في ذكرى استرجاع السيادة الوطنية،،، مجاهدون:
"الجزائر كيان يسكن فينا وليست أرضا نسكن فيها"
- 708
س. س
❊ السلف يدعو الخلف لصون أمانة الشهداء
مازالت ذكرى استعادة السيادة الوطنية في الخامس جويلية 1962، راسخة في الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري، ضمن موعد تاريخي سطعت فيه شمس الحرية بعد ليل حالك استمر لأكثر من 130 عام وبعد سبع سنوات ونصف من ثورة رائدة تمكن صانعوها من انتزاع استقلال الجزائر مقابل تضحيات جسام قدمها الشهداء الأبرار وكل أبناء هذا الشعب الباسل.
والواقع أن المحتل الفرنسي، لم تهدأ له عين منذ دنست أقدامه أرض الجزائر التي رفض شعبها الخنوع وراح يخرج من ثورة إلا وأشعل فتيل ثورة أخرى في وجه محتل غاصب، ومقاومات شعبية شملت كل مناطق البلاد، من مقاومة الأمير عبد القادر في غربها إلى أحمد باي في شرقها وثورة الزعاطشة في جنوبها والمقراني ولالة فاطمة نسومر في وسطها وصولا إلى الحركة الوطنية بداية القرن الماضي، والنضال السياسي الذي أعقبها ضمن حركية رفض متواصلة، توجت باندلاع ثورة الفاتح نوفمبر المجيدة التي شكلت المنعرج والنهاية للاستيطاني الفرنسي.
ورغم التباعد الزمني بين هذه الثورات المحدودة من حيث نطاقها الإقليمي ومدتها وإخماد لهيبها، إلا أنها كانت رسائل قوية للمحتل الفرنسي الذي اقتنع أن إخضاع هذا الشعب لن يطول، وأن اندحاره وخروجه المحتوم من الجزائر آت اليوم قبل الغد.
وكانت ثورة الفاتح نوفمبر 1954، بمثابة تتويج لرصيد ذلك الكفاح والنضال المتواصل وشكلت ثمرة مسار خاضه الأجداد والآباء الذين جعلوا استرجاع شرف الجزائر هدفا مقدسا وجعلهم يعلنونها في ذلك اليوم المشهود، ثورة شاملة من أقصى الشمال إلى اقصى الجنوب ومن اقصى الغرب إلى اقصى الشرق مما جعلها، أقوى ثورة تحررية تعرفها البشرية في القرن العشرين، وأصبحت مقررا يدرس في كبريات المدارس العسكرية في العالم.
وكان إصرار مفجّري الثورة وقوافل الشهداء وجحافل المجاهدين عربون يوم النصر الأكبر المصادف ليوم الخامس جويلية من كل عام، استرجعت فيه الجزائر سيادتها وكرامتها، ضمن يوم رسخ في ذاكرة من عايشوه وتقاسموا فيه فرحة فريدة تقشعر فيها أبدانهم كلما تذكروا تلك اللحظات التي نقشت بأحرف من ذهب كلمتي الاستقلال والحرية.
وكأنه حدث وقع أمس، استعادت الجدة لعريبي الزهرة، وهي في عقدها الثامن حيثيات ذلك اليوم المشهود وهي لما خرجت فيه رفقة والدتها المرحومة إلى الطريق الرئيسي بحي بلكور ، محمد بلوزداد حاليا وهي مرتدية "الحايك الأبيض"، والراية الوطنية في يدها وصيحات الله أكبر تصدع من فيها، وهي تسير منتشية باتجاه ساحة أول ماي.
وأضافت أن زغاريد النسوة كانت تصدح من كل مكان على طول شارع بلوزداد، وسط تدافع كبير لمئات الأطفال الذين كانوا يتهافتون من أجل الظفر بالراية الوطنية.
وقالت الزهرة، رغم أنها كانت في سن الرابعة عشرة من عمرها آنذاك، أنها لن تنسى أبدا مشهد العناق بين مئات المواطنين ودموع الفرح تنهمر من أعينهم لاسترجاع الحرية والكرامة".
ولكن الشيء الذي بقي راسخا في مخيلتها إلى حد الآن، إقدام احد المجاهدين على منحها راية وطنية قبل أن يحلمها عاليا فوق ظهره، حتى تتمكن من رؤية تفاصيل مشاهد الاحتفال وسط تزاحم كبير للمواطنين الذين فضل الكثير منهم الرقص وسط أرجاء ساحة أول ماي التي لم تغادرها إلا في وقت متأخر من مساء ذلك اليوم.
وبكثير من التأثر راحت السيدة يمنية كداد، أرملة المجاهد عروي تذرف دموعها بعفوية وبعاطفة جياشة وهي تروي مجريات مشاركتها في احتفال ذلك اليوم المشهود، والذي صادف لقاءها بزوجها المجاهد بعد غياب دام قرابة سنة، ما جعلها تطلق الزغاريد التي دوت أرجاء بيتها المشيد بالطوب وسط مدينة نقاوس بولاية باتنة.
وعادت السيدة كداد، وهي تروي تفاصيل ذلك اليوم إلى درجة التأثر التي طبعت محيا زوجها المجاهد وهو يرى لأول مرة رضيعه البكر، حيث تركها حاملا في شهرها الرابع، عندما غادر بيت الزوجية ملتحقا بصفوف "الخاوة" في الجبل.
وقالت إنها من شدة فرحتها تركت زوجها مع ابنها الرضيع، متوجهة إلى بيت جارتها لتلتحق بالنسوة اللائي كن يحضرن الحلويات وأطباق متنوعة، أبرزها طبق الكسكسي لإقامة ما يعرف بـ "الوعدة" وإشراك كل سكان الدشرة من تناول غذاء جماعي تعالت خلاله أصوات الرجال بعبارات "الله أكبر وتحيا الجزائر".
وختمت السيدة كداد شهادتها، أنها رغم النجاحات العائلية التي تحققت بعون الله من نجاح الأبناء في الدراسة وتزوجيهم، إلا أن فرحة ذلك اليوم بقيت "فريدة ولا يمكن أن تساويها أية فرحة".
ووصف المجاهد والحين يحيى، المولود سنة 1936 بمدينة مليانة بولاية عين الدفلى، يوم استقلال الجزائر بـ"التاريخي"، مؤكدا أن فرحة الاستقلال لم تغفل عنه وزملاءه المجاهدين، أخذ الحيطة والحذر من عدو فرنسي مخادع، حيث ضمنوا تأمين الاحتفالات الشعبية التي جابت كل مناطق الجزائر.
وأضاف المجاهد والحين، الذي التحق بصفوف الثورة بالولاية التاريخية الرابعة، وهو يستذكر تلك المشاهد الاحتفالية، بأن الكلمات وكل العبارات تعجز عن وصف تلك الفرحة، مضيفا أن "الجزائر كيان يسكن فينا لا أرض نسكن فيها"، داعيا أجيال الاستقلال لصون أمانة الشهداء والنهوض بالجزائر وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية.