مراعاة للبعد الاستراتيجي في تسيير الملفات وتحصين المؤسّسات

حماية السيادة الطاقوية في قلب التعديل الحكومي

حماية السيادة الطاقوية في قلب التعديل الحكومي
رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون
  • 144
مليكة. خ مليكة. خ

أضفى التعديل الحكومي الأخير، الذي أقرّه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون الأحد الفارط، بعدا استراتيجيا جديدا في سياق تعزيز السيادة الاقتصادية  والطاقوية  للبلاد، فضلا عن ضمان متابعة الملفات الحيوية التي لها علاقة مباشرة بالمواطن وتكريس ثقافة الدولة في تسيير الشأن العام لضمان شفافية أكبر وتحصين مؤسّسات الدولة من مظاهر الفساد  والعشوائية والبيروقراطية.

يعكس قرار رئيس الجمهورية فصل قطاع المحروقات والمناجم عن الطاقة والطاقات المتجدّدة، رؤية براغماتية، تتطلع من خلالها الجزائر لكسب رهان الاستقلالية بشكل كامل بدءا بالانتاج وصولا إلى التصدير، وذلك بالاعتماد على مواردها البشرية ووسائلها التقنية التي أظهرت فعالياتها على مستوى الشراكة مع بقية الدول الأخرى.ويبدو أن وزير الطاقة والطاقات المتجدّدة مراد عجال قد أدرك جيدا المهمة الموكلة له، عندما أكد خلال تسلّم مهامه على رأس الوزارة الجديدة، عزمه العمل على كسب رهان التخلص من كل أشكال التبعية الاقتصادية في القطاع، لا سيما ما يتعلق باقتناء المعدات والتجهيزات الطاقوية، فضلا عن أولوية  الولوج إلى الأسواق الأجنبية في المستقبل القريب.

والمؤكد أن الوزير عجال الذي كانت له تجربة في نسج علاقات مع دول إفريقية في إطار استراتيجية الجزائر لإقامة منشآت كهربائية، يمتلك رؤية لتعزيز المنحى الذي اتبعته الجزائر في هذا المجال، من خلال العمل على الحد من التبعية فيما يخص ترقية الصناعة المحلية، توفيرا للجهد، الوقت والمال، في سياق تجسيد برنامج رئيس الجمهورية الذي يحرص على  تشجيع الإنتاج الوطني وإعطاء الأولوية  للمنتوج المحلي لتقليص فاتورة الاستيراد.

كما أن هذه الرؤية تندرج في إطار النظرة الاستشرافية للجزائر التي تتطلع لتقوية عمقها الإفريقي، وتعزيز شراكاتها مع دول الاتحاد الأوروبي التي أبدت منذ سنوات اهتمامها بقطاع الطاقات المتجدّدة في الجزائر، بالنظر إلى الإمكانيات الهائلة التي تزخر بها  الجزائر، لاسيما في مجال الهيدروجين الأخضر والموارد الطبيعية الكفيلة بتطوير إنتاج الطاقات البديلة.

ضف إلى هذا فإن اختيار عجال لتسيير هذه الحقيبة الوزارية الجديدة، يجد مبرره في النجاحات المشهودة التي حققتها الشركة الوطنية للكهرباء والغاز "سونلغاز" التي كان يشرف على تسييرها، والتي حظيت في الكثير من المناسبات بإشادة رئيس الجمهورية نظير إنجازاتها والجهود المبذولة من قبل إطاراتها وعمالها، سواء في مجال تعزيز مستوى ربط مساكن المواطنين بالطاقة أو في مرافقتها للمشاريع الكبرى للدولة، سواء التي تحمل الطابع الاجتماعي أو الاقتصادي.

من جهة أخرى، يعد استحداث منصب وزير دولة مكلف بالمفتشية العامة لمصالح الدولة والجماعات المحلية  والذي أوكلت مهمته للسيد ابراهيم مراد، خطوة إيجابية لتكريس الشفافية في تسيير المصالح العامة على مستوى مؤسّسات الدولة. فمن شأن هذه المفتشية التي تقع تحت وصاية رئاسة الجمهورية أن تضفي الانضباط على سير المؤسّسات لتفادي الوقوع في أخطاء التجارب الماضية، مع إلزام إطارات الدولة بالتحلي بالمزيد من الحرص في سلوكياتهم  إزاء كل ما يخص الشأن العام. ومن ثم إعداد تقارير موضوعية سيتسنى عبرها الاطلاع عن الواقع عن قرب. وكان رئيس الجمهورية قد أكد في عديد المناسبات على ضرورة محاربة كل أشكال التبذير والتسيير العشوائي على مستوى الإدارات، فضلا عن  السلوكيات التي تتعمد  تعطيل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي لها علاقة مباشرة بالواقع المعيشي للمواطن، 

مع إصراره على محاسبة  كل المتورطين وفق ما يقتضيه القانون.وبخصوص إلحاق قطاع النقل بوزارة الداخلية والجماعات المحلية بقيادة السيد سعيد سعيود، فإن ذلك يؤكد جليا إرادة الرئيس تبون في ضمان متابعة هذا الملف الحساس الذي شغل الرأي العام الوطني خلال الصائفة بعد حادث سقوط حافلة بواد الحراش وخلف ضحايا. فقد خصّص رئيس الجمهورية اجتماعا لقطاع النقل بعد هذا الحادث، قرّر خلاله الاستيراد الفوري لعشرة آلاف حافلة جديدة لنقل المسافرين لتعويض القديمة، تحت إشراف وزارة الصناعة، إلى جانب الاستيراد العاجل والمكثف لمختلف أنواع عجلات المركبات، فضلا عن الاتفاق على إعداد تشريعات جديدة لتنظيم حركة المرور، لا سيما ما يتعلق بكيفيات تسليم رخص السياقة، وضمن قراراته تعليمات وأوامر وجهها بشكل مباشر للوزير سعيود، التي سيتولى متابعة هذا الملف إلى حين تنفيذه كاملا.

وستكون مهمة الوزير الجديد مرتكزة على إشراك كافة الفاعلين في الجماعات المحلية  من ولاة  ومختلف الأسلاك الأمنية  من أجل إيلاء هذا الملف الاهتمام الكافي، مع  تفادي الأخطاء السابقة، والتي يترتب الكثير منها عن يوق التنسيق والتعاون بين القطاعات على المستوى المحلي، ما يكلف حياة المواطن ثمنا باهظا.