رئيس الأرسيدي لـ «لوبوان أفريك»:
الرئيس بوتفليقة هو من يسيّر شؤون الحكم والوحيد الذي غيّر الدستور جذريّا

- 1165

أكد رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس، أن رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة هو من يسيّر شؤون الحكم، ويتخذ القرارات في البلاد. كما نجح في إحداث تغيير عميق في الدستور، قائلا في هذا الصدد إن «تسيير دفة الحكم لا يعني بالضرورة التمتع بالقدرات (يقصد الجسدية) لاتخاذ القرار بصرامة وحضور»، ليضيف: «تاريخ الشعوب مليئ بأمثلة عن عدة حكام بقدرات محدودة لم يغادروا الحكم إلا بالوفاة.. وهذا يعني أن المشكلة في مكان آخر».
بلعباس رد في حوار للمجلة الفرنسية «لوبوان أفريك» عندما سئل هل الرئيس (عبد العزيز بوتفليقة) يُسيّر أم لا؟ رد بالقول: «شخصيا أعتقد أن رئيس الدولة الجزائرية لم يسبق أن سيّر البلد كما يفعل منذ عام 2014».
رئيس «الأرسيدي» استدل في هذا الصدد بالقول: «السبب بسيط... من هو رئيس الدولة الذي تجرأ على تعديل عميق للدستور كما فعل بوتفليقة في فيفري 2016؟ ومن هو رئيس الدولة الذي عدّل قانون الانتخابات؛ إذ وجدت أحزاب نفسها خارج السباق كما فعل بوتفليقة؟»، مستطردا: «ما كان شيء كهذا يحدث لو أن رئيس الدولة لا يحكم».
ويبدو أن الأرسيدي منذ مجيئ محسن بلعباس طوّر خطاباته وآفاق سياسته،
وخرج من بوتقة ماض لم يقدم شيئا للحزب في الساحة (سياسيا). لقد تمكن بلعباس من تغيير مواقف سابقة في هدوء تام داخل الحزب وبين المناضلين، من ذلك الكلام عن المادة 88 من الدستور الماضي.
رئيس الأرسيدي في حواره مع مجلة «لوبوان أفريك»، شدد على أن الرئيس بوتفليقة هو الرئيس الفعلي، وهو تصريح خارج عن مألوف الخطاب السياسي الذي عوّدنا عليه الحزب خلال الفترات السابقة، مما يعكس التوجهات الجديدة التي رسمتها التطورات السياسية للبلاد، لاسيما والاستعدادات جارية لأول تشريعيات في ظل الدستور الجديد، وهو توجه تشاركه فيه أحزاب أخرى عوّدتنا على المقاطعة، لكنها صممت خوض الاستحقاق القادم في ظل معطيات جديدة.
محسن بلعباس برر قرار مشاركة حزبه في تشريعيات ماي القادم، ببروز مرحلة سياسية جديدة على ضوء التأثيرات الإقليمية والدولية، وتغير الخطاب السياسي للدول الغربية تجاه بلدان الحوض المتوسطي، إلا أنه يمكن استشفاف بروز إرادة لدى القيادة الجديدة للأرسيدي لتدارك الأخطاء السابقة التي دفع ثمنها بسبب قرار المقاطعة التي غيّبته عن الساحة السياسية، وغذّت في المقابل خلافاته الداخلية، إلى درجة دفعت ببعض قياديّيه السابقين إلى الترشح في قوائم حرة، بل جعلت أحزابا أخرى في مناطق تواجد الأرسيدي، تجنّد بعض أتباعه.
المقاطعة التي رافع من أجلها حزب الأرسيدي في السابق، لم تنجح في استقطاب المعارضة وضمها إليه باعتراف بلعباس، الذي يأمل في استعادة مكانة الحزب بعد أن ترك المجال واسعا أمام غريمه الأفافاس وأحزاب أخرى، منها من كان مناضلا في الأرسيدي. كما يتطلع عبر استغلال الحملة الانتخابية للتشريعيات القادمة، للتقرب من المواطن عبر التجمعات الشعبية واللقاءات الجوارية، قائلا بأن حزبه لم يكن يسمح له القيام بمثل هذه النشاطات خلال مقاطعته الانتخابات.
أكثر من ذلك، يذهب رئيس الأرسيدي بعيدا، عندما لا يربط قرار المقاطعة بالتزوير وعدم توفر الضمانات، مبررا عدم مشاركة حزبه في التشريعيات الماضية بالظروف التي كانت تطبع المرحلة السياسية للبلاد آنذاك، كما كانت الحال مع «الربيع الأسود» الذي عرفته منطقة القبائل، وحالة الحزن التي عمت هذه المنطقة في 2002، مما دفع بالحزب إلى الإحجام عن خوض حملة انتخابية في تلك الظروف، عن مقاطعة الانتخابات في 2012، فبررها بلعباس ببطء تنفيذ الإصلاحات التي وعد بها رئيس الجمهورية في خطابه سنة 2011، والتي كان على رأسها تعديل الدستور، فضلا عن تزامن ذلك مع أحداث الربيع العربي، التي جعلت الحزب في حالة ترقب للإطار السياسي الإقليمي الجديد.
دسترة العملية الانتخابية تضمن الأريحية للأحزاب
إذا كان الاستحقاق المقبل يشكل فرصة للأرسيدي لمحاولة تدارك ما فات وتنشيط «الذاكرة السياسية» لحزب سبق أن شارك بحقائب وزارية هامة في الحكومة، فإن المعطيات السياسية الجديدة والضمانات التي قدمتها الدولة لإنجاج هذا الموعد وعلى رأسها دسترة العملية الانتخابية، تشكل حافزا للأرسيدي وبقية الأحزاب لدخول الاستحقاق بضمانات مسبقة، وهو ما تحدّث عنه بلعباس، عندما أشار إلى إجراء الرئيس بوتفليقة تغييرا عميقا في الدستور.
بلا شك فإن تغير الظروف السياسية التي تحدّث عنها بلعباس في حواره إلى المجلة الفرنسية، كانت ثمرة الإصلاحات التي باشرها الرئيس بوتفليقة رغم ما طالها من انتقادات قبل البت فيها، ليتبين فيما بعد أنها تحمل أبعادا متعددة وفق رؤية استشرافية، ترتكز على التأسيس لأخلاقيات ديمقراطية عميقة، تتوافق والتوجه السياسي للبلاد. وقد آتت هذه الجهود أكلها؛ إذ انعكست على تهذيب الخطاب السياسي وأخلقة الممارسة السياسية لدى الإسلاميين والعلمانيين على السواء.
كما بدا رئيس الأرسيدي أكثر تجاوبا مع المتغيرات السياسية، بتأكيده في وقت سابق، على أهمية المشاركة في التشريعيات القادمة، والتخلي عن التشاؤم وثقافة اليأس، داعيا إلى الكف عن القول بأن «النشاط السياسي لا يجدي نفعا»، وأن «الأمور قد حُسمت مسبقا»، وهو ما يعكس الوعي البارز الذي بات يميز التوجه الجديد للأرسيدي وأهمية ركوب القطار قبل انطلاقه، لاسيما بعد قرار التشكيلات الإسلامية المشاركة في هذه الانتخابات.
الأرسيدي أمام امتحان الإثبات السياسي
يبدو أن القيادي الشاب الذي خلف سعيد سعدي على رأس الأرسيدي منذ 2012، قد أدرك حتمية «الإثبات السياسي» خارج إطار المقاطعة، وهو الذي اعترف في أحد تجمعاته بأن «في السياسة لا شيء يعطَى وإنما كل شيء يُنتزع»، بل ذهب أبعد من ذلك بالتأكيد على أن الطموح التاريخي للأرسيدي، هو خلق وترسيخ تقاليد أخلاقية وسياسية، من شأنها مصالحة الجزائريات والجزائريين مع مؤسساتهم.
بلا شك، فإن محسن بلعباس الذي سيشهد أول استحقاق منذ توليه قيادة الحزب، سيكون أمام امتحان صعب لقياس ثقل حزبه أمام منافسه الأفافاس لا سيما في منطقة اشتهرت كثيرا بدعوات المقاطعة التي ترفعها بعض التنظيمات غير المعترف بها هناك كلما حل أي موعد انتخابي. والمسؤولية لا تقع على الأرسيدي وحده، بل حتى على جبهة القوى الاشتراكية التي ستشهد أول انتخابات بعد رحيل الزعيم التاريخي «الدا حسين»، وفي ظل ما يعيشه من انشقاقات داخلية.
إذا كانت الأحزاب التي أخذت بتقليد المشاركة ثم المقاطعة وفق ما سماه الراحل محفوظ نحناح «المشاطعة»، فإن تقلب المواقف لا يعكس ظاهرة مرضية طالما أن التشكيلات السياسية ترى أن لكل مرحلة خياراتها السياسية، وبذلك يكون الأرسيدي قد رأى أن خياراته الراهنة تكمن في تعزيز ركائز الحزب بالتخلي عن مبدأ الكرسي الشاغر، وهو ما تشاطره أيضا جبهة القوى الاشتراكية، التي ستجد نفسها هذه المرة وجها لوجه في أول عملية انتخابية منذ 20 سنة مع غريمها الأرسيدي، متشبثة بمبدأ حتمية المشاركة في المواعيد الانتخابية لرسم التوجهات الكبرى للبلاد، ومن ثم الحفاظ على مكانتها العريقة؛ كأقدم حزب عزّز صرح المعارضة في البلاد.