الظاهرة في تفاقم ومختصون يدقون ناقوس الخطر

جرائم القتل تستفحل في الجزائر

جرائم القتل تستفحل في الجزائر
  • القراءات: 2054
أسماء منور أسماء منور

27 من المائة من المجرمين شباب دون الثلاثين

* البروفيسور زيري: الاختلالات النفسية فاقمت من حدة الظاهرة

* الأستاذ كورتل: المجرمون لا يخافون العقاب ويجب تفعيل حكم الإعدام

* الأستاذ بورايو: كثرة القتل العمدي سببها تربية الشباب في الشوارع

تصفية حسابات قديمة، ديون عالقة، خيانة زوجية، سرقة هواتف نقالة.. تعدّدت الأسباب والموت واحد، فلا يكاد يمر يوم إلا ويستيقظ الجزائريون على نبأ إزهاق أرواح بريئة بأبشع الطرق، أغلبها بالسلاح الأبيض، أما الضحايا، فهم نساء وأطفال وشباب في مقتبل العمر، فارقوا الحياة دون أن يعرفوا بأي ذنب قتلوا. مجرمون أمنوا العقاب فأساؤوا الأدب، وحكموا بالإعدام على أشخاص أبرياء، فلم يكتفوا بالمشاجرة، بل امتدت سلوكاتهم الى الترويع وقتل ضحاياهم والتفنن في التنكيل بجثثهم.

أثار تعدّد الجرائم وتواليها موجة استياء شعبي، بعد أن تحولت الجرائم إلى قضايا رأي عام، وطالب كثير من الجزائريين بتوفير الأمن في مختلف الشوارع والمدن، وتسليط أقصى العقوبات على المجرمين. كما أجمعت ردود الأفعال الغاضبة على ضرورة التطبيق الصارم للقانون، وعدم التساهل مع المجرمين، سواء في الأحكام القضائية أو في قرارات العفو التي يراها البعض سببا في تزايد منسوب الجريمة. تشير حصيلة جرائم القتل التي سجلتها مصالح الدرك الوطني والشرطة إلى وقوع جريمة قتل بشكل يومي، حيث لقي 20 شخصا مصرعهم منذ بداية شهر أوت إلى يومنا هذا، وسط تساؤلات عن الأسباب التي تقف وراء كثرة الهرج. وتحولت عدة ولايات في الوطن إلى مسارح لجرائم قتل مروعة ومتسلسلة، راح ضحيتها نساء وأطفال وشباب في عمر الزهور، والملفت في الأمر هو أن غالبيتها تمت بالطريقة نفسها، بعد أن استعمل الجناة السلاح الأبيض لتوجيه طعنات غادرة وقاتلة لضحاياهم.

ولعل أبرز الجرائم التي هزت الرأي العام، تلك التي شهدتها الأسبوع الماضي ولاية عنابة عقب قيام رجل  بقتل زوجته وأولاده الثلاثة خنقا، حيث استعان في  جريمته بحبل عثر عليه المحققون في مسرح الجريمة، وقام بواسطته بخنق زوجته البالغة من العمر 40 عاما، وأطفاله الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و15 سنة. كما وقعت جريمة أخرى غرب البلاد وتحديدا بولاية وهران، حيث أقدم شخصان على قتل مراهق يبلغ من العمر 17 عاما، بطعنات غادرة، كما لقي شاب في الـ20 من عمره حتفه بولاية تلمسان إثر طعنات خنجر أردته قتيلا من قبل مجهولين. وبالطريقة ذاتها، أزهقت روح شاب آخر من ولاية جيجل بنفس عمر ضحية تلمسان، بعد أن وجّهت له طعنات غادرة على مستوى القلب.

وبالأمس غير البعيد، أردى شاب في ولاية باتنة والده قتيلا بعد أن اعتدى عليه بالرفش بمشتة بويخليجن، دون تحديد أسباب الجريمة. ومن أكثر حوادث القتل غموضا التي شهدتها الجزائر في الأيام الأخيرة، تلك التي شهدتها الشهر الماضي ولاية ميلة، بعد أن تم العثور على جثة عروس متزوجة حديثا تبلغ من العمر 29 سنة، في حالة متقدمة من التعفن، فارقت الحياة جراء تلقيها طعنات بواسطة آلة حادة في أنحاء متفرقة من جسدها، حيث كانت آثار العنف والتنكيل بادية عليها، وهو ما يؤكد شبهة ارتباط حادثة الوفاة بعمل إجرامي تم تنفيذه بحق الضحية في منزلها. وتحول عراك بين مسبوقين قضائيا وأستاذ في اللغة الفرنسية، وهو صاحب محل للهواتف النقالة، إلى حلبة نزال بالسكاكين والسيوف الحادة والعصي والحجارة، انتهى بمقتله بعدما هاجموه داخل محله الصغير بالصومعة بالبليدة، لينتقموا منه إثر رفعه لدعوة قضائية ضدهم فيما مضى، أدت الى سجنهم بتهمة التعدي على الغير.

اللاخوف من العقاب فاقم جرائم القتل

يقول المستشار القانوني، الأستاذ عبد الحفيظ كورتل، إن جرائم القتل صارت طاغية ومتكررة، بل وأصبحت متسلسلة، تمس عائلة بأكملها، مع استخدام السلاح الأبيض في كل الجرائم، مشيرا إلى وجوب القيام بدراسات من قبل خبراء في الإجرام للخروج بحلول مستعجلة. وأضاف أن هذه الجرائم أصبحت تمس فئات شبانية وعائلية، مما يدل على أن مؤشر الجريمة في تصاعد كبير، والتي تجّلت أبشع مظاهرها في القتل المصحوب بالتنكيل، وبشكل علني، وفي الشوارع الرئيسية، بعد أن كانت فيما مضى تتم في سرية تامة، ما يعني أن المجرمين لم يعد يتسلل الخوف إلى نفسياتهم، وترسخت لديهم ثقافة اللاخوف، باعتبار أن عقوبة الإعدام لن تمسهم حتى وإن تم النطق بها.

ويؤكد الأستاذ كورتل، أن استهلاك المخدرات وتعاطيها زاد من حدة الأمر، مع انعدام الخوف من سلطة الدولة والقانون، مشيرا إلى أنه لابد من تفعيل عقوبة الإعدام، خاصة فيما يتعلق بعقوبة القتل الوحشية، وهي التي تصنفها بعض الأنظمة في الفئة الأولى، التي لا تقبل فيها أي أعذار ويمر فيها المتهم إلى غرفة الإعدام مباشرة، باعتبار أن الردع هو رسالة لعامة المجتمع ولنفسياتهم، بأن القاتل يقتل. وشرح أستاذ القانون طرحه، بأن مجرد تطبيق حكم الإعدام في القتلة، سيؤدي إلى إثارة الخوف في نفوس الغير، مذكرا بالجرائم المروعة التي راح ضحيتها أطفال صغار، خلال السنوات القليلة الماضية.

ويرى ذات المتحدث، أن الظرف الحالي يفرض ضرورة إعادة النظر في تدابير قانون العقوبات، مشيرا إلى أن الإشكال المطروح حاليا هو أن المسبوقين كانوا متهمين بجرائم بسيطة، ولكن كانت لديهم النية المبيتة في الانتقام، كما حدث في ولاية البليدة، ولذلك، فإن الظاهرة تحتاج إلى معالجة اجتماعية.  ويعتقد المتحدث، أنه يجب تصنيف جرائم القتل حسب الفئات، حيث تكون عقوبة الإعدام للفئة الأولى وهي القتل المتعمد، على أن يتم تكييف باقي الفئات حسب نوع جريمة القتل المرتكبة، بالإضافة إلى مداهمة أوكار الجريمة، وتعقب حاملي الأسلحة البيضاء لأنهم ببساطة يعدون مشروع قتلة جدد.

وذكر المستشار القانوني، أن الأولياء يتحمّلون قسطا من المسؤولية، لعدم تنشئة أبنائهم ومنحهم التربية اللازمة والسلوك الرزين، وتركهم لمصيرهم المحتوم، وهو الشارع الذي يتولى تربيتهم بكل مساوئه، مرجعا تسجيل البلاد أكبر نسبة جريمة خلال أسبوع واحد إلى الفراغ الذي يستغله ضعاف النفوس كدافع لارتكاب جرائمهم. من جهتهم، دق أخصائيون في علم النفس والأمراض العقلية ناقوس الخطر، بعد ما وصفوا ما حدث مؤخرا بالتزايد المخيف في نسبة الجريمة في البلاد.

في هذا الشأن، قال البروفيسور عباس زيري، مختص في الأمراض العقلية بالمركز الاستشفائي الجامعي لتيزي وزو، في تصريح لـ«المساء، إن الانتقام والاختلال العقلي للمجرمين، أدى إلى استسهال القتل، حتى أصبح بالنسبة لهم مجرد فعل لا تكون نهايته المحتومة إعدامهم، ما جعلهم في اطمئنان تام، حيث أن الجرائم تنتشر بكثرة في المدن أكثر من الأرياف. وحسب الأستاذ زيري، فيمكن تفسير هذا التباين الموجود بين إجرام الريف والمدينة، فيما يخص جريمة القتل العمدي، إلى الاختلاف في طبيعة المعايير السائدة في البيئتين الريفية والحضرية، "فالمناطق الريفية، تتميز بشدة تمسكها بالقيم الاجتماعية وخاصة فيما يتعلق بقضية الشرف، حيث ينظر إليها بنظرة مقدسة وأي انحراف عن هذه المعايير، لا يمس الفاعل لوحده، بل تلحق الوصمة بكل أفراد العائلة أو كما يعرف بـ«الدشرة، وغالبا ما ترتكب جرائم القتل بسبب الزنا أو الخيانة الزوجية، كما تتميز أيضا المناطق الريفية بنظرة الأفراد إلى الأرض بنظرة مقدسة حيث تحتل الأرض مكانة كبيرة لديهم".

وأرجع المختص في الأمراض العقلية، تزايد الجرائم، خاصة في الوسط العائلي، إلى الخلافات التي تنشب بسبب الميراث، والتي تتطور في بعض الحالات إلى جرائم قتل بين المتخاصمين. كما نجد أيضا بعض المناطق الريفية مازالت تتشبث بالثأر، حيث تعتبره مبدأ لا يمكن التنازل عنه من خلال القيم الموروثة من طرف الأجداد وخاصة في المناطق التي تتميز بتركيبة قبلية، وهذا عكس ما هو سائد في المناطق الحضرية، حيث يتم اللجوء إلى مؤسسات الضبط الاجتماعي الرسمية والمتمثلة في المؤسسة القضائية.  وخلص البروفيسور في هذا الصدد، إلى أن غياب التنظيم في المدن الكبرى، ساهم في خلق مشكلات اجتماعية، وهذا ما أدى إلى ظهور بيئة حاضنة للجريمة بمختلف أشكالها، كانتشار الأسواق الفوضوية ومحطات نقل المسافرين والأحياء القصديرية، التي تزايد عددها خلال الأزمة الأمنية التي مرت بها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي.

استقالت الأسرة من التربية.. فعوّضها الشارع

من جانبه، يرى الاستاذ محمد بورايو، أستاذ محاضر في علم النفس التربوي بجامعة الجزائر 2، أن الشخص الذي يعاني من الفراغ ولا يفكر في عمله أو أي شيء يلهيه، سينتهي به الأمر إلى ارتكاب الجريمة بمختلف أنواعها بما فيها القتل. ومن بين الأسباب التي قدّمها الأستاذ بورايو، قابلية الشخص للإجرام، وضعف شخصيته، ونمو الرغبة في الانتقام من كل شخص أهانه أو استغل ضعفه، وهو الأمر الذي أجّج الرغبة في تصفية الحسابات وعدم الشعور بالرضا إلا من خلال الثأر.

ومن الأسباب التي ساهمت بشكل كبير في تأجيج فتيل القتل، حسب محدثنا، عامل الفقر الذي زاد من حجم الضغوط على الكثير من العائلات، بالإضافة إلى ضيق المنازل، التي تؤثر سلبا على نفسية الشخص، ليبحث عن متنفس لا يجده إلا من خلال القتل والتنكيل في المقتول حتى ولو كان لأتفه الأسباب. كما أن غياب الوازع الديني، وسوء التربية، الناتج عن تخلي الأسرة عن دورها في التنشئة السليمة، أدى الى تفاقم الأمور، حيث يتخذ المجرمون من الشارع مرجعا لهم، يتعلمون فيه كل ما هو مسيء، في ظل غياب الرادع الذي تكون نتيجته الحتمية، ارتكاب الجرائم بشتى أنواعها.

106 جريمة قتل منذ بداية السنة

بالاعتماد على الإحصائيات الرسمية الصادرة عن مصالح الدرك الوطني، نلاحظ  ارتفاعا غير مسبوق في مستويات الظاهرة الإجرامية، على المستوى الوطني وخلال فترات زمنية متقاربة، كما أن حجم الجريمة المسجلة بين مختلف المدن الجزائرية وتطورها في تزايد رهيب. وتنميط الجريمة، حسب التصنيف المعتمد في قانون العقوبات الجزائري، يشير إلى أن جرائم الاعتداء على الأشخاص مثل القتل العمدي، فاقت كل المعدلات، كما نلاحظ بأن هناك اختلافا بين إجرام الريف وإجرام المدينة في المجتمع الجزائري، فيما يخص الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص، حيث تكشف الحصيلة المتعلقة بجرائم القتل التي عالجتها مصالح الدرك الوطني خلال الفترة الممتدة ما بين 1 جانفي 2022 و31 أوت المنصرم، أن عدد جرائم القتل المرتكبة بلغ 106 جريمة. ومن حيث الولايات الأكثر تسجيلا لجرائم القتل، احتلت ولاية سطيف الصدارة بثمانية جرائم قتل، تلتها ولايتي وهران والعاصمة بسبعة جرائم مرتكبة. وبلغ عدد مرتكبي جرائم القتل العمدي ومحاولاته، من قبل فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و30 سنة، 164 شاب، أغلبهم من فئة الذكور.

وحسب الأستاذ زيري، تشير الأرقام الصادرة عن مصالح الدرك الوطني، إلى أنه للتمدن آثار واضحة في ارتفاع نسب الإجرام مقارنة بالمناطق الريفية، وهذا راجع للخصوصية التي تتميز بها المناطق الحضرية من حيث ارتفاع الكثافة السكانية، وتمركّز المؤسسات الحيوية الصناعية منها والتجارية والإدارية، التي تعد هي بدورها، مراكز جذب للسكان من مختلف الفئات الاجتماعية، ومنها الفئات التي تقوم بارتكاب الجرائم، باعتبار أن المدينة بالنسبة لهم تعتبر بيئة خصبة لما توفره من أهداف، وذلك من خلال الأماكن التي يسهل فيها ارتكاب أفعالهم الإجرامية دون الوقوع في يد السلطات الأمنية. وأضاف محدثنا أن هناك تباينا واضحا بين عدد الجرائم المسجلة، فيما يخص جريمة القتل العمدي بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية، والملاحظ أن مستوى هذه الجريمة يرتفع في المناطق الحضرية أكثر منه في المناطق الريفية، حيث تم تسجيل 170 جريمة في المدن مقابل 82 قضية في الريف.