النائب بلعربي مؤكدا أن فرنسا ملزمة بتحمل مسؤولية جرائمها:
تشكيل لجنة لإعادة بعث مشروع تجريم الاستعمار

- 1614

أعلن النائب كمال بلعربي صاحب مقترح تجريم الاستعمار، في تصريح لـ "المساء" تشكيل لجنة برلمانية تضم نواب من مختلف التشكيلات السياسية، لإعادة بعث مقترح مشروع تجريم الاستعمار، المجمد على مستوى مكتب المجلس، منذ أربعة أشهر عن إيداعه، معتبرا أن الظرف أصبح مواتيا لرد الاعتبار للجزائريين ومطالبة فرنسا بالاعتذار وتحمل مسؤولية الجرائم التي ارتكبتها بالجزائر طيلة الحقبة الاستعمارية.
وأوضح النائب الحر أنه قام بإيداع طلب مكتب المجلس الشعبي الوطني، مرفوق بقائمة تضم 120 توقيعا لنواب من مختلف التشكيلات السياسية، يدعو إلى ضرورة الإجابة على مقترح قانون تجريم الاستعمار الفرنسي الذي رفع للمكتب يوم 28 جانفي 2020، وتحويله للحكومة للبث فيه وعدم إبقائه حبيس أدراج المكتب، حتى ترد الحكومة بشأنه سواء بالرفض أو الإيجاب.
وأضاف النائب عن ولاية وهران، أن إعادة بعث المقترح، بعيد عن التوظيف الظرفي لأية أزمة سياسية بين باريس والجزائر، "بل هو مرتبط بموقف ثابت ومؤسس على وقائع تاريخية، تبرز الأثار السلبية للاستعمار الفرنسي بالجزائر، سواء تعلق الأمر بالجانب البشري والإنساني كجرائم القتل والإبادة والتخريب أو بالجانب الاقتصادي ولاجتماعي والثقافي، حيث تحملت الجزائر نتائج الاستعمار الذي بدأ منذ سنة 1830.
وفي رده عن سؤال خاص بتزامن بعث المقترح والأزمة التي أحدثها الوثائقي الذي بثته قناتي "فرانس 5" و"أل سي بي" حول الحراك الشعبي بالجزائر وما تضمنه من تشويه للحراك وللواقع العام في الجزائر، وما ترتب عنه من احتجاجات في الجزائر التي استدعت سفيرها بباريس للتشاور، قال كمال بلعربي أن "التطاول الذي صدر من قبل الجهات الفرنسية في الأيام الماضية عبر الوثائقي الذي شوه الحراك الشعبي، يجسد صورة حقيقية لتعامل فرنسا الرسمية مع مستعمراتها ورغبتها المستمرة في تدمير كل من يطمح لتخلص منها"، قبل، مشيرا في المقابل إلى أنه لا يربط بين حملة التشويه الذي تقوم به باريس عبر قنواتها الإعلامية الرسمية وغيير رسمية وبين مقترح القانون الخاص بتجريم الاستعمار، "إذ لا ينحصر الأمر بالظروف المتأزمة التي تطبع العلاقات الجزائرية الفرنسية من حين لآخر، وإنما يندرج المقترح في سياقه التاريخي المبني على وقائع حقيقية عانى من نتائجها الشعب الجزائري بالداخل والخارج في رحلة دفاعه عن الحرية والاستقلال".
مشروع للاعتراف والاعتذار عن جرائم الإبادة منذ 1830
ويتطرق مقترح مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي بالجزائر، الذي كانت "المساء" أول من نشرت مضمونه، للجرائم الفرنسية بالجزائر خلال الحقبة الاستعمارية التي امتدت من 1830 إلى 1962، حيث يصنفها كجرائم إبادة جماعية ضد الإنسانية، ارتكبت في حق الشعب الجزائري. ويتمحور الهدف الأساسي للمقترح حول مطلب الاعتراف والاعتذار، الذي يتوجب على الدولة الفرنسية الاستجابة له، باعتبار أن تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم، لاسيما وأن آثارها لاتزال ماثلة للعيان حتى اليوم، سواء على الإنسان أو على البيئة، مثلما هو الأمر بالنسبة للآثار المدمرة للتجارب النووية بالصحراء الجزائرية، فضلا عن المخلفات النفسية التي تكبدها الشعب الجزائري.
ويسرد مقترح القانون السياق التاريخي للاستعمار الفرنسي بالجزائر من 1830 إلى 1962، مستعرضا شهادات لجنرالات فرنسا وضباطها، تناولتها مذكراتهم وكتاباتهم، خلال حقبات زمنية وعقود متفرقة قاسمها المشترك هو الاستعمار، ومنها على سبيل المثال مؤلفات "الجنرال بيجو"، "الدوق دي روفيقو"، "سانت أرنو"، "بيليسي"، "مونتينياك"، "أوساريس"، "شال موريس"، "راؤول صالون"، "جان ماسي" و"إيدمان جوهر"، حيث يشير النص إلى أن "هؤلاء أطلقوا العنان لأقلامهم في وصف ما قاموا به من جرائم ضد الشعب الجزائري الأعزل من أعمال قتل وإبادة وطمس للهوية الوطنية والدين".
و سجل المقترح وضعيات اجتماعية عنصرية أسقطها المستعمر على الشعب الجزائري الأعزل لتمييزه واحتقاره، ومنها قانوني "الأنديجينا" العنصري والخدمة العسكرية الإجبارية، اللذان كانا، حسب صاحب المقترح، دافعا قويا لتهجير الشعب الجزائري نحو تونس والمغرب والشام وأوروبا بشكل عام. واستنادا إلى الأرشيف الذي دونه المؤرخون فقد تم إحصاء ما يربو عن 60 ألف حالة هجرة، بما فيها تلك التي تخص من تم نفيهم نحو جزر "موحشة" بالمستعمرات الفرنسية ككاليدونيا الجديدة.
بالإضافة إلى هذا، تناول المقترح، قانون "سانتوس كونسلت" الصادر سنة 1871 والذي تمت بموجبه مصادرة أراضي الشعب الجزائري وتفقيره وتجويعه، موازاة مع شن حملة تنصير من قبل أساقفة فرنسيين، استهدفت الزوايا والمعالم الدينية، بهدف مسخ أبرز مكونات الهوية وهو الإسلام، حيث شرع في تلك الحملة في سنة 1938، لتشهد بعدها فترة الثورة التحريرية أبشع الجرائم الفرنسية بالداخل وبالمهجر، توالت إلى غاية تنفيذ التفجيرات النووية في صحراء رقان، في عملية "اليربوع الأزرق" التي فاقت قوتها ثلاث مرات القنبلة النووية التي ألقتها قوات الحلفاء على جزيرة هيروشيما باليابان".
5 مواد قانونية لتوثيق الجرائم الاستعمارية
وورد مقترح تجريم الاستعمار في خمسة مواد جوهرية، فيما شملت مادة سادسة الشكل الإجرائي لنشر القانون في الجريدة الرسمية، حيث تناولت المادة الأولى الهدف من المقترح وهو "تجريم الأعمال الإجرامية التي ارتكبها المستعمر الفرنسي بالجزائر من سنة 1830 إلى 1962"، أما المادة الثانية فتطرقت إلى "مسؤولية فرنسا عن كل الجرائم التي ارتكبتها جيوشها في حق الشعب الجزائري إبان احتلالها للجزائر". في حين تؤكد المادة الثالثة أن "الجرائم المعنية في القانون هي أشد الجرائم خطورة" وصنفتها "كجرائم إبادة جماعية ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد الشعب الجزائري".
وفي حين تشرح المادة الرابعة "حق الجزائر في الحصول على الاعتراف الفرنسي بالجرائم، وجاءت على النحو التالي "يعتبر حق مشروع للشعب الجزائري غير قابل للتنازل، طلب اعتراف فرنسا بجرائمها وأفعالها في حق الشعب الجزائري إبان احتلالها للجزائر من سنة 1830 إلى 1962"، تشير المادة الخامسة من المقترح إلى أنه "لا تسقط الجرائم الفرنسية الواردة في المادة 3 من المقترح بالتقادم".
وأشار صاحب المقترح في تصريحه لـ "المساء" إلى أنه حصر المواد الواردة في المشروع في 5 مواد تضم المحاور الكبرى لاستعمار وجرائمه باستعمال القانون المقارن وتكييف الجرائم مع العقوبات، وذلك حتى يترك المجال للنواب لإثراء المشروع بالاقتراحات والإضافات التي تناسب، حسب خبرتهم ونظرتهم، لتبقى الآمال معلقة على قرار مكتب المجلس الشعبي الوطني في البث في مصير هذا المقترح الذي يبدو أن السياق الزمني أضحى مناسبا لبعثه.