الإعلان عن تأسيس لجنة "استنفار لمقاطعة إسرائيل"

جبهة تصدٍّ لمحاولات التطبيع

جبهة تصدٍّ لمحاولات التطبيع
  • 730
مريم. ن مريم. ن

عقد الأستاذ والإعلامي محمد بوحاميدي أمس، لقاء أعلن فيه عن تأسيس لجنة "استنفار لمقاطعة إسرائيل"، وهذا بعد سلسلة لقاءات مع عدة شركاء قصد التصدي لسياسة التطبيع المنتهجة عند البعض بقصد أو بدون قصد. كما تم، بالمناسبة، استضافة المسؤول عن فوج "بي دي آس الجزائر" على الفايسبوك المناهضة للتطبيع ومناصرة القضية الفلسطينية.واستعرض اللقاء أيضا أخطار التطبيع على الجزائر وعلى التزاماتها وعلى أمنها القومي، علما أن الحديث تركّز، بشكل أساس، على الجانب الثقافي والتاريخي. وأكد السيد بوحاميدي لدى افتتاحه اللقاء، أن المبادرة تمت بدون وساطة أو طلب؛ إذ تمثل تحركا عاديا لنصرة فلسطين وضد أي تطبيع مع الكيان الإسرائيلي، متأسفا لما يحدث من ملامح التطبيع، علما أنه غالبا ما يتم ذلك بوساطة فرنسية، وباستهداف بعض المثقفين والفنانين الذين يجدون أنفسهم يشتمون بلادهم، ويتخلون عن قضاياها الهامة، وذلك عبر المنابر الأجنبية التي تُفتح لهم "مجانا" رغم تواضع إبداعاتهم.
وتهدف هذه اللجنة إلى توعية الرأي العام الوطني بما يحدث من مؤامرات داخلية وخارجية، فالواقع الراهن ذو النزعة التطبيعية، يهدد بالسوء، خاصة في بلد كالجزائر كان يعتقد أنها مؤمَّنة من مثل هذه المحاولات، والمعروفة بمناعتها وبمواقفها من هذا التطبيع. وعاشت الجزائر، كما أشار بوحاميدي، منعرجا خطيرا بدون أن ينتبه إليه أحد، وعند الخروج منه انكشفت سلبياته، منها انتهاج جهات وتيارات عندنا سياسة التطبيع المعلن والصامت؛ مما أثار مخاوف الجزائريين، علما أن الجزائر كانت دوما حاضنة لفلسطين، خاصة في الأوقات العصيبة، وشهدت أيضا الإعلان عن ميلاد الدولة الفلسطينية. وأشار المتحدث أيضا إلى أن اللجنة لاتزال تؤسس لإطارها النظري؛ قصد مسايرة ما يجري من تغيرات ومفاهيم ومصطلحات جديدة.
وجاء في اللقاء أن النماذج المطبعة خاصة منها العاملة في الشأن الثقافي والتي تستهدف الجزائر وتاريخها، أصبح مرحَّبا بها، ويتم الترويج لها لتكون قدوة للجزائريين كي يتم محو الذاكرة والهوية، خاصة ما تعلّق بثوابت الدولة الجزائرية المستقلة، والخطر يكمن في الترويج لهذه النماذج المشبوهة داخل الوطن، والعمل على تحسين صورتها عند الشعب، هذا الأخير الذي ارتبط بنماذج عظيمة صنعت تاريخه وتاريخ العالم ابتداء من أبطال الثورة إلى المثقفين والسياسيين الجزائريين الشرفاء، إلى شرفاء العالم من جميلة بوحيرد ولومونبا وشيغيفارا وغيرهم الذين كانوا رمزا لهويات شعوبهم. وبعدها قدّم المحاضرة الأولى الباحث والمخرج السينمائي علي بلود، الذي استعرض "جذور التضامن بين الجزائر وفلسطين منذ الحركة الوطنية"، وكيف أن أبجديات الحركة الوطنية اعتمدت مناصرة فلسطين منذ الإعلان عن اغتصابها، وقد أسهب المحاضر في سرد الروابط التاريخية بين الشعبين منذ الفترة الكنعانية، وصولا إلى الفترة العثمانية، لكنه أكد أن مناهضة الصهيونية لا تعني استعداء اليهود؛ إذ إن من بينهم جزائريين أبلوا البلاء الحسن في الثورة بعدما لاقى بعضهم ويلات الاستعمار، واستمر هذا الولاء حتى بعد الاستقلال، كما هو الشأن مع وليام سبورتيس، الذي ندّد وهو بالسجن، باعتداء 1967. وخلص المحاضر إلى أن التطبيع مع إسرائيل هو خيانة لتاريخ الحركة الوطنية والثورة، وخيانة لأطفال فلسطين وشهدائها ومهاجريها.
المحاضرة الثانية نشّطها الأستاذ بوحاميدي، وتركزت على الجانب الثقافي، بدأها بزجّ الجزائر قصد المشاركة في مهرجان لوكارنو السينمائي، علما أن المهرجان حضرته إسرائيل ليس بصفة فنية، بل كهيئة تابعة لوزارة الشؤون الخارجية لها بمؤسسة "فود فيلم"، واستهدفت نشر دعايتها، وقبلها كانت قد جنّدت سفاراتها عبر العالم لتحسين صورتها وتقديم إعانات للمطبّعين معها قصد خدمتها دعائيا. وهنا أكد المتحدث أن المشكل ليس في برمجة فيلم، بل في محاولة التطبيع وحضور دولة إسرائيل نفسها، لكن شرفاء الجزائر تحركوا ومنعوا ذلك وتراجعت المشاركة، مؤكدا أن بعض الجهات المتواطئة خاصة في مجال الإعلام الخاص، وصفت المثقفين المقاطعين للتطبيع بالنازيين.
الصدمة الكبرى كانت في 2008 أثناء الصالون الدولي للكتاب بباريس، التي احتفلت بالذكرى الـ60 لتأسيس إسرائيل، واحتفلت، بشكل هيستيري غير مسبوق، بالكاتب الجزائري صنصال المعروف بالتطبيع وبتهجمه على الثورة الجزائرية التي كان يصفها بالنازية ويروّج عن الجيش الوطني الشعبي بعد الاستقلال، بأن النازيين هم من أطروه، وذلك في روايته "قرية الألماني"، وهو ما كشفه المثقفون الجزائريون الشرفاء، وأكدوا تاريخيا أن هذه القرية كان بها السويسريون بسطيف، وعلى رأسهم المناضل الرمز مؤسس الصليب الأحمر الدولي روني دوتور، كما حملت الرواية بعض الطقوس اليهودية الخاصة بغسل الذنوب. وفي الوقت الذي حرصت بعض دور النشر على الحضور رفض ضيف الشرف الشاعر اليهودي الكبير عارون شابلاط، المشاركة؛ لأنه يرفض أن يمثل إسرائيل التي تقتل وتدمّر. وهنا تحرك المثقفون الجزائريون للمقاطعة، ووصل تحركهم إلى المغرب وتونس ومصر والأردن، فقاطعت هي الأخرى، وتم بالمكتبة الوطنية تنظيم معرض للكتاب ونشاطات ثقافية أخرى أهديت لغزة، ومن ذلك الوقت أصبح المثقفون بالمرصاد لمثل هذه الانزلاقات، خاصة عند استضافة مساندين للصهيونية بالجزائر. كما تحدّث المحاضر أيضا عن مصطلح "مواطن العالم"، الذي يراد به التنكر للقضايا الوطنية وعدم التزام المثقفين بها.
وبالمناسبة، تحدّث المحاضر عن المشهد الثقافي الذي بات يفقد بعض رموزه التي بزغت بعد الاستقلال؛ مما تسبب في انقلاب القيم وعودة التهديدات الاستعمارية من باب الثقافة على يد بوعلام صنصال وأحمد قاسمي وياسمينة خضرا، الذين أصبحوا الرمز والقدوة، والذين يذكّرون بمحاسن الاستعمار وبالأخوّة بين الجزائريين والأقدام السوداء، علما أن حتى بعض أبناء الأقدام السوداء ثاروا ضد فرنسا، منهم هنري علاق، وأصبح أي نقد لهؤلاء غير مسموح به رغم تواضع أعمالهم ورغم أن النقد مطلوب في أية عملية إبداعية.
وتَقدم بعدها السيد رضوان سمار مؤسس فوج "بي دي آس الجزائر" (مقاطعة الاستثمارات والتطبيع) على الفايسبوك؛ حيث أكد أن حب فلسطين ترعرع بداخله من أبيه، مذكرا بأن هذه التجربة وليدة 7 سنوات للتصدي وفضح المشروع والمخططات الإسرائيلية. وتم التركيز في العملية على شهداء فلسطين، خاصة من أطفال غزة لتوعية العالم، ثم تحوّل العمل إلى الدعوة عالميا لمقاطعة منتجات إسرائيل وحلفائها وسحب الاستثمارات منها، وتم بالمناسبة تكوين لجان، وتوعية الشباب سياسيا وتأطيرهم للانخراط. كما التقت "المساء" في هذا اللقاء، بالسيد عبد الكريم حمادة، وهو صحافي متقاعد من وكالة الأنباء الجزائرية، الذي أكد بدوره، أن بعض المثقفين والفنانين ينساقون وراء أطماعهم على حساب مبادئ بلدانهم، وهناك منهم من يجرؤ على الشتم، وقد رفض بالمناسبة كل الحضور، مشاركة المخرج الجزائري مرزاق علواش في مهرجان حيفا بفيلمه "مدام كوراج"؛ لأنه بذلك يخدم الدعاية الإسرائيلية بأموال جزائرية دعّمت الفيلم.