أكاديميون يبرزون دور الفقيد بلمان في التسيير المحلي منذ 50 سنة:

الفعل الانتخابي ممارسة تكرس القيم الديمقراطية

الفعل الانتخابي ممارسة تكرس القيم الديمقراطية
  • القراءات: 585
م.أجاوت م.أجاوت

أبرز أكاديميون وأساتذة جامعيون أمس، الجهود الكبيرة التي بذلها المجاهد الفقيد فرحات بلمان (أول رئيس مكلف بتسيير مجلس مدينة الجزائر بعد الاستقلال)، في مسيرة بناء مؤسسات الدولة وتشكيل النواة الأولى للتسيير البلدي على المستوى المحلي، مؤكدين أن الفعل الانتخابي لا يعد تجربة فقط بالنسبة للجزائر، وانما يتعدى ذلك إلى ممارسة كرّست قيم الديمقراطية وحريّة الاختيار ممثلي الشعب.

وأوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور عامر رخيلة، في تدخل له أمس، بمنتدى «المجاهد» المنظم من قبل جمعية «مشعل الشهيد» بمناسبة إحياء الذكرى الـ50 لأول انتخابات المجالس المنتخبة البلدية والولائية، أن الفقيد كان له الفضل الكبير في تسيير ورعاية شؤون هذا التنظيم البلدي الموروث عن العهد الاستعماري، مؤكدا أن حجم المأمورية التي كلّف بها في نوفمبر 1967 على رأس المجلس المذكور كانت صعبة ومعقّدة للغاية، بالنظر لتركة الاستعمار المثقلة بالمشاكل العديدة.

وأضاف رخيلة في هذا الشأن أن الفقيد بلمان، كان في مواجهة حقيقية مع الوضع القائم في تلك الفترة، خاصة أمام غياب اللاأمن والبطالة الخانقة والآفات الاجتماعية و»تصدع» الهياكل الإدارية والسياسية الموروثة عن الحكم الفرنسي، وما صاحبها من وضع اجتماعي مترد تجسدت بعض مظاهره في وجود 300 ألف طفل يتيم ونصف مليون معتقل و700 ألف نازح من القرى و300 ألف منفي لتونس والمغرب، حيث أيد الفقيد فكرة تكوين وإعداد إطارات كفأة وأعوان إداريين لحسن التسيير الإداري وتوظيفهم في مختلف المجالات الحيوية.

وأشار الأستاذ رخيلة، في هذا الإطار إلى فكرة التأسيس لنمط التسيير المحلي في إطار التنظيم البلدي أثناء الثورة ضمن الاستراتيجية الاستعمارية لفرنسا لتوسيع انتشارها وتواجدها في كل مناطق وربوع الوطن، حيث أنشأت سنة 1956 ما يعادل 372 بلدية مختلطة ليرتفع عددها فيما بعد إلى 1577 بلدية «إلا أنه تم تقليص هذا العدد سنة 1963 إلى النصف، أي ما يعادل 676 بلدية عبر الوطن، مذكّرا بإنشاء التشريعات المحددة لقانون البلدية والولاية سنة 1967، وما صاحبها من حتمية الإصلاح الإداري وتوسيع اللامركزية في التسيير لتجاوز العجز المالي المسجل آنذاك وتقريب الإدارة من المواطن، حيث سمح ذلك ـ حسبه ـ برفع العدد المذكور إلى 691 بلدية ثم 703 بلديات سنة 1977، كما ارتفع العدد الى 838 بلدية ليستقر سنة 1984 في 1541 بلدية على مستوى الوطن.

بدوره ثمّن أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر الدكتور محمد لحسن زغيدي، في تدخله المسيرة النضالية والسياسية للفقيد بلمان، وتفانيه في تسيير شؤون أول مجلس بلدي لمدينة الجزائر، ومساعيه في البناء البلدي باعتباره الخلية الأولى لمؤسسات الدولة بصفة عامة، مؤكدا أن الجزائر طورت تجربتها الانتخابية منذ تلك الفترة لتصبح اليوم ممارسة سياسية استكملت البناء الديمقراطي، والتوجه أكثر نحو الاستجابة لشؤون المواطن وانشغالاته على المستوى المحلي في إطار تحسين وضعه الاجتماعي دون اغفال التركيز على التنمية المحلية.

وأشار الأكاديمي بالمناسبة إلى تمكن الرجل ورفاق دربه في تلك الفترة من المزاوجة بين النضالين الثوري والسياسي في التسيير المحلي لشؤون الهيئات المحلية، «أعطى دفعا قويا للمهمة النيابية والتحكم أكثر في الإدارة المحلية»، داعيا إلى ضرورة الاقتداء بمثل سيرة وخصال هؤلاء الرجال «الذين تركوا بصماتهم واضحة في مجال تحمل مسؤولية تسيير الجماعات المحلية».

وتواصل اللقاء بتقديم بعض الشهادات الحيّة لرفاق درب الرجل على غرار المجاهد عبد القادر ظريف (من مؤسسي فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم)، والصحفي الأسبق بجريدة المجاهد محمود بوسوسة، ورئيس مجلس الشورى لاتحاد المغرب العربي سعيد مقدم، كما تم تكريم عائلة المجاهد الفقيد بالمناسبة.

يذكر أن فرحات بلمان، المدعو (بغدادي) من مواليد 15 أوت 1927 بالعوانة بجيجل، انتقل للإقامة بالجزائر العاصمة ببلوزداد (بلكور سابقا) سنة 1934، وبدأ النضال بحزب الشعب ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية سنة 1945، والتحق بعدها بسنة بالاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري. كما التحق في 1955 بجبهة التحرير الوطني والتقى بمفجري الثورة رابح بيطاط وعبان رمضان، قبل أن ينتخب في 24 فيفري 1956 عضوا بالمكتب التنفيذي للاتحاد العام للعمال الجزائريين.

وبعد اعتقاله أواخر 1956 من قبل السلطات الاستعمارية وإطلاق سراحه أواخر مارس 1962، عين من قبل فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا على رأس المجلس الشعبي لمدينة الجزائر الذي كان يضم آنذاك 13 بلدية فقط، كما انتخب بعدها أول رئيس لمدينة العاصمة بعد الاستقلال.

وانتخب الفقيد سنة 1963 عضوا بالمجلس الوطني لمنظمة المجاهدين، وبعد إنهاء مهامه من على رأس مجلس مدينة الجزائر سنة 1967 التحق بوزارة الداخلية لتسيير المديرية العامة للجماعات المحلية.

كما تولّى رئاسة نادي مولودية الجزائر سنة 1971، قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى بعد مرض ألزمه الفراش يوم 23 فيفري 1996