروية. وفور حادث التدافع هبّ أعوان الحماية للإنقاذ؛ ليس فقط الجزائريين بل كل الحجاج، والأولوية كانت للأحياء طبعا مهما كانت جنسياتهم، وكان الأعوان أحيانا ينزعون ملابسهم ليغطوا الحجاج الموتى، وتمت أيضا مساعدة حجاج من مالي والباكستان ومصر وإيران واليمن وماليزيا، وغيرهم كثير؛ مما زاد في سمعة الجزائر هناك، وبالتالي تصدرت جميع الدول، وتلقّى أعوان الحماية هناك تهاني الدفاع المدني السعودي. وبالمناسبة، عبّر الأعوان عن افتخارهم بالحجاج الجزائريين المتميزين بوطنيتهم العالية؛ حيث كانوا يتوجهون هناك للحماية المدنية الجزائرية، ليحملوا العلم الوطني ويلتقطوا صورا تذكارية.