المحامي المتخصص في قضايا الهجرة كسيلة زرقين لـ"المساء":
حقائق مخفية وراء ظاهرة "الحراقة".. ولا تصدّقوا كلّ شيئ

- 1744

❊ إلغاء قانون تجريم "الحرقة" بوسعه إعادة الأمل
❊ تقييد أوروبا لحرية التنقل شجّع على تنامي قوارب الموت
أكد المحامي المتخصص في قضايا الهجرة، كسيلة زرقين، أن ظاهرة الهجرة السرية المعروفة محليا بـ"الحرقة"، لا ترتبط فقط بأسباب اقتصادية مثلما يسوق له البعض، وإنما لديها دوافع اجتماعية وثقافية وأسباب أخرى تتعلق بقوانين تضيق على حرية تنقل الأفراد أصبحت تسنّها الدول الرأسمالية، وتتبعها عمليا بغلق الحدود واعتماد شروط تعجيزية لمنح التأشيرات، ما يجعل الأفراد ـ حسبه ـ ينزعون إلى سبل غير قانونية للخروج من أقاليم بلدانهم.
ودعا المحامي في تصريح لـ "المساء" إلى إلغاء قانون تجريم "الحرقة" الذي صمم في العهد السابق، مبرزا أهمية إعطاء فرص كثيرة للحريات والاعتناء بالجانب الثقافي والترفيهي والرياضي بالأحياء "التي تحولت إلى مراقد"، من أجل الإسهام في الحد من "الحرقة".
وعلّق الأستاذ كسيلة زرقين، وهو محام متخصص في قضايا الهجرة وسبق وأن شارك بتجربته في عدة ندوات أوروبية ودولية حول ظاهرة الهجرة السرية، لا سيما في حوض البحر الأبيض المتوسط، على تضخيم البعض لعودة ظاهرة الهجرة السرية خلال الشهر الماضي، حيث تم تسجيل عبور 451 مهاجر سري إلى الضفة الشمالية، مع إحباط محاولات عديدة على طول الشريط الساحلي بالقول إن عمليات الهجرة لم تتوقف وإنما الكشف عنها يتم عندما يتم إحباط محاولات أو التبليغ من طرف المنظمات المتخصصة في متابعة الهجرة السرية في حوض المتوسط، فضلا عن إصدار شرطة حدود دول الاستقبال لتقارير وبيانات بشأن المهاجرين السريين.
من السذاجة اختزال الأسباب في الدوافع الاقتصادية
أما بخصوص الأسباب التي تحرك الظاهرة فيعتبر الأستاذ زرقين، أنه "من السذاجة الاعتقاد بأن الأسباب الحقيقية التي تحرك الأفراد نحو الهجرة السرية هي اقتصادية محضة مرتبطة بالبحث عن فرص الشغل". وأوضح المتحدث في هذا الخصوص بأن اشتغاله على ملفات الهجرة السرية، أبان له بأن بعض الشباب من أصحاب المشاريع الاقتصادية، قاموا ببيع عتادهم الذي دعمتهم به الدولة في إطار آلية "اونساج" من أجل تأمين عملية العبور نحو أوروبا.. "كما أن هناك فئات من "الحراقة من ذوي المستوى الجامعي وحتى بعض ميسوري الحال"، ما جعله يؤكد بأن "الأسباب الاجتماعية والثقافية تبرز بقوة أكثر من غيرها لتظهر الحقائق المخفية وراء ظاهرة الهجرة السرية".
وأضاف محدثنا أن المعطيات التي اشتغل عليها أثبتت أن بعض الأحياء التي ينحدر منها بعض "الحراقة"، لا تعدو تكون سوى "مراقد" تنعدم فيها الفضاءات الثقافية والترفيهية والرياضية التي من شأنها تنمية طاقة الشباب وتفجرها، لانتشاله من الوحدة وحالة الركود التي تخيم على يومياته، مشيرا إلى أنه في المقابل، فإن التنمية الثقافية والسياحية والانفتاح التي تشهده كل من تونس والمغرب ساهم في تقليص أسباب إقبال الشباب على المغامرة في عرض البحر وشجعهم على الاستقرار في ببلدانهم، قبل أن يخلص في هذا الشأن إلى أنه "كلما قلت الفوارق الترفيهية والثقافية بين بلدان شمال المتوسط وجنوبه اقتنع الشباب بالبقاء ببلدانهم وعدم المغامرة في قوارب الموت".
راكبو قوارب الموت ليسوا فارين دائما من الحروب
كما أكد الأستاذ زرقين، في نفس السياق بأن المهاجريين السريين ليسوا دائما فارين من الحروب والنزاعات، وهذا ما يثبت ـ حسبه ـ بأن العوامل الأمنية والاقتصادية ليست بالضرورة الدوافع البارزة في فعل "الحرقة" .
ويشكل الإرث الثقيل الذي ورثته الجزائر من العشرية السوداء وما تلاها عبئا ثقيلا يظهر ـ حسبه ـ في العديد من الأحياء التي شيدت بشكل منفصل تماما عن الجو العام الذي يعيشه الشاب في اطار العولمة التي كسرت كل الفوارق بينه وبين غيره. كما يضاف إلى ذلك، وفق تصريح الأستاذ زرقين، "ظاهرة العنف التي تطال النساء بالدرجة الأولى، حيث يتعرضن للتضييق وربما التحرش بمحيطهن، مما يجعلهن ينزعن إلى الهجرة التي لا يحققنها إلا سريا عندما لا تتاح لهن سبل الهجرة الشرعية".
تقييد تنقل الأفراد بالدول الرأسمالية وراء تنامي الظاهرة
ويحمّل المحامي كسيلة زرقين، مسؤولية تنامي الهجرة السرية أيضا لسياسات الهجرة التي تعتمدها الدول الرأسمالية، والتي لم تتوان ـ حسبه ـ في وضع القوانين المقيدة لحرية تنقل الأفراد عن طريق تخصيص حصص قليلة من التأشيرات وفرض شروط تعجيزية لمنحها، "فضلا عن اعتماد هذه البلدان على طرق تميزية وأحيانا عنصرية في منح التراخيص للدخول إلى أراضيها، مقابل فرض سلعها على بلدان الضفة الجنوبية التي تعتبرها سوقا وفقط".
ويرى المحامي، أن هذه المعادلة غير المتكافئة لبلدان اتجاه أخرى، تراكمت وغذت فعل الهجرة السرية، وعلى هذا الأساس كانت توصياته في الندوات الأوروبية المتعلقة بهذا الملف تركز على ضرورة رفع القيود أمام تنقل الأشخاص ووضع سياسة متوازنة غير قائمة على استغلال دول ضفة الشمال لدول ضفة الجنوب.
وردا عن سؤال متعلق بالتعاون بين الدول الأوروبية ودول شمال إفريقيا للحد من الهجرة غير الشرعية، شكك محدثنا في وجود أية نية صادقة لدى دول الشمال للتعاون في هذا المجال، قائلا في هذا الصدد "كل ما تريده هذه الدول هو فرض توصياتها على البلدان التي تنطلق منها قوارب "الحراقة"، حيث تريد هذه الأخيرة من الجزائر مثلا، أن تقوم بتجنيد إمكانياتها البشرية والمادية الخاصة لمنع تدفق المهاجريين السريين نحوها".
لا بد من إلغاء قانون تجريم الحرقة
من جانب آخر، انتقد محدثنا قانون تجريم فعل "الحرقة" الذي تم وضعه في سنة 2009، مشيرا إلى أن "هذا القانون أثبت فشله وبالتالي لا يوجد أي سبب للإبقاء عليه". ونصح في المقابل بتحسين المناخ العام الثقافي والاجتماعي ومحاربة العنف، فضلا عن فتح مجال الحريات أمام الشباب بشكل يقلص الفوارق بينهم وبين شباب ضفة الشمال، ويجعلهم يتقبلون البقاء في أوطانهم وعدم المغامرة عبر قوارب الموت".
كما أبرز المحامي زرقين، أهمية تفعيل الجهود الدولية على مستوى تكتلات تتيح تبنّي سياسة أكثر انفتاحا في مجال تنقل الأفراد، من خلال منح التأشيرات التي تمكن للمتحصلين عليها من الدخول والخروج بشكل قانوني منظم.