بعد تهنئة الرئيس بوتفليقة:

الرسالة التي أثقلت موازين أحمد أويحيى..

الرسالة التي أثقلت موازين أحمد أويحيى..
  • القراءات: 728
العربي ونوغي العربي ونوغي

"... تابعت باهتمام مجريات العملية الديمقراطية التي جرت فيها استحقاقات انتخابكم أمينا عاما لحزب التجمع الوطني الديمقراطي بفوز باهر ومستحق. وهو الحزب الذي تبنّى مواقف وطنية. اتسمت على الدوام بالنزاهة والحكمة وتغليب المصالح العليا للمواطن. وهذا بفضل برنامجه السياسي والاجتماعي المتجدد وخطه الوطني الصريح... وكنت على يقين من أن مناضلات ومناضلي التجمع الوطني الديمقراطي لهم من الحس السياسي والوعي ما جعلهم ينتخبونكم أمينا عاما لهذا الحزب...” . هذا مقتطف من رسالة التهنئة التي بعث بها الرئيس السيد عبد العزيز بوتفليقة، إلى الأمين العام للأرندي السيد أحمد أويحيى. ليس مألوفا لدى الرئيس بوتفليقة توجيه مثل هذه الرسائل إلى رؤساء أحزاب انتخبوا من طرف مناضليهم. وإن كان في بعض الفرص شكر بعضهم (في حالة السيدة حنون) أو بعض الشخصيات التي تحظى بثقل سياسي وشعبي كما كان الشأن بالنسبة للراحلين آيت أحمد ومهري... لكن توجيه رسالة تهنئة بدقة متناهية في اختيار كلماتها (الفوز الباهر.. مواقف وطنية.. النزاهة.. الحكمة.. الوطنية.. الحس السياسي.. الوعي...). هذه كلمات ليست ككل الكلمات.. ليس لأنها جاءت من طرف رئيس الجمهورية فقط. ولكن لما تحمله كل كلمة من “ثقل سياسي” وأبعاد في المغزى والهدف المتوخى منها. كل كلمة هي رسالة في حد ذاتها لها أبعادها ودلالاتها. وبالتأكيد فإن رسالة الرئيس بوتفليقة إلى السيد أويحيى يمكن القول أنها ضربت عدة عصافير بحجر واحد. 

أولا: بالنسبة للأمين العام للأرندي نفسه. لقد أعطته رسالة الرئيس دعامة كبيرة سياسيا ومعنويا. وهو الذي كان يواجه خصوما من داخل “بيته”. معارضون عملوا على إفشال مؤتمره الاستثنائي الذي تحول إلى عادي بعد رسالة الرئيس. وأنصفه مجلس الدولة برفض مطلب المعارضين. دعامة الرئيس بوتفليقة أعطت أريحية كبيرة للسيد أويحيى، في التحضير للتشريعيات ثم البلديات والولائيات القادمة. فهو منتخب لخمس سنوات. وأعطاه المؤتمر تزكية وصلاحيات واسعة للتغيير والتجديد. بدأها “سي أحمد” مبكرا بإبعاد بعض المؤسسين الذين ربما كانوا ينظرون ويتعاملون مع التجمع فيما يشبه “الملكية الخاصة” أي حق “الشفعة”. أوزان كبيرة تم إبعادها من المجلس الوطني. لم تتمكن من ذلك لا بالصندوق ولا بالتعيين عبر “الكوطة” المخصصة للأمين العام وفق قوانين الأرندي. بتعبير صحفي متداول لقد مكّنت رسالة الرئيس بوتفليقة إلى الأمين العام الجديد للتجمع الوطني الديمقراطي من تنصيبه “الرجل القوي” لقيادة الحزب. على الأقل للخمس سنوات القادمة بشرعية انتخابية جرت عبر الاقتراع السري ولأول مرة. اختيار الصندوق في عرف المحللين السياسيين هو نابع من أمرين أو احتمالين لا غيرهما أو هما معا. سواء أن المؤشرات والمعطيات التي رافقت الانتخابات التمهيدية وسبقت يوم الحسم (المؤتمر) كانت توحي للسيد أحمد أويحيى وأنصاره بأن “النصر” آت والفوز على خصومه بالضربة القاضية مسألة أيام معدودات وهو ما تحقّق. 

أو أن “سي أحمد” ضاق ذرعا بدسائس المناوئين والمعارضين والطامحين والطامعين الذين يخرجون كل مرة بتصريحات وعرائض لسحب الثقة أو على الأقل بمواقف أتعبت المناضلين قبل القيادة. وأضعفت صورة الحزب في الساحة السياسية. ومن ثمة أراد أن يحسم الوضع مرة واحدة وبشفافية مطلقة: “أن أكون أو لا أكون”. وفي كلتا الحالتين هناك حسابات ومعطيات تم جمعها ودراستها بدقّة متناهية. ففي السياسة لا يوجد أمر يترك للصدفة. طبعا باستثناء المتربصين في ممارسة السياسة. ثانيا: بالنسبة للمناضلين فإن رسالة الرئيس وإشادته بأمينهم العام وبالمناضلين أنفسهم ستكون زادا ودعامة في أيام الشدة الانتخابية. بعضهم سارع إلى القول دون تردد: “نحن أيضا حزب الرئيس. وليس مساندين فقط”. وهو رد وتلميح يكاد يكون صريحا على الغريم جبهة التحرير. أي إسقاط ورقة كان الآفلان يتبنّاها بمفرده. بل صرح أمس أحد الفاعلين في الأرندي للمساء بأننا سنكون الحزب الأول للرئيس وبالملموس. سننزل إلى الميدان ولن نكتفي بالتحدث في الندوات الصحفية. وواضح القصد والمستهدف. في الحقيقة ليست المرة الأولى التي “ ينقذ” الرئيس بوتفليقة السيد أحمد أويحيى من “خصومه “ وضغوطهم ودسائسهم.. في 2008 كان “سي أحمد” يواجه تقريبا نفس المتاعب والضغوط من معارضيه. وكانوا يحضرون لسحب الثقة منه في مؤتمر كان يجري على فوهة بركان. أعلن فيه حتى على من سيخلفه بالأسماء. لكن قبل أقل من أسبوع حدثت “معجزة” غيّرت كل الموازين والمعطيات بإقدام الرئيس بوتفليقة، على تعيين السيد أحمد أويحيى رئيسا للحكومة. فتغيرت كل المعطيات تبعا لذلكم الاختيار والقرار. وتربع “سي أحمد” على عرش الحكومة والحزب على السواء. 

في المقابل لم يسجل الإعلام والسياسيون أي موقف “مشبوه” لزعيم الأرندي ضد برنامج أو سياسة الرئيس بوتفليقة، أو حتى ضد شخص الرئيس نفسه كما فعل البعض وعلى الخصوص عند مرضه أو لما اشتعلت بلدان عربية نتيجة فوضى مدروسة أطلق عليها “الربيع العربي”. شردت الملايين وحطمت شعوبا وأفقرتها. وكان من بيننا من هلل وزار عواصم كثيرة “ يستجديها” لتزرع فتائلها. عارضا خدماته على تلك الدول التي تورطت إعلاما وترويجا ومالا وحتى سلاحا ( ..... ). في تلك الأوقات الصعبة والحرجة التي غير فيها البعض مواقفهم وهللوا للطامة الكبرى. دافع السيد أويحيى عن استمرارية الدولة ومؤسساتها وشرعية الرئيس واستقرار البلد. معلنا أنه سيظل مع الرئيس وبرنامجه ولو بقي وحيدا. لا غرابة إذن أن يجد زعيم الأرندي كل هذا الدعم (في وقت حرج داخل حزبه) من طرف رئيس الجمهورية الذي يشهد له ومعروف عنه أنه يحسن الوزن والكيل ويختار التوقيت الأنسب لذلك.