مسؤولون فرنسيون سابقون يفتحون النار على سياسته المترنحة

دبلوماسية الجزائر تفضح ماكرون وتفجر الطبقة السياسية في باريس

دبلوماسية الجزائر تفضح ماكرون وتفجر الطبقة السياسية في باريس
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون
  • 173
مليكة. خ مليكة. خ

أحدثت تصريحات روتايو المعادية للجزائر في من يسبح في فلكه من اليمين المتطرّف شرخا كبيرا وسط الطبقة السياسية في فرنسا، وزاد من تعقيدها رضوخ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لضغوط هذا التيار، من خلال إبداء موافقته الشخصية لإجراءات لن تزيد في حقيقة الأمر سوى في تعقيد الوضع الراهن للعلاقات الثنائية، لتقطع بذلك شعرة معاوية التي كان يرجى منها استدراك ما عاث فيه اليمين المتطرّف فسادا في العلاقات بين البلدين.

زلزل التصعيد الفرنسي الأخير الطبقة السياسية في باريس بين مؤيد لموقف بلادهم الجديد ومعارض له، متهمين الرئيس ماكرون بفتح جبهات خطيرة لا غنى عنها، في الوقت الذي ذهب فيه العديد من المحللين الفرنسيين البراغماتيين إلى دق ناقوس الخطر إزاء إصرار اليمين المتطرّف على التلاعب بمصالح بلادهم، في حين تشقّ الجزائر طريقها نحو نسج علاقات استراتيجية مع دول أوروبية أخرى.فحالة الانقسام التي تعيشها الطبقة السياسية الفرنسية أبانت عن فشل سياسة روتايو الذي لم ينقض القانون الدولي في علاقة باريس مع بقية الدول فحسب، بل تجرأ على الدوس على القوانين الوطنية الفرنسية، ما يرهن مصداقية بلد يدّعي احترام القانون والدفاع عن حقوق الإنسان. 

فهذه السياسة التي تفتقد لنظرة استشرافية بعيدة المدى، أثارت استياء نخبة فرنسية لها باع طويل في العلاقات الدولية، على غرار وزيرة البيئة الفرنسية السابقة سيغولان روايال، التي اعتبرت التوترات التي تسبب فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وحكومته بأنها محاولة لـتحويل الأنظار و«هروب إلى الأمام"، بهدف التهرّب من معالجة الأزمات الداخلية التي تعيشها فرنسا.

بل أن روايال، فضحت تلاعبات اليمين المتطرّف الذي كثيرا ما يخرج ورقة الجزائر للتغطية على الأزمات والفوضى التي تعيشها فرنسا بسبب خسارة نفوذها في إفريقيا، متسائلة عن سبب تكليف وزير الداخلية، الذي يحنّ إلى الاستعمار بإدارة العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر.

ونفس الاتجاه ذهبت إليه الحركة الديناميكية للجالية الجزائرية بفرنسا "موداف" التي وصفت القرار بـ«الانزلاق المشين" واعتبرته أحادي الجانب، في حين حذّرت من تغذية الخطابات المعادية للملايين من الفرنسيين من أصول جزائرية.

كما هاجم زعيم "فرنسا الأبية" جان لوك ميلونشون، الرئيس إيمانويل ماكرون، معتبرا أن قراراته "لا تحظى بالإجماع" داخل فرنسا، وأن العدوانية الصادرة عن الحكام تحبط وتقلق وتبعث على اليأس. 

واعتبر ميلونشون، أن الجزائر هي السراب القاتل لأحلام القوة لدى العجز السياسي الذي يعانيه القادة الفرنسيون منذ 1830 وغزو الجزائر، مشيرا إلى أن إرث "أنصار الجزائر الفرنسية" ودورهم المفسد تتصدر في كل مرة واجهة النقاش، كما أدانت البرلمانية الفرنسية ماتيلدا بانو بشدة استفزازات وزير داخلية بلادها ضد الجزائر.

وتجمع النخبة السياسية المعارضة للنهج التصعيدي الذي تتبنّاه باريس تجاه الجزائر، على أن فرنسا قد فقدت بوصلتها بعد خسارتها العديد من الصفقات التجارية، وأن خلفيات الأزمة لم تكن قضية صنصال أو ملف الهجرة بل أنه تم تهميشها بسبب اتباع الجزائر لسياسة تنويع الشراكات الاقتصادية على أساس النّدّية والمصالح المشتركة.فالتطورات الأخيرة كانت بمرتبة ذريعة لحركة سياسية وإيديولوجية تحنّ إلى "الجزائر الفرنسية"، فبينما كان وزير الداخلية برونو روتايو قد اتهم الجزائر بـ"السعي إلى إذلال فرنسا"، نددت الجزائر بـ«موقف اليمين المتطرّف الانتقامي والبغيض الذي يقود حملة تضليل".

بل إن حملة التصعيد وصلت إلى حد مراسلة رئيس حزب التجمع الوطني الفرنسي، جوردان بارديلا، رئيسة المفوضية الأوروبية اورسولا فان ديرلان، من أجل تعليق الاتفاقية الأورو المتوسطية مع الجزائر.

كما لم يتردد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تكليف وزير داخليته  لتقديم طلب لدول منطقة شنغن، التي تسمح بالسفر بين حدودها بدون جوازات سفر، مساعدة فرنسا في تطبيق سياسة تشديد إصدار التأشيرات، لاسيما من خلال استشارة فرنسا لإصدار تأشيرات إقامة قصيرة للمسؤولين الجزائريين المعنيين وجوازات السفر التي يشملها اتفاق 2013، غير أن هذا الطلب قوبل بالرفض بسبب المصالح الاستراتيجية التي تربط هذه الدول بالجزائر. 

وفي المقابل حرصت الجزائر منذ بداية الأزمة على تجنب أي تصعيد وتجنب الوقوع في أفخاخ اليميني المتطرّف روتايو الذي يقود حملة تضليلية مقصودة ضد الجزائر، وسارت على حقل ألغام في إدارة علاقتها المتوترة مع باريس، محتفظة بمواقفها السيادية في ردودها على الحملات الاستفزازية، في الوقت الذي تسعى فيه باريس لاستغلال ورقة الجالية لممارسة ضغوطها على الجزائر غير آبهة بالنصوص القانونية والمعاهدات الدولية.